4 أيام «مضافة» تفصلنا على نهاية ماراثون الثانوية العامة، بعد فضيحة مدوية، بتسريب الأسئلة ونماذج الإجابات، ما تسبب في إلغاء امتحانين، وإعادتهم وتأجيل 3 مواد أخرى، في أزمة ليست وليدة اليوم، ولكنها فشل متوارث، وقضية "متأصلة القدم"، يرى الجميع دور وزارة التربية والتعليم فيها ولا يتلفت أحد إلى أنها أزمة دولة، لا تتعلق فقط بعدد من الملايين من الطلاب لكن أهميتها تأتي لأنها النقطة المحورية في مستقبل الطلاب – أو هكذا يتم تعليمهم.
وبعد قرار تأجيل الامتحانات هذا العام، تداولت أنباء أن الوزارة ستضع امتحانات جديدة للمواد المتبقية تحت إشراف إحدى الجهات السيادية، وأن هذا السيناريو كان من المفترض أن تتبعه الوزارة حال تسريب الامتحانات منذ بدايتها.
«جهة سيادية» فتح الاحتمالات حول جهتين في الدولة، دخلا قبل أعوام في التجربة – بسبب الفشل المتأصل- في إدارة ملف الثانوية العامة- ليس فقط من قبل وزارة التعليم لكن بالنسبة لمنظومة الدولة ككل، وهما "المخابرات العام" و "القوات المسلحة".
كانت بداية تدخل المخابرات العامة في محاولة إنقاذ الموقف في عام 2013، حيث طالبت وزارة التعليم بتدخل المخابرات لحل أزمة الغش في امتحانات الثانوية العامة ومراقبة الامتحانات عن طريق كاميرات حديثة، حيث قالت مصادر حينها أن الوزير إبراهيم غنيم، وافق على عرض من المخابرات العامة لمراقبة الامتحانات ومنع الغش بأجهزة الموبايل، مقابل مليونًا و500 ألف جنيه، إلا أن تجدد الأزمة هذا العام بشكل أكبر من الغس وصل إلى حد تسريب الامتحانات ونماذج إجابة بعض الامتحانات، أثار حالة من الاضطراب داخل وزارة التعليم، إلا أن الاستعانة بالمخابرات العامة لاح مرة أخرى في الأفق، حيث أكدت مصادر في تصريحات صحفية اليوم الاثنين، أن مسؤول من المخابرات العامة حضر اجتماع لوزير التعليم الهلالي الشربيني مع مسؤولين من المطبعة السرية المسؤولة عن طباعة الامتحانات، لبحث طرق السيطرة على تسريب الامتحانات.
«الثانوية العامة في المطابع العسكرية»
بعد أزمة تسريب الامتحانات، طالب عدد من اوليا الأمور بتولي القوات المسلحة ملف تأمين امتحانات الثانوية العامة وأوراق الإجابات ونقل أوراق الأسئلة، وهو أمر ليس جديدًا، حيث سبق للقوات المسلحة، أن تولت حماية ونقل أوراق الامتحانات عام 2013.
حيث تولت عناصر القوات المسلحة التابعة للجيشين الثاني والثالث الميدانيين إجراءات تأمين امتحانات الثانوية العامة، 64 لجنة، بمحافظات القناة الخمس، وقال العقيد أركان حرب أحمد محمد علي، المتحدث الرسمي العسكري السابق، إن المهمة الرئيسية لعناصر القوات المسلحة تتمثل في تأمين اللجان من الخارج، وتأمين نقل أوراق الأسئلة والإجابات من وإلى اللجان باستخدام وسائل النقل للقوات المسلحة «بري- وجوي»، حيث يصل عدد طلعات المجهود الجوي المخصصة لصالح نقل الأوراق إلى أكثر من 50 طلعة على مدار فترة التأمين.
«الثانوية العامة.. فساد تتوارثه أجيال»
عادة ما تجري المقارنة بين أحوال البلاد، قبل ثورة يناير وبعدها، إلا أن أزمة التعليم في مصر لا تخضع لتلك النظرية، لأن الفساد في منظومة التعليم متوارث من أجيال مضت، تعود إلى إلى ما قبل مبارك بل وإلى عهد السادات.
