العقيدة هي الإيمان الجازم بالله، وأهمية العقيدة العقيدة الواسطية ترجع إلى ما يجب معرفته حول الايمان بالله تعالى وما يجب له في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره وما يتعلق بموضوع علل العقيدة الاسلامية، وما أجمع عليه سلف الأمة، والتسليم لله تعالى في الحكم والأمر والقدر والشرع، ولرسوله بالطاعة والتحكيم والاتباع، وهى الامور التي تتصل أيضا بما يتعلق بموضوع العقيدة الواسطية حيث تعتبر العقيدة من حيث كونها علماً -بمفهوم أهل السنة والجماعة- تشمل موضوعات: التوحيد، والإيمان، والإسلام، والغيبيات، والنبَّوات، والقدر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وسائر أصول الدين والاعتقاد، ويتبعه الرد على أهل الأهواء والبدع، وسائر الملل والنِّحل والمذاهب الضالة، والموقف منهم.
العقيدة الواسطية عقيدة أهل السنة والجماعة
يعتمد أهل السنة والجماعة على خمسة مصادر تعلمهم العقيدة ومبادئ العقيدة الواسطية وهي:
1- كتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
2- ما صح من سنة الرسول ، فهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى.
3- إجماع السلف: من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة في القرون الفاضلة.
4- العقل الصريح الصحيح الواعي.
5- الفطرة السليمة التي لم تغيرها الأحوال.
أهمية العقيدة الواسطية والحاجة إليها
1- يقال إن شرف العلم بشرف المعلوم، وما دام الأمر كذلك فإن هذا العلم وهذه العقيدة هي أهم العلوم وأشرفها، لأنها أساس الدين كله، ومنزلة هذا العلم من بقية العلوم كمنزلة القلب من الجسد.
2- بعث الله تعالى النبيَّ محمداً بعد فترةٍ من الرسل وبعد انحراف البشرية عن دين الله تعالى ومنهجه، فكانت بعثته حياةً ونوراً لا غنى للبشرية عنهما، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا (الأنعام/122).
وظلَّ رسول الله يصدع بكلمة الحق وينشر بين الناس العدل والخير والهداية، ويهتف قائلاً: (أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا).
وبقى القرآن يتنزل عليه في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاماً، يحدِّثه عن قضية أساسية واحدة ألا وهي قضية العقيدة والتوحيد ممثلة في قاعدتها الرئيسة: الألوهية والعبودية، وما بينهما من علاقة.
3- والعقيدة هي القضية الكبرى، قضية كل إنسان في هذا الوجود، فهي تفسر سرّ وجوده في هذا الكون، وغايته التي يسعى من أجلها، وتفسِّر له نشأته وتحدد له مصيره ونهايته، كما تجيبه على كثير من الأسئلة التي تدور في خلده، وفي جوابها ما يرسم له المنهاج المستقيم لحياته في الدنيا والآخرة.
من أنت أيها الإنسان؟! ومن الذي أوجدك؟! ولماذا أوجدك في هذه الحياة؟! وما المصير والنهاية التي تنتهي إليها بعد هذه الحياة؟! وما هي علاقتك بهذا الكون الذي تعيش فيه؟ وما علاقتك بخالق هذا الكون سبحانه؟! فتلك أسئلةٌ تشغل بال الإنسان منذ أوجده الله تعالى في هذا الكون الفسيح.
وقد يقول إنسان: إن الإجابة عن هذه الأسئلة من السهولة بمكان لا سيما ونحن قد أصبحنا نعرف الكثير من العلم، وهي الآن لا تحتاج إلى عناءٍ كثير لمعرفتها!.
4- وبعد غرس النبي تلك العقيدة في نفوس أصحابه، وتربيتهم عليها، وتعريفهم بربهم سبحانه الذي خلقهم، وأن علاقتهم بربهم علاقة الخالق الرازق المشرِّع بالمخلوق المطيع، وأنه تعالى لا إله إلا هو، وعرفهم تكاليف هذه العقيدة وأعباءها، وصبروا على الطريق الطويل الشاق، وخلصت نفوسهم لله تعالى..عندئذٍ جاءت العناية بكل جوانب البناء العظيم لهذه الشريعة الخالدة من عبادةٍ وأخلاق وسلوك وتشريع.
فالعقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه البناء، وما لم يقم العمل على هذه العقيدة فإنه سيكون هباءً منثوراً، لا ينفع صاحبه، قال تعالى: وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنثُوراً (الفرقان /23).
وقد أراد الله تعالى أن يقوم هذا الدين على قاعدةٍ أساسية هي قاعدة "الألوهية الواحدة"، فكل تشريعاته سبحانه، وكل تنظيماته تنبثق من هذه القاعدة.
إن نظام هذا الدين يتناول الحياة كلها، ويتولى شؤون البشرية كلها، وينظم حياة الإنسان ليس في الحياة الدنيا وحدها، بل في الآخرة وكذلك في عالم الغيب والشهادة وإلى غير ذلك من الأمور.
5- وليعلم الإنسان أن عقيدة "لا إله إلا الله" متى استقرت في أعماق النفس، استقر معها النظام التي تتمثل فيه هذه الكلمة، وتعيَّن أنه النظام الوحيد الذي ترتضيه النفوس المستقرة فيها هذه العقيدة، واستسلمت هذه النفوس ابتداءً لهذا النظام، وقامت بتنفيذه على الوجه الأكمل، بل ودافعت عنه بكل ما تستطيع.
إن القلوب يجب أن تُخلص أولاً لدين الله تعالى، وتُعلن عبوديتها له وحده، بقبول شرعه وحده، ورفض كل شرع آخر غيره، فإن نظام الله تعالى خيرٌ في ذاته، لأنه من شرع الله، ولن يكون شرع العبد يوماً كشرع الله تعالى: ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الَّلهُ (البقرة/140).
6- إن الاستسلام لله تعالى هو مقتضى الإيمان بالله وتوحيده، ولذلك تلقت النفوس المؤمنة التي ربّاها رسول الله أحكام الإسلام وتشريعاته بالرضى والقبول، لا تعترض على شيء منه فور صدورها إليها، ولا تتلكأ في تنفيذه بمجرد تلقيها، فقد أبطل الإسلام الخمر، وأبطل الربا، وأبطل الميسر، والعادات الجاهلية كلها بآيات من القرآن الكريم، أو بكلمات من الرسول الكريم ، بينما النظم الوضعية تجهد في هذا كله بقوانينها وتشريعاتها ونظمها وجندها وسلطانها، ودعايتها وإعلامها، فلا تبلغ إلا أن تضبط الظاهر من المخالفات .
• أهمية العقيدة الواسطية وخصائصها
للعقيدة الإسلامية سمات وخصائص تميزها عن غيرها من العقائد والأفكار الأخرى، ومن أهم :
التوقيفية: فهي عقيدة يوقف بها على الحدود التي بيَّنها وحددها رسول الله ، فلا مجال فيها لزيادة أو نقصان أو تعديل أو تبديل، فهي ربانية المصدر موحى بها من عند الله عز وجل، فلا تستمد أصولها من غير الوحي.
وهذه الخاصية تميزها عن غيرها من المعتقدات الوثنية التي تنشئها الأوهام والتصورات البشرية من تلقاء نفسها، كما أنها تميزها عن العقائد السماوية في صورتها الأخيرة التي آلت إليها على يد الأتباع بما أضافوه إليها، وبما حذفوه منها، وبما غيّروا فيها وبدّلوا حسب ما أملته عليهم أهواؤهم وشهواتهم ومصالحهم البشرية، فتحولت تلك الديانات والعقائد إلى ديانات وثنية.
وكونها ربانية فإن كل حقيقة من حقائقها تتفق مع فطرة الإنسان ولا تتناقض معها، كما أنها تتفق مع العقل كقوة واعية مدركة للحقائق، فالعقيدة تنظر إلى العقل كمحطٍ للخطاب، ومناط للتكليف وأداة للكشف والتبصر والتدبر في الكون وما فيه من مخلوقات، وكونها ربانية فهي عقيدة بسيطة واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد.
