يواصل الأمير "بندر بن سلطان" رئيس المخابرات السعودي السابق في الحلقة القبل الأخيرة من حواره مع صحيفة الاندبندنت الذي جرى في مدينة جدة لمدة 14 ساعة، حديثه الذي اوقه الحلقة الماضية عن الازمة الفلسطينية حيث يكشف اليوم عن قطر، وعن أمير قطر السابق المعروف بالأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة، و عن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم، وعن مواقف جمعتهما قبل حرب تحرير الكويت وبعدها.
-حمد بن جاسم "اللغز"
يقول "بندر بن سلطان" لقد تزوج الشيخ الراحل خليفة أخت حمد بن جاسم، وعينوه مدير مصلحة الجمارك، ثم أصبح وزير مالية، الأب في هذه الفترة، خليفة بن حمد، كان يقضي نصف السنة في سويسرا وجنوب فرنسا،وعين ابنه عبدالعزيز وزيرًا للبترول، حين عين حمد بن جاسم وزير مالية وحمد بن خليفة وزير دفاع، وقد وجدوا طريقة كي يتخلصوا من "عبدالله آل عطية".
ويتحدث الأمير "بندر" عن قصة متداولة في الخليج، وهي عن تخرج وزير الدفاع القطري الحالي خالد العطية من كلية الملك فيصل الجوية في السعودية والخلاف بينه وبين والده ويقول : "غضب محمد العطية من ابنه خالد وطرده، وجاء خالد إلى السعودية وعاش نحت رعاية والدي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ودرس في كلية الملك فيصل الجوية، وقبل التخرج، أرسل الأمير سلطان إلى الزعيم محمد دعوة لحضور حفل التخرج بالإضافة إلى رؤساء الأركان في جميع دول مجلس التعاون، ولم يخبره بأن من ضمن الخريجين ابنه خالد وكانت هذه رغبة من الأمير سلطان أن يصلح بين الأب والابن وطلب الأمير سلطان من محمد العطية الجلوس بجانبه، وحين جلس قال له : لدي طلب شخصي منك ، ورد العطية : أنت تأمر لا تطلب، قال الأمير سلطان : إذًا اطلبوا الابن خالد، وجاء خالد العطية وقال له الأمير سلطان قبّل يد والدك فرفض الأب وبعد شد وجذب صالح الأمير سلطان بينهما. وهذا الموقف هو أحد الأمثلة لأشرح لك كيف كان شكل العلاقة، وأن الإصلاح والتقارب والمودة كانت الأساس قبل وصول حمد بن خليفة للحكم".
الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم تخلصا من محمد العطية لأن شخصيته قوية، ووزير الدفاع القطري الحالي عاش في كنف الأمير سلطان وهو من أصلح بينه وبين والده بعد أن طرده وجاء إلى السعودية ثم تخرج من الكلية الجوية.
لحظات فتور بين مصر والسعودية
وتطرق "بندر" لفترة فتور العلاقات بين السعودية ومصر في فترة الملك فيصل وجمال عبد الناصر وتابع قائلاً: "ظن القطريون أن بإمكانهم لعب دور الوساطة، وهذا غريب طبعاً، "حمد بن خليفة" وقتها ذهب إلى مصر وتلقى دورة لا أعرف ماهي، وبدأ يلتقي بمصريين من الإخوان المسلمين متنكرين كمثقفين، وكان "حمد بن جاسم" صديقاً لهذه المجموعة،ولكن قد تكون هذه شرارة تأثر القطريين بالإخوان المسلمين".
ويعود الأمير بندر للحديث عن الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم، ويقول : "ومن القصص على بداية العلاقة بين حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، أن حمد بن خليفة طلب ميزانية إضافية لوزارة الدفاع، واستغرب والده الطلب، لسبب أو لآخر.
حمد بن خليفة في روضة "خريم"
وجاء الشيخ حمد بن خليفة إلى السعودية، وكان في المقابلة الملك فهد والأمير عبدالله والأمير سلطان، ويرافق حمد بن خليفة بعض المسؤولين القطريين. يقول الأمير بندر : "وفي الاجتماع، نقلاً عن الملك عبدالله شخصياً لأنني لم أكن معهم، قال حمد بن خليفة: الوالد أوصاني لك يا فهد، نحن موافقون على شروطكم، لكن يا فهد، أنتم لستم وسيطا عادلا. وقام حمد بن خليفة يكرر يا فهد يا فهد .. كان الملك فهد يلتفت إليه ولا يرد، والتفت الأمير عبدالله إلى الشيخ حمد بن خليفة وقال له: أنت تقول يا فهد؟ كيف تتجرأ، قل يا عمي يا سيدي.."،حاول الشيخ حمد التهدئة وقال أنا منكم وولدكم وأخطأت.
