خلال الأسابيع الماضية صادق مجلس النواب العراقي على الموازنة العامة للبلاد حتى اشتدت الاحتجاجات في مدينة "البصرة العراقية"، حتى تطورت إلى دعوات لتحويل المحافظة الجنوبية إلى إقليم على غرار إقليم كردستان في الشمال العراقي، وتحرك بعض أعضاء مجلس المحافظة باتجاه جمع تواقيع لتقديم طلب جديد لتأسيس الإقليم، وقالت صحيفة "الاندبندنت" أن نجاح المشروع يعني بالضرورة تمتع البصرة بصلاحيات واسعة، وحصولها على أموال وفيرة تمكنها من معالجة أزماتها الخدمية المزمنة.
وأكدت الصحيفة أن حزب الدعوة الإسلامية يشهد حاليا جمع توقعيات استعداداً لتقديم طلب رسمي بتأسيس إقليم البصرة إلى الحكومة الاتحادية، وتضغط الجماهير على المجلس لتقديم الطلب، وتحقيق المشروع مجرد مسألة وقت.
واشارت الصحيفة إلى أن ما لا يقل عن 86% من إيرادات الموازنة العامة للعام الحالي، مصدرها حقول النفط والمنافذ الحدودية البرية والبحرية الموجودة في البصرة، لكن ما خصص للمحافظة في الموازنة لا يزيد على 1.5%، بينما تصل نسبة إقليم كردستان إلى 19%، لكن لوجود إقليم واحد فقط لا يجوز في دولة ذات نظام فيدرالي اتحادي.
وعلى الرغم من أن المزاج الشعبي العام في البصرة يميل إلى مشروع إقليم، إلا أن القوى السياسية تتباين في مواقفها بين التأييد والتحفظ والاعتراض، واضافت الصحيفة أن البصرة ستصبح إقليماً في المستقبل القريب لأن القوى السياسية النافذة فيها، فروع لأحزاب وحركات سياسية قياداتها ليست من البصرة، ومقراتها المركزية تقع في العاصمة بغداد ومحافظات عراقية أخرى، وأكثرها ليس مع مشروع الإقليم.
وأشارت إلى أن مجلس المحافظة قد لا يكون جاداً في تأسيس إقليم البصرة، إنما يلوح بذلك بهدف الضغط على الحكومة الاتحادية لانتزاع صلاحيات، والحصول على مزيد من الأموال، موضحاً أن مجلس المحافظة سبق أن استخدم مشروع الإقليم كورقة ضغط، لكن تكرار استخدامها أضعف مفعولها وتأثيرها.
عام 2015، قدم النائب السابق محمد الطائي طلباً إلى المفوضية العليا للانتخابات لإقامة إقليم البصرة، مرفقاً بتواقيع 44 ألف ناخب، ثم أعلنت المفوضية قبول الطلب والموافقة على الانتقال إلى المرحلة الثانية من مراحل تأسيس الإقليم، إلا أن الحكومة الاتحادية أصدرت أوامرها بالتريث، لأن الأحوال العامة غير مناسبة للمضي في مشروع مصيري من هذا النوع، خصوصاً أن العراق كان يخوض حرباً ضد تنظيم "داعش".
أما النائب والقاضي السابق وائل عبد اللطيف، فكان أول من حاول جعل البصرة إقليماً بعد إطاحة حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، عام 2003، عندما نجح في أواخر عام 2008 في حصد تواقيع إثنين في المئة من الناخبين، لكنه أخفق في المرحلة الثانية التي كانت تستلزم الظفر بتأييد 10 في المئة من الناخبين، من أجل تنظيم استفتاء جماهيري على المشروع. وهو يرى اليوم أن الظروف ملائمة أكثر من أي وقت مضى لتكرار المحاولة وإنجاز المشروع بنجاح.
وقال عبد اللطيف حينها إن "طموح تأسيس الإقليم تتبناه لجان تنظيمية تنشط في مختلف مناطق المحافظة، ويوماً بعد يوم يزداد عدد المؤيدين والداعمين للمشروع"، مبيناً أن تلك اللجان في طور إقناع مزيد من المواطنين بأهمية تأسيس الإقليم لتجاوز التهميش والحرمان اللذين تواجههما المحافظة، وبعد ذلك، سنتقدم بطلب جديد مصحوباً بتواقيع 10% من الناخبين، من دون التعويل على طلب مجلس المحافظة.
وقد استبق أنصار مشروع الإقليم الإجراءات القانونية، وصمموا علماً، ووضعوا مسودة دستور لإقليمهم المنشود، واتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي فضاءات للترويج لقناعاتهم وتصوراتهم في شأن الإقليم.
وترى الصحيفة أن الشعور بالظلم سيبقى يُلهم الطامحين إلى تأسيس إقليم البصرة، وهو الدافع ذاته الذي شجع المئات من وجهاء وأعيان البصرة، عام 1921،على تقديم عريضة موقعة من قبلهم إلى الحكومة البريطانية، يطالبون فيها بمنح البصرة حكماً ذاتياً أقرب ما يكون إلى الانفصال من الفيدرالية، ومما جاء في تلك العريضة التاريخية لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء أحب إليهم من أن يسيروا وإياهم جنباً إلى جنب على أسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين، وعلى العالم عموماً، لكنهم يعتقدون أنه لا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة إلا بمنح البصرة استقلالاً سياسياً،وقد جاء الرد على العريضة من وزير المستعمرات ونستون تشرتشل عندما قال، ضمن خطاب في مجلس العموم البريطاني، "طلب بعضهم منا فصل البصرة عن العراق، ولا نرى هذا الأمر ممكناً.