في محاولة تأسيس عقيدة جديدة ترتبط بمفهوم الحاكمية، انطلق سيد قطب من تفسيره الخاص لاية الكرسي، وفي هذه الاية يقول المولى سبحانه وتعالى : الله لا إلٰه إلا هو الحي القيوم ۚ لا تأخذه سنة ولا نوم ۚ له ما في السماوات وما في الأرض ۗ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ۚ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ۖ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ۚ وسع كرسيه السماوات والأرض ۖ ولا يئوده حفظهما ۚ وهو العلي العظيم.
إن التراث الإسلامي لم يعرف سببا لنزول اية الكرسي، وبخلاف قصة وصفت بأنها من الإسرائيليات عن سبب نزول هذه الاية الكريمة فإنه لا يوجد ما يدل على أن هناك مناسبة لنزول هذه الاية الكريمة، وإن كان هناك أكثر من أثر شريف على أن اية الكرسي من أعظم ايات القران الكريم وأكثرها شرفا ومنزلة .
وفي كل التفاسير التي تناول اية الكرسي تكلم المفسرون عن معاني عظيمة من جهة توحيد الله وإثبات أسمائه وصفاته وعموم علمه وقدرته ، ومما ورد من الحديث النبوي الشريف حول اية الكرسي ما أورده الإمام النسائي في " السنن الكبرى " : أخبرنا الحسين بن بشر ، بطرسوس ، كتبنا عنه قال : حدثنا محمد بن حمير قال : حدثنا محمد بن زياد ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ اية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ) . وهكذا رواه الطبراني في " الكبير" ، والروياني في " مسنده " ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " من طريق محمد بن حمير به . وهذا إسناد جيد :
لكن عنما تناول سيد قطب اية الكرسي اعتبر أن هذه الاية الشريفة هي المقابل الإسلامي لما اعتبره سيد قطب فكرة التثليث في الدين المسيحي، وحيث اعتبر سيد قطب أن الرؤية الأسلامية لله الواحد تقضي أن : ( لا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله، وما يأمره الله به من الطاعات) ، ثم يقفز سيد قطب من هذا التفسير الذي قدمه لاية الكرسي، وهو تفسيرمقبول في الجانب الإيماني منه ولم يأت فيه سيد قطب بجديد إلا اعتبار أن اية الكرسي تمثل المقابلة لعقيدة التثليث في الديانة المسيحية ، ليخلص مباشرة إلى أن هذا الإيمان بوحدانية الله يقتضي ألا يطيع الإنسان أى مخلوق سوى المولى سبحانه وتعالي، في اي شي من امورالحياة، وهو ما اعتبره سيد قطب بداية التأسيس لعقيدة الحاكمية، وفي هذا السياق تظهر كلمة الحاكمية في سياق لا يتصل بأحد ايات الحكم بين الناس.
وهنا يكون سيد قطب قد وظف بمهارة موهبته الأدبية في صياغة العبارات والجمل، ليقحم كلمة الحاكمية، وهى كلمة ليس لها أصل في اللغة العربية ولا يمكن ردها لأصل عربي في أى معجم، وسط سياق غير دلالي لا على معنى الكلمة، المغلوطة أصلا في معيار اللغة، ولا في سياق شرعي لأن اية الكرسي لا تتعلق بايات الحكمة ولا علاقة بينها وبين الحكم من قريب ولا من بعيد.
إن ما فعله سيد قطب في تفسير لاية الكرسي يمكن أن يرقى إلى مرتبة التقول على الله سبحانه وتعالى فالقول على الله بغير علم يكون في القول على الله عز وجل: في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه، بحيث إذا لم يصِب الإنسان يكون قد افترى على الله الكذب، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات ، وقد كان من بين أكابر الصحابة من يتحرج من تفسير القران الكريم، وكانوا يتحرجون في تفسير القران الكريم ليس عن جهل بل لكمال ورعهم وتقواهم وتعظيمهم للقول في تفسير كلام الله بغير علم، بين أن صحابي بقامة الصديق أبي بكر الذي نزل فيه القران الكريم من فوق سبع سموات ووصفه المولى سبحانه وتعالى بأنه : ثاني اثنين إذ هما في الغار يتحرج في تفسير اية كريمة من ايات القران الكريم تبدو أكثر بساطة وسهولة في التفسير ، قال ابن كثير : وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي قال : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى : (وفاكهة وأبا) ، فقال: أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم، هذا أبو بكر الصديق، لكن سيد قطب يرى أنه من يجوز أن يفسر اية الكرسي بما لا تحتمل معاني مفرداتها الواضحة، بل أن أن سيد قطب يكون قد أقحم على مفردة ليس لها أى أثصل في اللغة العربية وهى مفردة الحاكمية في سياق تفسير اية كريمة من ايات القران الكريم، وهو القران الذي يصفه المولى عز وجل بأنه بلسان عربي مبين.