تاريخ وطن رواه عود رجل كفيف، تحل اليوم ذكرى ميلاده. "الشيخ إمام" ذلك الطفل الذي لم يعوض فقد بصره إلا حنان أمه، كان مولعًا بالغناء، فذهب إلى الأفراح ولازم الاستماع للإذاعة، ما أدى إلى فصله من الجمعية الشرعية، التي كانت تحظر الاستماع لها.
كان للإنشاد والتلاوة نصيبا من حياته، إلى أن التقى صدفة بالشيخ درويش الحريرى أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريرى بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى، إلى أن ذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، كما سنحت له الصدف أن يتعرف بالشيخ زكريا أحمد، والذى لحن العديد من الأغانى لكوكب الشرق، أم كلثوم، لكنه استعان بإمام فى حفظ الألحان، ولكن عند تسريب الألحان قبل أن تغنيها أم كلثوم قرر زكريا الاستغناء عن إمام.
وقبل ثورة 1952 شارك "إمام" فى الحياة السياسية لمواجهة الملك فاروق وفساد حشيته من حوله فتغنى ضد الجوع والاحتلال والاعتقالات التى تحدث ضد المعارضين.
وخلال رحلة حياته أغضب الشيخ إمام القادة فغنى عقب نكسة يونيو أغنية “الحمد لله” التى اشتهرت كثيرًا وقتها، لتعبر عن الاحباط واليأس الذى شعر به المصريين فى تلك الفترة، بعدما كانت تؤكد وسائل الإعلام التابعة للدولة تقدم قوات الجيش المصرى واقترابها من السيطرة على تل أبيب، الأغنية التى أثارت غضب عبد الناصر، فحكم عليه بالسجن المؤبد وتوسط القائد الفلسطينى نايف حواتمة عند عبدالناصر للإفراج عنهما، لكن عبد الناصر رفض ونقل أنه قال له “متتعبش نفسك دول بالذات مش حيطلعوا من المعتقل طالما أنا عايش.
وفى عام 1974 قرر الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون زيارة مصر بعد قطع علاقاتها نهائيًا مع الاتحاد السوفيتى، واعتبر الكثير من السياسيين هذه الزيارة إعلانًا لدخول مصر عصر الانفتاح، وأعد الرئيس السادات حينها استقبالًا شعبيًا لنيكسون، حيث قام الألاف من المصريين بالتصفيق لنيكسون والهتاف له، مما أثار غضب إمام فقرر أن يسجل اعتراضه فى أغنية باسم “شرفت يا نيكسون بابا”.
وفى عهد السادات أيضًا بالتحديد فى عام 1976 بدأ فى إنتاج الكثير من الأعمال الفنية التى تهاجم سياسات الانفتاح التى عانى منها الشعب المصرى، وعلى رأس تلك الأعمال “هما مين واحنا مين”، و”الفول واللحمة، و”شعبان البقال”، الأمر الذى تسبب فى اعتقاله من جديد إلا أن الاعتقال لم يستمر سوى عام واحد فقط.
أما فى عام 1977 شارك الشيخ إمام ثورة المتظاهرين من خلال عدد من الأغانى مثل “الجدع جدع”، وأغنية “البشاير”، و”صباح الخير على الورد”، التى ما زال تردد مقاطع منها فى ميادين مصر حتى يومنا هذا.
وفى تسعينيات القرن الماضى فضل الشيخ إمام الاعتكاف فى حجرته إلى أن رحل فى عام 1995 بعد رحلة من النجاح على خلفية تلقيه دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات فى فرنسا، ومن ثم السفر فى جولة بالدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة، لكن لم تكتمل الفرحة بالنجاح، حيث دب الخلاف بين أعضاء فرقته والذى لم ينته إلا قبل وفاته.