خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا تعني أن الولايات المتحدة تعتمد على تركيا لتحمل عبء مواجهة هذه الخطوة ستزود المجموعة الإرهابية بفرصة لإحياء نفسها في مرحلة حرجة من القتال.
غير أن نظرة سريعة على إحداثيات الأمور من الجانب التركي، ترجح أن "أردوغان" لن يفي بالتزاماته بشأن القضاء على داعش، لانشغاله بحسابات أخرى بعيدة عن القضاء على الإرهاب فتركيزه يتسلط على الأكراد، وفقاً لتحليل مجلة "فورين بوليسي"الأمريكية.
وقالت المجلة أن التنظيم الإرهابي أسس لنفسه بنية تحتية في تركيا، وبالتالي فإن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا سيمنحه فرصة جديدة للعودة إلى الحياة، مما سيشكل تهديداً لقوات أردوغان والمدنين أنفسهم داخل تركيا، وسيسفر على ذلك ضياع جميع الجهود في سوريا بعودة التنظيم الارهابي مرة أخرى،وتعتبر بوسائل التكنولوجيا الحديثة والنقل، الخيار الأمثل لأي تنظيم إرهابي يريد استثمار المعطيات المتوفرة لتنظيم صفوفه والعودة إلى الواجهة.
التقرير نفسه أشار إلى أن الاستنفار العسكري داخل تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفت البلاد منتصف يوليو 2016، والحملة على الفساد في 2013، جعلا أنقرة تعيش حالة عدم استقرار دائم.
ومع أنه من المفترض أن تنظر أنقرة إلى "داعش" على أنه عدو ينبغي إزاحته، لكن المعادلة العسكرية والسياسية على الأرض تبدو أكثر تعقيدا، ففي الشرق الأوسط، ينظر إلى عدو العدو بمثابة صديق، وهذا معناه أن أنقرة مستفيدة من التنظيم الإرهابي بما أن الأخير عدو المقاتلين الأكراد.
ففي ذلك الوقت، قالت أنقرة إن أفضل طريقة لحل الأزمة في سوريا يكمن في إحداث تغيير بالنظام في دمشق، معلنة عن وجود أولويات أخرى بالنسبة لها، تتمثل في التصدي للمقاتلين الأكراد.
ومعتبرًا أن العمل مع تركيا في ما يتعلق بمحاربة "داعش" لم يكن فكرة سيئة، لفت التقرير إلى أن أنقرة لم تكن ملتزمة بهذا المنحى، مستشهدا بما حدث أثناء وجود الإدارة الأمريكية السابقة، التي كانت تبحث عن حلفاء للمشاركة في الحرب ضد التنظيم صيف 2014،وبعد عام، وافقت أنقرة على المشاركة في مواجهة التنظيم، لكن قواتها لم تنضم أبدا للقتال على الأرض.
ووفق المجلة، فإن الشرطة التركية ألقت القبض، بالفعل، على خلايا إرهابية تضم مقاتلين من "داعش"، من بين آخرين، لكن على أرض المعركة كانت القوات الأمريكية ووحدات حماية الشعب الكردية هم من تولوا مهمة دحر التنظيم الإرهابي.
وبناء على ذلك، خلص التقرير إلى أن التزام أردوغان بمحاربة "داعش" كان مجرد كذبة؛ لأن شغله الشاغل كان دائمًا مرتبطًا بالتخلص من المقاتلين الأكراد، ولا سبب يدعو للاعتقاد بأن أنقرة ستحول اهتمامها إلى قتال التنظيم الإرهابي، في حين أن جل تركيزها ينصب على ما تعتبره تهديدا كرديا لها.
لم يكن خيار ترك الساحة السورية لروسيا وتركيا وإيران دون وجود عسكري قد يدفع بحسب خبراء نحو مواجهة بين هذه الاطراف الثلاثة التي جمعتهم مصالح مشتركة مؤقتا في سوريا.
وتقول الصحيفة إن أسباب داخلية تتعلق بالانتخابات الأميركية المقبلة وراء قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، "فهو يقول لقاعدته الانتخابية إنه يلتزم بوعوده ولن يكون شرطي المنطقة بلا مقابل".
لكن الرئيس الأميركي أصبح في مأزق بين مقتضيات السياسة الخارجية من جهة وتنفيذ وعوده من جهة أخرى، ولذلك لم يتراجع عن قرار الانسحاب، لكنه لم يحدد جدولا زمنيا.
ويضيف مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية إنه "رغم التناقضات التي آثارها قرار الانسحاب لكنه يسقط ورقة التوت بين تركيا وروسيا وإيران الذين تجمعوا تحت راية داعش، لكن بإعلان ترامب الانسحاب ظهرت الانقسامات بين الدول الثلاث بشأن الدخول إلى منبج في شمال سوريا، فالقوات الروسية تريد الدخول إلى المدينة بينما تعارض تركيا تلك الخطوة".
ومن شأن خروج الأميركيين من سوريا، أن يغري الأتراك بشن هجوم على الأكراد في مناطقهم، لكن مع التقارب الكردي مع دمشق حاليا، قد يؤدي الاشتباك التركي الكردي إلى غضب روسي قد يضعضع حلف إيران وتركيا وروسيا.