في الجنوب الليبي ليست الحرب على الإرهاب والأزمات بين دولتي فرنسا وايطاليا فقط هي التي تعتري المشهد، بل الحالات الانسانية لزواج القاصرات قد تفشى بالجنوب الليبي خاصة في مدينة "سبها" حيث يعيش الكثير من الأسر في وضع اقتصادي متأزم بسبب الفوضى في البلاد، مما دفع الكثير من الآباء في تزويج بناتهم في سن صغيرة.
وقالت صحيفة الاندبندنت أن هناك الكثير من الفتيات الصغيرات التي أصبحن أمهات مطلقات في المحاكم،ومن بين هؤلاء فاطمة التي التقيناها في محكمة سبها الابتدائية.
واضافت الصحيفة أن فاطمة ذات الـ15 عاماً لم تذهب كغيرها من الفتيات إلى المدرسة بل ذهبت غلى المحكمة مباشرة للحصول على طلاقها الذي لم يستمر سوى عام واحد فقط أنجبت خلالها طفلة.
وقالت فاطمة للصحيفة رأيت زوجي حامد، للمرة الأولى في أحد المحال التجارية، لم نتبادل الكثير من الأحاديث، قبل أن تزورنا شقيقته في اليوم نفسه لتطلبني زوجة له، لم أعلم لماذا تحمس والدي للموافقة بشكل سريع.
وتابعت والدتي جلست معي ليلتها وأخذت تخبرني عن مزايا الزواج، وأنني أستطيع فعل العديد من الأمور وحدي، النوم و السفر والطعام ومشاهدة التلفاز عندما أشاء، لم أُناقشها، فقد كنت فعلاً أحلم بحرية أكثر، عائلتي لديها سبع بنات وولدان، ولا نعيش في مستوى اقتصادي جيد، لذا أحببتُ فكرة الزواج.
لم تكن فاطمة تُدرك ما ينتظرها في هذه الزيجة التي لم تدم طويلاً، قبل إتمام الزواج، واجهت العائلتان مشكلة صغر سن العروس، ولا حل لها إلا باستخراج إذنٍ مِن القاضي ليتمكن المأذون من عقد القِران، ويقع هذا الإجراء في شكل متكرر لدى العديد من حالات الزواج التي يكون أحد طرفيها فتاة قاصرة.
يقول قاضي محكمة سبها الجزائية حسن أحمد، إن هذا الإذن يقع بعد أن يأتي والد الفتاة التى ستتزوج، فيقيم القاضي مدى نُضْج الفتاة وما إذا كانت أهلاً للزواج أم لا، وبناء عليه، يتم تزويج الفتيات الصغيرات في حال ثبت نضجهن وتأكد القاضي من رغبتهن في الزواج، ويضيف أن المحكمة منحت خلال العام 2018 أربعة عشر إذناً لتزويج فتيات من دون الثامنة عشرة من عمرهن.
وكانت فاطمة إحدى هؤلاء الفتيات اللواتي حصلن على إذن الزواج في العام 2017، والذي كانت فيه إحصائية الأذونات 12 إذناً وفق بيانات محكمة سبها الابتدائية، وبعد إتمام زواجها، لم يستغرق الوقت كثيراً حتى تبين لها أن زوجها مدمن ويعاني حالة من السادية تدفعه لضربها في شكل متكرر، تقول فاطمة إنها لم تستطع فعل شيء "فوالدتي طلبت مني الصبر معللة بأنه سيهدأ مع الوقت، ومُحذِرةً من أن الطلاق سيجلب العار للأسرة، لم أفهم حينها كيف أن بقائي تحت الضرب والإهانة لا يجلبُ العار، وأن استنكاري للضرب سيجلب ذاك العار لأسرتي، استمر الوضع على ما هو عليه شهرين قبل أن أحمل في أحشائي طفلاً من هذا الرجل، الذي بدأ يحاول إجهاضي في شكل متكرر قبل أن أهرب مع أخي وأستقرُ مجدداً في منزل أهلي الذين أدركوا أخيراً وحشية ما ألقاه".
بدأت فاطمة رحلتها مع المحاكم للحصول على طلاقها من حامد، الذي يرفضُ تطليقها على الرغم من أنها تنازلت عن كل حقوقها له، وتقول الصحيفة إن موقف فاطمة القانوني سليم، خصوصاً مع وضوح الأذى النفسي والجسدي اللذين تسبب بهما زوجها، غير أنها لن تستطيع المطالبة بأيةِ حُقوق تنازلت عنها كونها أصبحت قانوناً كاملة الأهلية بمُجرد عقد قِرانها، أي أنها مسؤولة عن تصرفاتها التي أفضت إلى تنازلها عن مجوهراتها وأموالها لزوجها قبل أن تهرب إلى بيت أهلها.
ما تعيشه فاطمة هو حال الكثير من الفتيات في الجنوب الليبي، واللواتي يقع تزويجهن خارج إطار القانون، يقول الباحث الاجتماعي عمر السنوسي، إن كثيراً من الأهالي يُزوجِون بناتهم الصغيرات حتى من دون استخراج الإذن من القاضي، وهو ما تنتج منه حالات مختلفة من الطلاق والمشاكل الاجتماعية، مضيفاً أن سوء الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة يدْفعان الأُسر المحدودة الدخل إلى الإسراع بتزويج بناتها، يُشجعها على ذلك بعض الموروثات والمفاهيم الدينية، ويرى السنوسي أن محاربة هذه المعضلة تكون بنشر الوعي والإدراك لدى المجتمع، وهو دور المؤسسات المدنية الغافلة عن هذا الملف وفق السنوسي.
في مدينة سبها لا توجد نشاطات لمؤسسات المجتمع المدني تختص بدراسة أو متابعة هذه المشكلة، كما أن الفتيات المطلقات لا يتمتعن بأية حقوق، ويواجهن حالة عامة من الصمت حولهن وحول كيفية ممارستهن حياتهن بعد مرورهنّ بهذه التجارب، تقول الناشطة مريم فرج "إن الكثير من الاعتبارات الاجتماعية تحول من دون متابعة هذا الملف من قبل المؤسسات المدنية، حتى أن الفتيات أنفسهن لا يُفضلن الحديث عن تجاربهن"، فالمجتمع ينظرُ إليهن بشيء من الارتياب إن لم نقل اللوم، ومع ذلك ظهرت أخيراً أصوات تنادي بمتابعة ملف القاصرات ولو من الناحية القانونية، غير أنها تحتاج إلى قاعدة صلبة يمكن أن يبنى عليها عمل منظم يُفضِي إلى حل هذه الأزمة أو على الأقل التخفيف من وطأتها.