في مذكراتها، كشفت جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل الأسبق عن رحلتها إلى فلسطين وما تعرضت له على الباخرة، وكيف كان شعورها حين وطأت قدماها الشرق الأوسط.
في البداية تقول «كنت أعلم بضرورة بقاءنا إلى أن نجمع أجرة السفر لكنني صممت أن أخبر موريس إنني صممت على العيش في فلسطين كنت اتوق للزواج منه وإلى السفر لفلسطين ،وتركت المدرسة وسافرت إلى شيكاغو حيث عملت في المكتبة العامة وإلى شيكاغو جاءت شينا وشاماي «اختها وزوجته» وطفلاهما وكذلك ريجينا وكانت حياة تعيسة فالخيار دائما امامي بين موريس وفلسطين وكنت أقوم بنشاط حزبي واسع ولحسن الحظ وافق موريس ولا شك أن قراره تأثر بوعد بلفور وقد ملئني هذا الإعلان بالبهجة لقد انتهي النفي اليهودي»
وأضافت «تزوجت وبدأت حياتي حين كنت في العشرين وأصبحت اقضي وقتي تقريبًا في السفر خارج ملووكي لالقاء الخطب الحزبية كصهيونية عمالية ، وقرر الحزب إصدار صحيفة وعهد إلى بمهمة بيع الأسهم وكنت أبيت في بيوت أعضاء الحزب بل في اسرتهم احيانا، وعندما وصلت إلى كندا اكتشفت إنني لا املك جواز سفر لعبور الحدود والقت سلطات الهجرة القبض علي وكأنهم القوا القبض على عميل من البلاشفة لكن عضوا بارزا في الحزب الصهيوني هرع لانقاذي»
وتابعت «بحلول شتاء 1920 بدأت عدتنا للسفر فانتقلنا أنا وموريس إلى شقة في نيويورك وتخلصنا من كل ما لدينا من اثاث ، وفي شيكاغو توقفنا لتوديع شينا وشاماي وبعد أن حكينا لهم كل استعدادانا فوجئنا بشينا تقول إنها تريد ايضا الذهاب لفلسطين، كان وداع عائلتي مؤثرًا إذ انهمرت الدموع من عيني أبي بينما بدت امي وكأنها تذكر رحلتها عبر المحيط لكننا كنا على ثقة من إنهم سوف يلحقون بنا، وهكذا كانت صفحة حياتي في أمريكا في سبيلها لأن تُطوى»
وتكمل «خلال رحلتي التعيسة على باخرة لا تصلح للسفر ، بدأت الرحلة وقد أضرب البحارة حتى قبل أن نقلع وبدأنا الرحلة يوم 23 مايو 1921، ثم أعلن البحارة العصيان احتجاجًا على الشركات الملاحية ومضى أسبوع إلى أن وصلنا من نيويورك إلى بوسطن وهناك بقينا تسعة أيام وجاءنا وفد من الصهاينة العماليين لزيارتنا»
وتستطرد«عندما وصلت الباخرة إلى جزر الآزور تبين القبطان إنها في حاجة إلى إصلاح يستمر اسبوعًا وتم القاء القبض على اربعة من البحارة الذين لم تكن ثورتهم قد هدأت بعد لإنهم كان ينوون إغراق الباخرة وعندما اقلعنا كان قد مضى على سفرنا شهر ثم انفجر براد التلاجة فاضطررنا إلى الاكتفاء بالأرز والشاي ومات أحد الركاب فألقوا بجثته من الباخرة ثم أُصيب شقيق بصلب في جسده وهذيان فحبسوه في غرفته واخيرُا وقبل أن نصل إلى نابولي أطلق القبطان الرصاص على نفسه وإن كان البعض يقول إنه قُتل»
وتتذكر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق فتقول «كانت الشائعات وصلت أن الباخرة غرقت، وما إن وصلنا إلى نابولي حتى اخبرناهم بسلامتنا ثم ركبنا القطار إلى بريديزي وهناك التقينا بمجموعة من الصهيونيين العماليين من لتوانيا وكانوا قد ذهبوا إلى فلسطين وطردوا مرتين ، وكانت أول مرة أرى روادا من نفس عمري، أما على متن الباخرة التي كانت ستنقلنا إلى الاسكندرية فاقترحت أن نترك غرفنا ونشارك المجموعة الليتوانية على السطح وألححت عليهم إننا يجب أن نثبت إخلاصنا لأهدافنا وأن نحيا معهم الظروف القاسية»
وتضيف جولدا مائير «في الاسكندرية صعد رجال الشرطة المصريين إلى سطح الباخرة بحثًا عن أثنين من الشيوعيين يدعيان رابابور وتصادف وجود أثنين من زملائنا يحملان ذلك الاسم فأخذوهما واعادوهما بعد ساعات طويلة مرهقة من التحقيق وكان ذلك الحادث سبب أن نقرر السفر بالقطار وتوجهنا إلى المحطة وذقنا أول طعم للشرق الأوسط بمرارته إذ شاهدنا جموع الشحاتين وهم يرتدون السراويل البالية والذباب يغطيهم»
وتتابع «في القنطرة وجدنا المسئولين عن الهجرة يعملون في بطء لإنهاء أوراقنا وقبيل الفجر تحرك القطار مخترقا صحراء جزيرة سيناء متجها نحو فلسطين وجلست على المقعد أفكر لأول مرة منذ غادرت ملووكي هل سنصل حقًا إلى تل ابيب، لم أكن اتوقع أن تكون تل ابيب بهذا الشكل الذي رأيته من نوافذ القطار صباح ذلك اليوم الحار من شهر يوليو، إذ بدت لي كقرية كبيرة غير جذابة ولم نكن نعرف سوى أن ستين عائلة من اليهود المتفائلين هي التي اسستها عام 1909 دون ان يحلموا بأنها ستصبح عاصمة كبيرة يستوطنها 400 ألف نسمة»
وتكمل «كان الاتراك طردوا كل سكان تل ابيب خلال الحرب وكانت أحداث واضطرابات عام 1921 قبل وصولنا بقليل، كان سكان تل ابيب من المهاجرين الذين جاء معظمهم من لتوانيا وبولندا وروسيا فيما سمى بالموجة الثالثة من العمال في حين لم يخل الأمر من بعض الرأسماليين الذين اقاموا مصانع صغيرة ودكاكين وكان الاتحاد العام للعمال اليهود قد قام قبل ذلك بعام وخلال 12 شهرًا ضم في عضويته 4 آلاف عامل»
وتوضح «كانت تل ابيب تُحكم حكم ذاتي بعد أن سمحت لها حكومة الانتداب البريطاني بذلك ، وكان الشارع الرئيسي فيها هو ثيودور هرتزل ، وكانت الحياة الثقافية مزدهرة واستقر فيها عدد من الشعراء لكن ذلك لم يكن واضحًا امام اعيننا ونحن نقف في محطة القطار دون أن نجد أحد في استقبالنا رغم إننا كنا قد كتبنا بوصولنا إلى من هاجروا إلى فلسطين قبل ذلك بعامين وعلمنا فيما بعد أن هؤلاء كانوا في نفس اليوم قد توجهوا الى القدس لإنهاء ترتيب مغادرتهم لفلسطين، المهم اننا حققنا حلمنا اخيرًا وأثناء حيرتنا ونحن لا نعرف أين نذهب التفت أحد الرفاق وقال يمكننا أن نعود وفجأة جاءنا رجل يدعى باراش يملك فندقا طلب لنا عربة وسرنا وراءه منهكين»