«فيها حاجة حلوة».. شعار تردده وأنت مترجل نحو قاعات معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي، والذي اختتم فعالياته أول أمس الثلاثاء، بعد ملحمة ثقافية عظيمة، عاشها المصريون لمدة أسبوعين كاملين، رغم الازدحام والطابور، تضبط نفسك متلبسًا وقد وقعت في غرامه، لما تشاهده داخل القاعات من بهجة وإقبال على الحياة، في سيمفونية وتناغم، يقودها متحدي الإعاقة، يجاورهم شباب متطوع لترجمة لغة الإشارة، متناسقين في ترتيب مدهش، للمساعدة على الفهم والشرح والإدراك، رافعين شعار الحب، مؤكدين في جمال ورفعة «متقلقش إحنا معاك».
جناح القومي للإعاقة يوفر المترجمين طوال أيام المعرض لخدمة الزائرين
بعد أن اجتزت طابور الدخول لقاعة رقم 3 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، متذمرًا متأففًا لتأخري على حضور ندوة صديقي الروائي الشاب، وأثناء ميلي لالتقاط حقيبتي من جهاز التفتيش الإلكتروني، شدني هذا المشهد البديع، الذي لمحته في لحظة خاطفة هناك في أقصى يسار القاعة، فرغت من التقاط أنفاسي التي تأرجحت ذهابًا وعودة، وأخذتني قدماي بعيدًا، لأجد نفسي متسمرًا أمام فتاة جميلة، في بداية العشرينيات من عمرها، تقف شارحة بلغة الإشارة لشخص من ذوي الإعاقة، في ابتسامة ساحرة، مكررة نفس الإشارة مرات عديدة.
فرغت هدى سيد طه، مترجمة لغة إشارة «متطوعة»، من مساعدة الشاب، لتذهب إلى غيره مسرعة، في خطوات رشيقة، راسمة ضحكة صافية، لتشكل لوحة بديعة على وجه طفولي، مستخدمة أصابع يدها في الوصف والشرح والتحليل والتفسير، اندفعت مسرعًا نحوها، مستفسرًا عما تقم به تجاه الزائرين، والتي ردت بود شديد وأدب جم، نحن مجموعة من شباب الجامعات، متطوعين لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة في شتى الفعاليات سواء كانت معارض أو أي تجمعات أخرى.
وأضافت هدى سيد في حديثها لـ«أهل مصر»، تأتي هذه المشاركة كأول مرة ليّ بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لكني شاركت من قبل في عديد كبير من المعارض، انطلاقًا من المسئولية الاجتماعية، التي تدفعني لهذا العمل، الذي نفعله بحب شديد، ورغبة حقيقية، في رسم البهجة على وجوه الأبطال من متحدي الإعاقة، في ظل ما يوفره لنا المجلس القومي لشئون الإعاقة، برئاسة الأستاذة رشا أرنست، المشرفة على فعاليات ونشاطات المجلس داخل معرض الكتاب.
مترجمة إشارة: نترجم بحب ونشعر بالسعادة الغامرة
في فرحة غامرة تملأ وجهها، نوهت مترجمة لغة الإشارة، بأنها في غاية السعادة بما تقدمه، مؤكدة أنها تشعر بالفخر والاعتزاز، لشعورها بأنها تؤدي واجبها نحو هؤلاء الأبطال الذين يستحقون ما هو أكثر من ذلك بكثير، لافتة إلى ترجمتها الفورية لما تفهمه من أحاديث حولها لذوي الإعاقة، امتنانًا لهم وجعلهم دائمًا في قلب الأحداث التي تتحرك حولهم، معربة عن أمنياتها الشديدة بالمشاركة الفعالة ضمن كل الأحداث الخاصة بذوي الإعاقة.
وفي نفس السياق، أكد عمر هشام محمد، الشاب العشريني، أنه يتطوع منذ العام الماضي، بالنسبة لفعاليات معرض الكتاب، لكنه يشارك في فعاليات أخرى كثيرًا، تحت إشراف المجلس القومي لشئون الإعاقة، منوهًا بأنهم كانوا ثلاث أشخاص فقط في معرض العام الماضي، ولكنهم هذا العام وصل عددهم إلى 15 متطوع، مشيرًا إلى تأديتهم لهذا العمل رغبة منهم في مساعدة أشخاص ذوي الإعاقة، والمساهمة نحو دمجهم في المجتمع.