الثبات: العقيدة الإسلامية ليست نظريات وضعها البشر، وإنما هي حقائق ثابتة كاملة وضعها الله تعالى، فهي لا نقص فيها ولا أخطاء، فلا تحتاج إلى إتمام أو تعديل أو تطوير أو تصويب.
وثبات العقيدة يظهر في كل ركن من أركانها، وهذا الثبات لا يعني تجميد النشاط الإنساني، وإنما يعني الالتزام بمقاييس ثابتة يعرف بموجبها الحق من الباطل، والخير من الشر. وفي نطاق حقائق الإسلام الثابتة، يستطيع الإنسان أن يتحرك، ويرتقي، ويكتشف، ويطوّر من وسائل معيشته. فمثلاً قواعد وأسس الحكم في الإسلام واسعة ثابتة لا تتغير على مدى الأزمان، إلا أن شكل الحكومة يتغير حسب مصلحة المسلمين والعصر الذي يعيشون فيه .
الشمول: ونجد هذه الخاصية بارزة واضحة في الإسلام، فهو دين شامل كامل، لم يترك جانباً من جوانب الحياة الفردية والاجتماعية إلا وقد نظمّه تنظيماً دقيقاً شاملاً لجميع نواحي الحياة؛ ولذلك فإن العقيدة الإسلامية ـ وهي أساس هذا الدين ـ عقيدةٌ شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده وما يتفرع عن ذلك، وشاملة في نظرتها للوجود كله، فهي تُعرِّفنا على الله تعالى، والكون والحياة والإنسان معرفة صحيحة شاملة، مما جعلها منفردة عن كل العقائد والأيديولوجيات التي عرفتها البشرية.
الواقعية: العقيدة الإسلامية لا تعني الرضا بالواقع أياً كان وضعه، أو أنها تكيف مبادئها حتى تساير واقع الحياة بدون اعتبار أو حكمة، أو أنها تعتمد على الواقع الذي تدركه الحواس وتترك ما لا تؤيده التجربة. وإنما تعني مراعاة العقيدة لظروف الإنسان وفطرته، وطبيعة تكوينه، وواقع حياته.
وقد راعت العقيدة كل هذه الاعتبارات التي خلقها الله في حياة الإنسان، وكيَّفت أحكامها تبعاً لها، حتى لا تتعطل مسيرة الحياة أو تتهدد مصالح العباد.
فهي واقعية في جميع الأمور التي تدعو إليها، في العبادات والأخلاق والتشريع، أما العبادات فتتمثل في قلة التكاليف مراعية ظروف الإنسان وكثرة أعباء الحياة، ولذلك فقد كُلِّف الإنسان بعبادات لا تستغرق إلا جزءاً يسيراً من وقته، كالصلاة والصوم والحج وغيرها.
كما راعت العقيدة طبيعة النفس الإنسانية، فنوّعت العبادات المفروضة حتى لا تمل، ففرضت عليها عبادات بدنية كالصلاة والصيام، وأخرى مالية كالزكاة والصدقات، وثالثة جامعة بينهما كالحج والعمرة، حتى لا يسأم الإنسان من عبادة واحدة رتيبة لا تتغير.
كذلك فقد راعت العقيدة الإسلامية طبيعة الظروف الاستثنائية للإنسان مثل المرض والسفر التي تمنعه من أداء العبادة في صورة متكاملة فأجازت له قصر الصلاة وجمعها، والتيمم، والمسح على الجبيرة، والإفطار في رمضان وغيرها من الرخص.
ثم إن العقيدة الإسلامية واقعية في الأخلاق فيما دعت إليه من صفات النبل والخير فهي ليست فوق طاقة البشر، وإنما في مقدورهم، كالصبر على المكاره، والعفة عن الحرام، والصدق في القول، والوفاء في المعاملة ... إلخ.
أما واقعيتها في التشريع فتتمثل في اعترافها بالواقع البشري للإنسان على حقيقته، فهي لا تكبت الشهوة الإنسانية ما دام أنها في حدود؛ لأنها أمر طبيعي في حياة الناس، فأباحت الزواج وملك اليمين، ونهت عن الرهبنة في هذا الدين، وهذه الخاصية للعقيدة الإسلامية تميزها عن غيرها من المذاهب والأفكار المادية الأخرى.