واصل معرض القاهرة الدولي للكتاب، ندواته، مستضيفًا اليوم، بقاعة ضيف الشرف، ندوة بعنوان "التنوع الثقافى الافريقي.. ثقافة الصومال"، المعقودة داخل بانوراما افريقيا، بحضور "عبد الله الجامع، أويس سيد محمد، على إبراهيم، وعثمان شريف".
افتتح الطالب عبدالله الجامع الندوة قائلًا: "عشت فى مصر عشر سنوات، وأعتز بهذا، وأقول أنى مصرى صومالى، وشاركت فى العديد من الندوات التى أقيمت فى مصر، وزرت كل المعالم الأثرية، وعشقت الأجواء"، مضيفًا أن الثقافة المصرية الصومالية متقاربة، ولا تكاد تختلف كثيرا، وطوال فتره إقامتى فى مصر، لم أشعر بالغربة، لأن التشابه بين البلدين كان كبير للحد الكافى، لأشعر أنى فى الوطن.
وقدم "الجامع"، الدكتور أويس سيد محمد، ليتحدث عن ثقافة الصومال، الذي بدأ كلماته بحماس واضح، "أنا أيضًا عشت أكثر من ثمان عشر سنة فى مصر، وأعرف عنها الكثير، وأنا اليوم، مندوب عن وكيل جامعة الدول العربية، وهذا شرف لى، وأرغب فى تقديم التهاني للمعرض فى يوبيله الذهبي"، مؤكدًا أنه منذ وطأت قدمه على أرض مصر وهو يشارك ويتواجد دائمًا، مضيفا "أريد أن أشكر هذا البلد، وبلدى وشعبي، الذى اعطى لى هذه الفرصة، وأنا أخجل من أن أعرفكم بدولة الصومال، لأنكم تملكوا العلم الكافى والوعى الثقافى الرفيع، ولكنى سأسترسل بالحديث عن الصومال، تلبية وإجابة للهدف من دعوتى".
وأضاف "أويس"، هذا البلد لا يستطيع العيش بعيدا عن أقطاره العربية، ومنذ الخطوة الأولى للجامعة، وهو عضو فعال بجامعة الدول العربية، والصومال بلد انعم الله عليه بنعم كثيرة، تؤهله ليصبح من ضمن الدول الأولى فى ثروته، رغم ما نسمع به، فهو يملك من النعم ما يجعله دائما فى الصدارة وعاش منذ يناير 1980، وحتى فترة قريبة فى أزمات متتالية، ورغم ذلك لم يسقط أو يفقد الشعب العزم، وبعض تلك الأزمات، كانت سبب فى رحيل بعد أفراده، ولكنهم عادوا من كل الأنحاء بعد ذلك إلى أرضهم وموطنهم، فعادت الأسواق والجامعات، وانتشرت الحركة داخل البلد، وأصبح يشم رائحة التقدم، وارغب بتقديم الشكر للدول التى احتضنت الصومال، وفتحت أسواقها لنا، مشيرًا إلى الاستثمارات الصومالية فى دبي.
انتقل الحوار إلى علي إبراهيم، عضو برابطة الطلاب الصوماليين بمصر، المتواجدة بـ"26 شارع شهاب"، شاكرًا دعم الحكومة المصرية، مشيدًا بالدور العظيم المبذول من قبل رئيس جمهورية مصر العربية "عبد الفتاح السيسي"، فى مساعدة الصومال للنهوض من ركودها.
التقط رئيس اتحاد الطلبة الصوماليين "عثمان شريف" الحديث، مستكملًا حول ثقافة الصومال والنظام السياسي، مشيرًا إلى أن سياستها قائمة على الشريعة الإسلامية، مؤكدًا أنها ساعدت فى إفراز عدة أحكام قضائية من الناحية المدنية، وتنظيم القوات المنوط بها إلقاء القبض على الهاربين، والمصدر فى احتجاز المجرمين حتى يصدر حكم ضدهم.
وقال أوديس السيد، نائب السفير الصومالي، أن المواطن الصومالي عانى عموما، والمقيمون منهم على وجه الخصوص في حوض نهر شبيلى– في شهري فبراير ومارس الماضيين، أزمة جفاف حاد، وشح في المياه، لم تحدث من نوعها منذ عقود، بعد أن وصل النهر إلى حالة لم يصل إليها منذ عقود، وتعرضت حياة المواطنين والمواشي لخطر الموت عطشا، ناهيك عن الحديث عن مياه الري للمزارع، التي يعتمد عليها الأمن الغذائي الصومالي.
وأكد أنه من الممكن، في ظل التغيرات المناخية، وتقارب الفترات الزمنية لموجات الجفاف والفيضانات المتكررة، بعد تحسن الوضع مع مطلع أبريل الماضي، وسالت المياه في مجرى النهر، أن تتعرض منطقة النهر لخطر من نوع مختلف، هو خطر الفيضانات في موسم الأمطار في الربيع أو الخريف القادم، ويطلق صفير الإنذار من جديد لإنقاذ الشعب الصومالي من الغرق، بعد كاد يفنى من شدة الجفاف في الموسم الماضي، مما يجعل المواطن الصومالي يعيش بين كارثتي الجفاف والفيضانات.