مترجم: ذوي الإعاقة أبطال حقيقيون ويجب أن ندمجهم مع المجتمع
وأضاف «عمر»، أنه يحضر فعاليات وندوات داخل القاعة الرئيسية بمعرض الكتاب، لترجمة ما يتم مناقشته، سواء كان مناقشة كتاب، أو محاورة مع ضيف معين، في ترجمة فورية، بناءً على ما أسمعه من الحضور، في لغة سلسة من الإشارات، ناقلا الندوة كاملة بلا انقطاع لأشخاص ذوي الإعاقة ممن يحضورن الندوة، في متعتة حقيقية أشعر بها أثناء الترجمة.
وأكد المترجم، أن ما يؤديه وزملائه، يدعو للفخر الحقيقي، واصفًا سعادته التي يشعر بها أثناء الترجمة، بأنها حياة مختلفة وسعادة غامرة، تنسينا تمامًا بعد المصاعب التي تواجهنا أثناء الترجمة، سواء الخاصة بالانتباه الشديد، والتركيز في كل حرف ينطق وترجمته على الفور، أو بعض المصطلحات على الأصعدة المحتلفة، سواء كانت علمية دقيقة، أو حتى فيما يخص اللغات الأخرى التي لا نجيدها، وأحيانا ينطق بها بعض المناقشين، بالإضافة إلى الوقوف أحيانا لأكثر من ساعتين متصلتين لحين انتهاء الندوة أو المناقشة.
استكملت نسمة زكريا، مترجمة لغة إشارة متطوعة الحديث، مؤكدة حرصها على المشاركة في معظم الفعاليات، لتؤدي الترجمة لذوي الإعاقة، معربة عن سعادتها بما تقوم به من أعمال، وأن أكثر ما يفرحها أثناء الترجمة، علامات الوجه التي توضح أن الذي تترجم من أجله يفهم ما تقوم به، وقتها تشعر بعظمة ما تؤديه من رسالة، خاصة في حالة شرح أو ترجمة فكاهة ما.
وأشارت «زكريا»، إلى أنها وزملائها من المترجمين، اختاروا التواجد بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، برغبتهم المجردة في المشاركة برسم البسمة على وجوه ذوي الإعاقة، مؤكدة على استمرارها في المشاركة كل عام، فضلا عن المشاركة في الفعاليات والمؤتمرات الأخرى، للمساعدة في تذويب ما يشعر به ذوي الإعاقة من نقص، وهم أبطال حقيقيون يمارسون حياتهم ويتحدون الصعاب.
ولفتت إلى أن هناك أحد المترجمين متواجد بشكل مستمر بجناحنا الرئيسي، ينقل على الفور الأسئلة إلى أحد القائمين على الجناح، ويتلقى الإجابات لينقلها بدوره إلى السائل، ليمكنه من مواصلة ما جاء من أجله، فضلا عن القيام بدور الموجه إلى ما يسعى إليه، كما قمنا بترجمة أغنية المعرض "متجمعين في القاهرة"، التي شدت بها الفنانة ريهام عبد الحكيم، احتفالا باليوبيل الذهبي للمعرض.
رشا أرنست: القائمين على الترجمة متطوعين
من جانبها أكدت رشا أرنست نظمي، مدير إدارة الثقافة والفنون بالمجلس القومي لشئون الإعاقة، بالإضافة إلى كونها مدير أنشطة وفعاليات المجلس بمعرض الكتاب، أن القائمين على الترجمة بلغة الإشارة جميعهم متطوعين، مضيفة: كنا بدأنا في العام السابق بثلاثة مترجمين فقط، ولكننا وصلنا هذا العام إلى 15 مترجم، يقومون بمجهود كبير لإتاحة الترجمة للجميع، يقسمون أنفسهم لتغطية أكبر قدر ممكن، حتى نتمكن من انجاز التجربة، ويعملوا في هدوء دون صخب أو تململ، ناقلين الصورة الحية إلى الجمهور.
