الصناعة تواجه شبح الاندثار.. عربات الحنطور بالإسكندرية.. ثقافة إيطالية بأيادٍ مصرية (صور)

عربات الحنطور بالإسكندرية.. ثقافة إيطالية بأياد

عربات الحنطور المزينة بالحلى النحاسية، والأجراس الرنانة المعلقة بعنق الحصان الذى يجرها، كأنها لوحة فنية، رسمها أحد المهرة، لتزين كورنيش الإسكندرية، ننبهر دون أن نسأل من الفنان الذى قام بصنع هذه العربه المبهجة؟، وتختبأ الإجابة فى ثنايا 150 عاما مضت، داخل ورشة وضع الزمن الإبداع بين أحجارها فى شوارع الإسكندرية القديمة؟

الورشة الأقدم بالإسكندرية

قرب مدخل مساكن الخديوى، بحى وسط الإسكندرية، بين البيوت القديمة، يوجد عبق تاريخ الجاليات الإيطالية التى استطونت هذه المنطقة، تفيق على أصوات مزاح العمال، مختلط بأصوات آلات الصناعة، فتنظر إلى أكوام الأخشاب المتناثر مختلط ببقايا عربات حنطور قديمة، وعجلاته، وقضبان من الحديد، ومصابيح وحلى نحاسية، وأجراس تداعب ذهنك، وتجذب عين صورة الملك فاروق أعلى حائط الورشة، لتجد نفسك أمام أقدم ورش صناعة عربات الحنطور فى الإسكندرية.

الحاج «على سليم» آخر أبناء عائلة «سليم» الأشهر فى صناعة عربات الحنطور لأكابر وبشوات الإسكندرية القديمة، فقد دشنها جده منذ150 عاما، بعد أن عاصر دخول الإيطالين إلى الإسكندرية، وتمركزهم فى هذا الحى، وإدخالهم للحنطور كوسيلة جديدة للمواصلات، بعد انبهاره بهذه العربات السحرية، وبعد تشربه لمهارة صنعها من أهلها، بدأ العمل بورشته الصغيرة فى نفس المنطقة، لكى يصبح رائد صناعة الحنطور فى الإسكندرية ومنها لمصر بأكملها؟

يقول الحج «على»، إن هذه الورشة شهدت على صناعة الحنطور لأكبر عائلات البلد، وكانوا يفضلون صناعتها فى هذا المكان لما لها من جودة وفن فى صناعتها، فلم يكن جده يعمل لمجرد الكسب بل كان يتقن صناعة وتجميع هذه العربات، معتبرا إياها فنا يجب إظهاره فى أجمل صورة.

ترسانة عمل متكاملة

تخرج عربة الحنطور تحفة فنية، خلفها ترسانة عمل متكاملة، وبفن متقن، تحت أيدى صناع مهرة، يجمعوها قطعة بقطعة.

ويقول «على»، إن الورشة تقوم بتصنيع العربات بشكل متكامل، وبشكل يدوى، يقوم صنايعية الورشة بتجميعها وتصنيعها يدويا، وهو ما يجعلها تخرج بهذا الشكل المبدع، حيث تبدأ بتجميع الخشب معا، وتزويدها بدعامات من الحديد، ثم تكسو بالجلد الأسود، وتزود بالحلى النحاسى والمصابيح الزجاجية.

ويضيف، العربة الواحدة تستغرق من 30 إلى 40 يوما لإنتاجها، ويتوقف الوقت حسب حجم العربة، وكذلك حليها وزينتها.

صناعة محلية تصدر للعالمية

بالرغم من أن الإيطاليين هم من قاموا بجلب الحنطور مصر، إلا أنه مصرى الصنع بامتياز، حيث يقول «على»، إن الخشب المستخدم هو خشب من شجر التوت والصند، يتم جلبه من صعيد مصر، وتستخدم الحديد والنحاس من ورش الصب المصرية المنتشرة، خاصة فى منطقة الفراهدة بالإسكندرية، بالإضافة أن الجلد الأسود اللامع يقص ويفصل فى الورشة، دون إدخال أى منتج مستورد.

ويضيف «على»، بالرغم من أن الحنطور ثقافة إيطالية، إلا أن هناك عددا من التجار المصدرين، كانوا يتعاقدون معه كى يصنع عدد من العربات ويقومون بتصديرها لإيطاليا، وذلك لما للصناعة المصرية اليدوية من سوق عالمية. 

السياحة والدولار.. وحشان يلتهمان صناعة الحنطور

يشير «على» إلى أن أزمة الدولار نالت من صناعته، فبعد غلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار وانهيار قيمة الجنيه المصرى، أصيبت ورشته بإعاقة، فلم يعد هناك طلب على العربات المصرية.

وأكد، أن أزمة السياحة أضرته أيضا، و لم يعد يصنع عربات جديدة لهؤلاء الأسطوات سائقى الحنطور، حيث إن كلا منهم يقوم بصيانة عربته، دون النية لشراء جديدة، فهى تتكلف كثيرا، وتضاعف سعرها، فكيف يشترى وهو لم يجد رزقه اليومي.

ندرة «الصنايعية» سبب الاندثار

ويشكو «على»، أن لم يعد هناك إقبال على المهنة من الشباب ليتعلموا «الصنعة» ويمتهنوها، حيث إن سرعة الحياة وتزايد المتطلبات الحياتية ورغبة الشباب فى الحصول على المكسب السريع، أصبحت الصناعات اليدوية غير جاذبة للشباب.

ويضيف، الشباب من سن 16 إلى 20 عاما كانوا يسرعون إلى ورشته بمجرد أن تأتى إجازة العام الدراسي، ليصبحوا «صبيان» الورشة ويتعلموا من صناعها، إلا أن الآن يجد من هم فى نفس السن يذهبون ليتعلموا قيادة «التوك توك»، والأهالى تشجعهم على ذلك، بدلا من أن تشجعهم على تعلم الحرف.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
غزيرة تؤدي لـ تجمعات المياه.. التنمية المحلية تحذر من سقوط الأمطار على المحافظات