وأوضح، أن شبيلى من المرتفعات الاثيوبية الشرقية، ويسيران في اتجاه الشرق وجنوب الشرق، ويدخل نهر جوبا من الصومال مدينة دولو وينتهي في منطقة جوب وين، حيث يصب في المحيط الهندي، ويمر النهر محافظات جدو وجوبا الوسطى وجوبا السفلى، مشيرً إلى أن نهر شبيلى، ينبع من منطقة أجيسو في إثيوبيا، وينتهى بالأحراش والمستنقعات التي ينبسط بها بمحاذاة ساحل المحيط الهندي في الصومال، وخلال مسيرته يمر الإقليم الصومالي في إثيوبيا، ويدخل أراضي جمهوية الصومال من منطقة جبل برطينلى الصومالية، ويبلغ طوله حوالى 1500 كم، منها 700 كم داخل إثيوبيا، و800 كم داخل جمهورية الصومال، ويمر ثلاث من أهم المحافظات الزراعية في البلاد، وهي هيران وشبيلى الوسطى وشبيلى السفلى.
ويمثل نهر شبيلى مع نهر جوبا، أكبر مصدر للمياه على سطح الأراضي الصومالية، وتأتي أكثر من 90% من مياه النهرين من المرتفعات الإثيوبية، ويعتمد السكان في الجنوب الصومالي، على مياه النهرين في الشرب والري والاستخدامات المتعددة لها، وتعتمد كذلك المشاريع الزراعية ذات الإنتاج الكبيرة التي تنتج الحبوب والفواكه والخضروات، سواء للاستهلاك المحلى أو التصدير للخارج عليهما تماما، كما هو الحال في زراعة الموز الصومالي، الذي يعد المنتج الزراعي الأول الذي تصدره الصومال للخارج.
واضاف نائب السفير الصومالي للخارج، فقال: "الماء.. الماء" ويروى أن الامبراطور هيلاسيلاسى، هدد إبان الحرب 1964، بين الصومال وإثيوبيا، بتجفيف منابع مزارع الموز الصومالي، الذي يمثل أهم السلع التجارية الاستراتيجية للصومال، عبر حجز المياه في نهرى جوبا وشبيلى.
وانطلاقا من تلك النوايا، وفي ظل حالة الصراع بين البلدين، وعدم وجود أية اتفاقية بينهما لتقاسم المياه، وتنظيم شئون النهرين، كانت القيادة الإثيوبية في المراحل المختلفة، تضع نصب عينيها استغلال الأنهار، التي تنبع من مرتفعاتها في الشمال والشرق، بهدف استخدامها كورقة سياسية استراتيجية لإخضاع جيرانها بالدرجة الأولى، باعتبارها أحد أهم أدوات الصراع مع الجيران، وزيادة المساحات الزراعية، وخفض معدل الجوع لدى مواطنيها بدرجة أقل، ولكن حالة الصراع التي عاشتها الدولة الإثيوبية الحديثة، مع المكونات الداخلية التي ضمتها في الحقبة الاستعمارية من جهة، ومع جيرانها -ومن بينها الصومال – من ناحية أخرى، بالإضافة إلى غياب الاستقرار، والاستثمارات الخارجية، كانت من أكثر العقبات التي حالت دون تنفيذ مخططاتها.
وجدت إثيوبيا المناخ الأمثل لها لتحقيق تلك الطموحات على أرض الواقع، خلال العقدين الأخيرين، بحصولها على الاستقرار الداخلي النسبي، وذلك بعد وصول التحالف الجديد بقيادة التجراي على سدة الحكم في البلاد، وانتهاج سياسة الانفتاح، وتخفيف الحكم المركزي عبر النظام الفيدرالي، الذي أعطى جزءً من الصلاحيات للقوميات لكي تحكم بنفسها، وعبر التخلص من العبء الأرتري عليها، بإجراء الاستفتاء الذي أفرز الاستقلال الإرتري عام 1993، وانتهاء الصراع مع الصومال تلقائيا، بانهيار الدولة المركزية وخوض الصوماليين الحرب الأهلية المفتوحة، التي لا تزال نيرانها مشتعلة في أجزاء من الوطن، كما لا تزال الانقسام الذي فرضته الحرب أمرًا واقعًا، يعاني الوطن صعوبات جسيمة لتجاوزه.
ولم تمثل الحربان اللتان خاضتهما إثيوبيا مع إرتيريا ( 1998-2000) ومع اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال ( 2006-2009) – عبئا كبيراً على استقرارها، ولا على استمرار المشاريع التنموية فيها، وذلك بسب المدة الزمنية القصيرة التي استمرت الحربان خلالها من جهة، والمساعدات العسكرية والاقتصادية الكبيرة التي حصلتها من الولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى.
ونتيجة الاستقرار الذي هيأ لتحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، وصل إلى 11,2 سنوياً، وتدفق الاستتثمارات الخارجية لأول مرة منذ إنشاء الدولة الحديثة، ركزت إثيوبيا ملس زيناوي، على استغلال تلك الظروف، وتقوية مركزها الإقليمي السياسي والاقتصادي عبر استغلال الأنهار، فبدأت ببناء سدود صغيرة ومتوسطة في الأنهار الداخلية في المناطق المستقرة، ثم أطلقت مشروع سد النهضة العملاق على نهر النيل منذ 2010، الأمر الذي خلق خلافات سياسية واسعة بينها وبين كل من السودان ومصر لاحقا.
وبفضل تلك السدود، استطاعت إثيوبيا رفع انتاجها الكهربائي خلال السنوات العشرين الماضية من 360 ميجاوات إلى 4200 ميجاوات في 2015، وتصدر حاليا الفائض الكهربائي من حاجتها إلى دول الجوار وهي: السودان وجيبوتي وكينيا، وتسعى بعد الانتهاء من بناء سد النهضة، بمد خطوط كهربائها لتصل إلى رواندا.