«شوطة وهبت في البلد»، البنات لا يردن الزواج، والشباب ليس قادرا على تكاليفه، والأهالي يغالون في المهور ويعقدون الأمور، مجتمع يتعالى على بعضه، مريض بازدواج المعايير، الأم تريد من ابنتها ألا تسمع كلام حماتها وتريد من زوجة ابنها أن تكون «دمية» لها، حملات واسعة انتشرت في الأونة الأخيرة على «فيس بوك» حققت رواجا كبيرا بين أوساط المصرين، «خليها تحمض» و«خليها تصدي» و«خليها في المصنع» وآخر هذه الحملات أطلق شاب سفيه خليها تعنس» لترد البنات «خليك في حضن أمك».
وطالما أن الحملات كلها بدأت بـ«خليها» فأقترح إطلاق حملة «خليها تخرب ما تعمر» أقصد الحياة، الحياة التي لا تعاش بهذه الطريقة ولا على طريقة هذه الحملات، هناك إشكالية كبيرة في التعامل مع الواقع خاصة من جيل نشأ في ظروف معيشية صعبة، جيل نشأ في أحضان «فيس بوك» و«تويتر» بعيدا عن أسرة تشرح له أهمية تكوين الأسرة في الإسلام فأطلق لنفسه العنان أن يسير وراء «بوستات» مكتوبة من بائسين مروا بظروف بائسة أو أجبرتهم خيالاتهم المريضة على العيش في ظروف اختلوقها لأنفسهم، في الشرع قاعدة تقول أن الفتوى تتغير حسب الزمان والمكان والحال، فما بالك بظروف شخص، الظروف ليست واحدة تتغير بين يوم وليلة ومن شخص لآخر فلا داعي للتعميم والحكم على التجربة أنها فاشلة، إنسانة تزوجت رجلا ووجدته غير سوى فليس الرجال جميعهم «وحشين»، والعكس صحيح ليس كل النساء «عجينة واحدة»، أظن ـ وإن بعض الظن ليس إثماـ أن هناك حالة «ردح إلكترونى» تحولت من الردح الموجود على أرض الواقع، خلل نفسي واجتماعي نعيشه بين ما هو ثابت وبين ثقافات دخيلة على مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية، الثابت الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أن معايير اختيار الزواج قديما كانت مبنية على أسس ثابتة نابعة من الدين الإسلامي والأعراف الاجتماعية والتجارب التاريخية، أما الآن صارت مرتبطة بالتقاليع الفيسبوكية والنصائح الأنثوية و«الأنا» الذكورية، فانتشرت «جروبات» و«بوستات» للمقبلين على الزواج لا تمت إلى الواقع بصلة، بل نقلتنا إلى مرحلة أكثر خطورة وهي ما نعيشها الآن من حملات مقاطعة الزواج من الطرفين، ازداد «أولتراس» رضوى الشربيني ومن على شاكلتها، تريد المرأة رجلا كـ«دمية» تحركه كما شاءت حتى لا تجده فتضطر إلى أن تقاطع الزواج، ويريد الرجل فتاة كـ«أمينة رزق» في بين القصرين فيضطر هو الآخر في الإعراض عن الزواج.
ليس حلا ولا حالا يرضي عدوا أو حبيبا أن تكون المعايير مستمدة من تجارب بائسة على مواقع التواصل الاجتماعي، إشكالية كبيرة أساسها بناء الأسرة السليم من وجهة نظري، فالأسرة الأساس إذا صلحت صلح سائر المجتمع وإذا فسدت انقلب المجتمع رأسا على عقب، الأسرة لم تعد كما كانت تقوم بدورها السليم في تأهيل الأولاد للعيش في الحياة فخرج جيل يؤمن بنظريات دخيلة بعيدة كل البعد عن الثوابت، فتيات لا يرغبن زواجا من أجل تحقيق أحلامهن ونظرية «الإندبندت وومن» وشباب «عاوز يعيش حر من غير وجع دماغ»، وإعلام ينفخ في النار بإثارته لمثل هذه الأمور دون تقديم حل واقعي يحد من هذه الظواهر بدلا من مناقشتها دون جدوى.
كفانا حملات وردحا وتناحرا، لا بد أن يتم وأد هذه الأفكار، ليس بوسع رجل أن يعيش دون امرأة ولا لمرأة أن تتخلى عن رجل، الأمر تكامل وليس تصارعا على من سيفوز بالسباق، نحتاج عودة إلى أحضان الأسرة وإلى تعاليم الشريعة، وإلى ثوابت العرف بعيدا عن أحضان «الفيس بوك».