أولها كان بعهد السادات، بحسب ما نشرته روز اليوسف الأسبوعية، عن عالم الرياضيات المفكر الكبير د.«عبدالعظيم أنيس» ورواها فى كتابه «ذكريات من حياتى»، حيث كتب وبين الطالب «جمال السادات» وكان وقتها مستشارا لوزارة التعليم ومشرفا على تدريب المدرسين على الرياضيات المعاصرة وهو من يضع امتحان الرياضيات للثانوية العامة فى هذه السنة وكان ذلك سببا فى زيارته مدرسة بورسعيد بالزمالك وكان يدرس فيها نجل السادات وكان معروفا أنه يستحيل أن ينجح فى امتحان الرياضيات بالثانوية المصرية، فما بالك بالحصول على مجموع يدخله كلية الهندسة، إلا أن الصحف الحكومية بدأت تتحدث فجأة عن صعوبة مناهج الرياضيات في الثانوية العامة، وقرر مجلس الوزراء، تشكيل لجنة وزارية لبحث الموضوع وكان الهدف منها إلغاء كتاب «التفاضل والتكامل» من المناهج، وهو ما رفضه الدكتور أنيس، آنذاك، الذي رفض أيضًا طلب رئاسة الجمهورية بلحضور ليسأله "جمال السادات" بعض الأسئلة في الرياضيات.
وبعد شهر من الواقعة خرج وزير التعليم وعين مكانه مصطفى كمال حلمى، وأوضح د. «أنيس» أنه علم أن أحدهم تقدم لأسرة السادات بالحل، وهو إدخال جمال امتحان الثانوية الإنجليزية فى يونيو 1974 حيث لا يوجد امتحان لغة عربية وامتحان الرياضيات فيها لا يزيد على مسائل الضرب والقسمة، وبعدها أهل جمال للنجاح ودخول كلية الهندسة.
وبعد أن تولى جمال عبد الناصر، أمور البلاد، وقع هو أيضًا في فخ تعليم الابن، فيضطر لتغيير البروتوكول من أجل ابنته "هدى"، وكانت العادة جرت بتكريم العشرة الأوائل فى الثانوية إلا أنه فى أحد الأعوام كسر المألوف، وقرر أن يكون التكريم حتى المركز الخامس عشر، حيث حصلت وحققت كريمته نفس الترتيب، ومنحها شهادة تقدير يراها البعض غير مستحقة.وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، تولى 6 وزراء مسؤولية التعليم منهم محمد مصطفى كمال حلمي، وأحمد فتحي سرور، إلا أن العملية التعليمية استمرت في التدهور، بما فيها امتحانات الثانوية العامة، فاستمر تسريب امتحانات الثانوية العامة لكن على استحياء، حتى ظهرت في تسريب امتحان اللغة الإنجليزية ولذي حدث في محافظة المنيا، ولكنها مرت واستطاعت الدولة إنهاء الأمر، وظل ترسي الامتحانات يتم لأولاد المسؤولين ولا تصل "دوشة" التسريب للقاعدة العامة من الطلاب.
حتى خرج علينا مسؤول في الكنترول بفضيحة مدوية، أعلنها على الهواء في إحدى القنوات، حيث قال إبراهيم قاسم معلم خبير كنترول ثانوية عامة سابقًا، في لقاء إنه كان رئيس أمن الكنترول، وتقدم في عام 2014، لوظيفة وكيل كنترول، إلا أن سابقه في هذا المنصب كان إخوانيًا، وكان سببا في نجاح بن محمد مرسي، دون أن نعلم من رشحه للمنصب، حيث تفصل لجان معينة لأبناء المسؤولين، أنا قلت انتظروا نتيجة بن مساعد مدير أمن الدقهلية، وهو أحمد جمال عبد الظاهر، موجود بلجنة الثانوية العامة 11 سنة، وهو من يدير مطبخ الثانوية العامة، وكرم بعدها كأول الجمهورية، ملخصًا الأمر في جملة "عاوز تنجح واحد في الثانوية العامة، يبقى أنت بن مين".«طبيعة الامتحان هي السبب»
قال الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي، إن تسريب الامتحانات ظاهرة موجودة من زمان، لكنها كانت تتم بشكل فردي، وغير منهجي، لكن الآن تتم بشكل منهجي.
وأكد "مغيث" في بداية الأمر، كان الامتحان يمر على شخص فاسد يفكر في كيفية الاستفادة منه، فيقوم ببيعه لعدد من الطلاب والمدرسين، مقابل مبالغ مالية فيعمل منه «قرشين كويسين» وتلك كانت الحالة الفردية، ثم انتقلت بعد ذلك لنوع آخر من الفردية، ولكن عن طريق مسؤولين في الدولة، فكان يلعب على أن تكون اللجنة التي فيها أقربائه متفاهمة، أو أن مدير الأمن يوثق علاقته بمدير الإدارة التعليمية التي يريد، على اعتبار أن يأتيه الامتحان.
وأضاف، أنه في بعض الأحيان يتم عمل لجنة خاصة لابن فلان او فلان، ويذهب الطالب للمستشفى بتقرير مضروب، ثم يرسل له مراقب متفاهم، يسهل له الغش، ورغم أن كل ذلك معروف إلا أن الدولة كانت تجتهد لإخفاء ذلك.
