كشفت صحيفة زمان التركية عن مفاجأة من العيار الثقيل خلال "تسجيل صوتي" حول اجتماع عُقد في 13 مارس 2013 حضره وزير الخارجية أحمد داود أوغلو ومستشار وزارة الخارجية فريدون سنرلي أوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان والقائد الثاني للأركان فريق أول ياشار جولر، ونقل "أوغلو" كما جاء في التسجيل عن رغبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتنفيذ عملية عسكرية في سوريا، حيث كانت تتضمن إرسال 4 رجال من الجانب السورى ليقوموا بإلقاء 8 صواريخ هاوان على الجانب التركي من هناك، من أجل خلق ذريعة لازمة للتدخل العسكري في سوريا إن تطلب الأمر ذلك
وأكدت الصحيفة أن القائد الثاني للأركان التركي "جولر" أشار إلى ضرورة نقل الأسلحة والذخيرة إلى المعارضة السورية تحت إشراف المخابرات التركية، بمساعدة القطريين الذين يبحثون عن ذخائر مقابل الأموال، وأنه في حال إصدار وزراء معنيين تعليمات يمكنهم أن يطلبوا من مؤسسة الصناعات الميكانيكية والكيميائية التابعة للجيش تصنيع أسلحة، وبالفعل تم ارسال 2000 شاحنة تحتوي على الذخيرة إلى سوريا وفقاً للتسجيل الصوتي.
وعقب فضيحة التسجيل الصوتي زعم أردوغان أن حركة "الخدمة الكردية" هي من تلاعبت بمونتاج التسجيل وأعادت إنتاجه وفق رغبتهم.
وكانت وزارة الخارجية التركية أصدرت بياناً بشأن التسجيل الصوتي، أكدت فيه نبأ عقد الاجتماع، لكنها قالت إن المسؤولين كانوا يناقشون مسألة حماية قبر سليمان شاه، جد مؤسسة الدولة العثمانية، عثمان الأول، حال تعرض هذا الموقع التاريخي لهجوم.
بعد فشل الفصائل المُسلحة التي دعمها مع قطر في إسقاط النظام السوري، إلا أن السلطات أكدت رسميا صحة تلك التصريحات المسربة في قرار أصدرته محكمة الجنايات العليا الرابعة في أنقرة يوم 16 يناير 2019.
وشدد القضاء التركي على أن التسجيل الذي استمر 7 دقائق و7 ثوان تم الحصول عليه بفضل رقابة صوتية للاجتماع، وأضاف من الواضح أن الأحاديث الموجودة في التسجيل تمثل معلومات من الضروري إخفاؤها وتعتبر سر دولة، مما يدل على أنه يعترف بصحة محتويات التسجيل.
ورغم أن مكتب المدعي العام فتح تحقيقًا بتهمة "تجسس" عام 2014، وأعلن أنه لم يتم التمكن من معرفة هوية مُرتكبي فعل التجسّس، إلا أنه كشف عن اتهاماته في عام 2016، فيما اتخذت المحكمة قرارها في 2017، لكنها أجلت الإعلان عنه حتى يناير 2019 الحالي، دون أن تشير إلى وجود تلاعب أو منتجة في التسجيل الصوتي كما زعم أردوغان.
والأمر اللافت في الأمر أن الشهور والسنوات القادمة شهدت نقل ما ورد في هذا التسجيل من مخططات إلى ساحة الغعل بكل حذافيرها، بدءا من الهجوم على قبر سليمان شاه وانتهاء بإلقاء قذائف من الجانب السوري على الجانب التركي من مصادر وصفتها الحكومة التركية بالتابعة لقوات حماية الشعب التركية إلا أن قرويين نشروا تسجيلات مصورة تكشف انطلاق تلك القذائف من داخل الحدود التركية، وجاء في نهاية هذه الخطوات التدخل العسكري في سوريا.
وقالت الصحيفة أن هذا التسجيل الصوتي يثبت أمرين الأول هو تآمر نظام أردوغان للتدخل العسكري في سوريا، واشعال الحرب الأهلية في سوريا، وخاصة عبر فتح الحدود التركية لتسلل آلاف الإرهابيين
وتدبير أردوغان مع حلفائه انقلاباً تحت السيطرة للتخلص من القادة العسكريين الذين كانوا معارضين لأي تحرك عسكري في سوريا بدون قرار دولي.
وقد حاول أردوغان في البداية التكتم على الموضوع، ونفى إيقاف الجيش لهذه الشاحنات، وكذب كونها تابعة للمخابرات، مدعيًا أنها شاحنات مساعدة تابعة لهيئة الإغاثة الإنسانية (IHH)، ثم اضطر إلى القبول عقب نشر الوثائق الخاصة بها، وزعم هذه المرة أن حمولة هذه الشاحنات كانت مساعدات إنسانية وليست أسلحة.
وكشفت صحيفة "آيدينليك" الموالية لتنظيم أرجنكون الموصوف في تركيا بالدولة العميقة والموالي للمعسكر الأوراسي، صورا فوتوغرافية لحمولة الشاحنات لتكشف أن "المساعدات" المزعومة ما هي إلا عبارة عن صواريخ.
ساق أردوغان ومسئولون حكوميون مزاعم مختلفة بل متناقضة لما كانت تحويه تلك الشاحنات، حيث ادعى أردوغان في 24 يوليو 2014 أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إلى التركمان، وهذا كان رأي رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الداخلية الأسبق "أفكان علاء" أيضا.
ومع عدم وجود أدلة قاطعة، لكن من المرجح أن تكون القيادة العسكرية العليا التي كانت على خلاف مع أردوغان بشأن التدخل العسكري في سوريا هي من سربت مقطع الفيديو الخاص بشاحنات المخابرات وهذا الاجتماع السري لتشكيل رأي عام معارض.
ويعلم المتابعون للشأن التركي عن كثب أن العلاقات بين أردوغان وقيادات القوات المسلحة لم تكن مريحة لكليهما، فأردوغان كان يسعى لتحويل الجيش إلى "أداة طيعة" في يده باستغلال ذريعة "الكيان الموازي" ليحقق طموحه الداخلي في انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي؛ وحلمه الخارجي في إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد الذي بات يمثل له مسألة شخصية وعقدة نفسية، طمعًا في إعلان نفسه زعيم العالم الإسلامي أو "خليفة المسلمين" باعتباره "فاتح الشام" و"محرك الثورات العربية".
وقد برز ذلك من خلال تصريحات رئيس الأركان المذكورة، بالإضافة إلى أن الجيش حمّل جهاز المخابرات التابع لأردوغان مسئولية حادثة "أولو دره" التي أسفرت عن قتل 33 كرديًّا مدنيًّا بالخطأ، وإعلان قيادات مهمة في الجيش عن انزعاجها من أي تصفيات تقوم بها السلطة السياسية في المؤسسة العسكرية بذريعة "الكيان الموازي" على غرار ما حدث في أجهزة الأمن والسلطة القضائية عقب الحملة المضادة لتحقيقات الفساد والرشوة في 2013.
إذن يمكن أن نقول بكل سهولة إن ما سمي “الانقلاب الفاشل” لم يكن سوى الخطوة الأخيرة من الخطوات التي اتخذها نظام أردوغان في سبيل تصفية الجنرالات غير المرغوبين فيهم وإعادة تصميم الجيش التركي تمهيدا للتدخل العسكري في سوريا.