وأضافت «أرنست» في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن هناك مترجم أو مترجمة في القاعة الرئيسية قاعة «ثروت عكاشة»، بشكل مستمر، بالإضافة إلى قاعة ضيف الشرف، سواء حضر أحد من أشخاص ذوي الإعاقة أو لم يحضر، بالإضافة إلى أن كل نشاطات المعرض مترجمة، بشكل كامل، حرصًا منا بالمجلس القومي لشئون الإعاقة، لتحقيق الهدف المرجو الخاص بهذه الجزئية بالتحديد، وهو العمل على الدمج الكامل للمعاق داخل المجتمع وعدم شعوره بالغربة.
وأشارت مدير أنشطة فعاليات المجلس بمعرض الكتاب، إلى تعاونهم مع المؤسسات المختلفة داخل المعرض، مضيفة: ذهبت إلى جناح الأزهر، ودار الإفتاء، وجناح المملكة العربية السعودية، وعرضت عليهم المساعدة في هذا الشأن، خاصة أن الإقبال يكون مكثف على هذه الأماكن، للسؤال حول الأمور الدينية المختلفة، بالإضافة إلى الولع بالفتوى بشكل مستمر، كما طبعنا كروت تحمل أرقام تليفونات، وزعناها على جميع أجنحة المعرض، لمن يحتاجإلى مترجم إشارة، يتصل بنا ونرسل له على الفور أحد المترجمين، مشيرة إلى أن أكثر ما يتلقوا من أسئلة تتمحور حول التشريعات، ولائحته التنفيذية، وما يتعلق بأماكن دور العرض المختلفة، بالإضافة إلى القاعات التي تحتضن الفعاليات المختلفة.
دورة المعرض الحالية صورة مشرفة ليوبيله الذهبي
وأشادت «أرنست»، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، مؤكدة أنه نجح نجاح مبهر، بفضل مجهودات الهيئة العامة للكتاب، وخرج في صورة مشرفة تليق بالاحتفالية الكبرى في يوبيله الذهبي، وأكبر دليل على ذلك، عدد الزائرين الذي يزداد بشكل كبير، فضلا عن الرد على المشككين في نجاحه، نتيجة المخاوف من نقله إلى مكانه الحالي بمركز المؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، والملفت للنظر جدًا التنظيم المبهر الذي تم طوال أيام المعرض، مؤكدة أن هذا العام شهد تعاونا كبيرا بين المجلس وهيئة الكتاب، من حيث الترتيبات والتيسيرات اللازمة ليكون المعرض في ثوبه الجديد بالتجمع الخامس صديقا للأشخاص ذوي الإعاقة، فضلا عن قرار الهيئة بدخولهم مجانا، وخصومات على كافة اصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب بموجب كارنيه الإعاقة، وكذا توفير نسخة الكترونية من مجلة معرض الكتاب اليومية بصيغة مقروءة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية على موقعي هيئة الكتاب والمجلس الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، كما وفر المجلس القومي للاعاقة عدد من مترجمي لغة الاشارة المتطوعين، طوال فترة المعرض لتقديم الترجمة في عدد من الندوات طوال فترة المعرض، كما سبق وذكرت لك.
وأكدت حرص المجلس هذا العام، بالتعاون مع هيئة الكتاب، لتقديم الدعم الفني اللازم للمتطوعين بمعرض الكتاب، وتم التنسيق على تدريب أكثر من مئة متطوع على اتيكيت التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتثقيفهم بكيفية تقديم الإرشاد أو المساعدة إذا لزم الأمر بالشكل المناسب، لافتة إلى تنظيم المجلس هذا العام بالتعاون مع لجان المعرض المختلفة عدة فعاليات ضمن فعاليات معرض الكتاب في دورة اليوبيل الذهبي، تضمنت ورش للأطفال والنشء «رسم على القماش، تصميم عرائس، حكي، تشكيل بالسلك، يلا نرسم حكاية»، بالإضافة لندوتين، الأولى ناقشت كتاب «نقوش على الحجر»، وهو سيرة ذاتية ومسيرة حياة الإعلامي رضا عبدالسلام، المذيع باذاعة القرآن الكريم مع الإعاقة، وكيف واجه تحديات الحياة، واستطاع أن يهزمها بإرادته وإيمانه، رغم مولده بلا ذراعين.
واختتمت، أن الندوة الثانية، كانت تحت عنوان «من الاستثناء إلى المساواة في التشريعات» بحضور الدكتور عبدالهادي القصبي رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، بمشاركة الدكتور أشرف مرعي أمين عام المجلس القومي لشئون الاعاقة، وبحضورها في الندوتين.