وقال "مغيث" إن الأمر اختلف الآن، فأصبح منهجيًا فمنذ تم التواطؤ صفر مريم، ولأول مرة يتم عمل لجنة يدافع عنها الوزير، والغش الإليكتروني تعبير عن حركة احتجاج ضد نظام تعليم فاشل يستنزف دخل الأسرة، فوزارة التربية والتعليم يعشش فيها الفساد، أعضاء كنترولات فاسدين ويتم فضح أمرهم ومع ذلك يحضروا الكنترول في العام التالي.
شاومينج.. تواطؤ دولة»
قال الخبير التربوي كمال مغيث، إن تسريب الامتحانات باستخدام التكنولوجيا أمر طبيعي للتطور الذي يحيا فيه العالم، لكنا لا نعرف حتى الآن من هو "شاومينج" وأنا أعلم أن كل ما يتم رفعه على "فيسبوك" وكل ما يتم كتابته حتى لو تم حذفه يمكن الرجوع إليه والحصول عليه، لذلك أشعر بأن هناك تواطؤ في الموضوع، وتساءل "مغيث" كيف لا تستطيع الدولة الوصول إلى شاومينج، هناك غموض في الموضوع يوحي بالشك.
«القانون بديل محتمل»
قال الخبير التربوي كمال مغيث، إن الحل يكمن في القانون، فلابد من تشريع يعتبر تسريب الامتحانات جريمة ذات عقوبة مغلظة، وأن تكون الدولة لديها من الشفافية للإعلان عن المتورطين في التسريبات الذين يتم ضبطهم من المسؤولين حتى وإن كان الوزير، وأن يتاح لكل موظف الإبلاغ عن أي محافظ او مدير أمن يحاول استغلال منصبه للحصول على امتحان لأحد ذويه.وقال المستشار رفعت السعيد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إن عملية تسريب الامتحانات، يتم إحالة المتهمين فيها إلى النيابة العامة، والتي تباشر التحقيق في الوقائع، ومن ثم تقرر التهم الموجهة للمتهمين.
وأكد "السعيد" إن الاتهام يختلف بحسب الفعل الذي آتاه المتهم، فإذا كان قد سرق ورقة الأسئلة ونشرها أو كان موظفًا قام باختلاس الورقة، ففي حالة إن كان شخصًا عاديًا سرق الورقة بأي طريقة ونشرها فهذه تكون "جنحة سرقة" وتكون عقوبتها الحبس بمدة أقصاها 3 سنوات، أما إذا كان موظفًا فتكون تهمته اختلاس وتكون "جناية" تمتد عقوبتها للسجن 15 عامًا، كما يمكن أن يكون المختلس موظف بالمطبعة السرية أو موظف بمديرية تعليمية، أو بإدارة قام بتسريب الورقة خلال نقلها للجان.
وأضاف السعيد، لا يمكن اتهام طالب بتسريب الامتحان، لأنه لا يمكنه الحصول على الورقة بالطريقتين الأوليين، ولكنه يمكن اتهامه بتداول الورقة، بعد أن وصلت إليه وتكون هذه جنحة.
وقال رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إن القضاء على تلك الظاهرة لا يجب ان يقتصر التفكير فيها على الحل الأمني أو القانوني، وأن الفكرة المطروحة بتولي القوات المسلحة تأمين الامتحانات وورق الأسئلة أو أن يتم طباعة الأسئلة في مطابع القوات المسلحة، لن يحدث فرقًا، لأن ذلك لا يضمن عدم حدوث تسريب، غير أنه في حال وجود قضية فالقاضي يحكم بنفس القانون سواء القاضي العسكري أو المدني، بل بالعكس فإن ذلك قد يسيئ إلى منظومة الامن، لكنه يجب أن يتم التفكير في تطوير العملية التعليمية ذاتها، وألا يكون مجموع الدرجات فقط هو الوسيلة التي يستطيع بها الطالب بلوغ النجاح، كما أن النظام المعمول به في الامتحانات موجود منذ أكثر من 100 عام، وهو أمر غير مقبول، فلابد من التغيير والبدء من حيث انتهي الآخرون في العالم.
وأكد "مغيث" أن الجميع ركز على كيفية وقف تسريب الامتحانات لكنه ليس القضية الرئيسية في التعليم: "طول ما الامتحان هو الفرصة الوحيدة، وطول ما الامتحان هو سبب دخول الجامعة اللي بتاخد 20% بس من الناجحين في الثانوية العامة والباقيين ليهم ربنا، وطول ما الامتحان بيقيس أقل وأدنى القدرات العقلية للطالب، وطول ما العملية التعليمية بتدور حول المقرر وليس العلم نفسه، سيظل التسريب موجود لأنه سيظل هناك من يبحث عن ضمانات للنجاح، وفي ظل التقدم التكنولوجي سيتم إيجاد طرق جديدة للغش أو التسريب".