وهدأ الموضوع، وانتهى الرأي أن يذهبوا للمحكمة، ومن ثم عقدت القمة الخليجية، والتي فيها قام حمد بن خليفة وقال أنه ليس موافقاً على التصويت على موضوع تحرير الكويت حتى يتم النظر في جزر حوار، حينها سأل الملك فهد من يتحدث وإذا بالشيخ حمد يقف ويقول أنا طال عمرك، وخرج الملك فهد من القاعة متجاهلاً ما قاله الجانب القطري ولحق به الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل وطلبه أن يعود وعاد، وجاء حمد بن خليفة وقبل رأسه واعتذر، صحيح أن هناك قوة قطرية شاركت في حرب الخليج، إلا أنه خلال تلك الفترة وبعد هذه المواقف، بدأ تخطيط حمد بن خليفة لإزاحة والده، وبدأت أهدافه بتضخيم دوره السياسي".
ويذكر الأمير بندر قصة جانبية، وهي أنه بعد إزاحة الشيخ حمد لوالده من الحكم، جاء رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها الأسبق الشيخ حمد بن جاسم إلى السعودية وطلب منها عدم استقبال الشيخ خليفة.
رفضت الرياض ذلك، بل إن الملك فهد،قال إنه سيستقبله اسقبالاً رسمياً ويسكنه في قصر الضيافة وقال لمن كانوا متواجدين بمن فيهم حمد بن جاسم : "قبل أسبوع كان أمير قطر والآن أصبح عدواً؟"، فرد الشيخ حمد بن جاسم بأنه لا مانع، لكن عدم إظهار ذلك في الإعلام، فكان الرد من الملك فهد بالاستقبال الرسمي وإسكان الشيخ خليفة في قصر الضيافة وبث الاستقبال على القناة السعودية الرسمية.
حمد بن جاسم والقاعدة الأميركية
يستذكر الأمير بندر بن سلطان، قصة مع الشيخ حمد بن جاسم، حين كان الأمير سفيراً لبلاده لدى واشنطن،ويقول إن وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس جورج بوش الأب، جيمس بيكر، اتصل به وقال أريدك في موضوع، ويضيف الأمير : "القصة أن حمد بن جاسم مثلاً، وهذا من المواقف التي بينت لنا أن ما يسمى بـ "الحمدين" وهما الشيخان حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، بدءا يفكران بالتمرد على البيت الخليجي.
ذهب بن جاسم إلى واشنطن وطلب من جيمس بيكر رأيه في استعداد الدوحة لاستضافة القوات الأميركية في الخليج بعد انتهاء حرب تحرير الكويت، ومن سوء تدبير حمد بن جاسم أنه ظن أن بيكر سيخفي الأمر. قال له إن قطر مستعدة لاستضافة قواتكم وتجهيز قاعدة عسكرية وندفع مبلغاً سنوياً لكن بشرط لا تخبروا السعوديين".
ويتوقف الأمير ضاحكاً ثم يكمل : "ضحك بيكر من طلب حمد بن جاسم وقال له هذا ليس اختصاصي بل من اختصاص وزير الدفاع. خرج بن جاسم، وفورًا اتصل بي جيمس بيكر وقال: إذا لديك وقت قم بزيارتي، فزرته، جلست وقال لك عندي سر وأريد إخبارك به، مازحته ووضعت يدي على أذني، وقلت له غير متقبل لأي أسرار إضافية، لدينا من المشاكل ما يكفينا، قال: جاءني حمد بن جاسم ثم أخبرني بما دار بينهما".
يكمل الأمير : "كان تفكير القطريين أن أي مكان فيه تواجد أميركي لا يمكن المساس به، وإذا كان هناك ضمانة مثل هذه، يمكن تنفيذ أي سياسة خارجية نريدها، واستغرب بيكر وقال لا أعرف كيف يفكر هؤلاء، وطلب مني بيكر عدم إخبار أحد حتى يتصرف".
ويواصل الأمير بندر : "قال بيكر لي : أخبرت الرئيس بوش وديك تشيني واتفقنا أن أبلغ حمد بن جاسم إنه لا داعي للانتظار لأن الجميع مشغولون بالانتخابات، وكذلك نحن نتظر رد السعودية لو كان لديهم اعتراض. ضحكت من تصرف بيكر، وقلت له "فشلتوا الرجال"، كان رد بيكر عن تصرف القطريين : "أغبياء دعهم يتعلمون". انتهى لقائي مع بيكر، واتصل بي عبدالرحمن بن سعود آل ثاني سفير قطر في واشنطن حينها. وقال لي معالي وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم يريد زيارتك، قلت له يتفضل. لكن توقفت وفكرت أنه إن جاء هو لن أستطيع أن أنهي اللقاء، بينما لو ذهبت أنا إليه أستطيع التحكم بالوقت".
في هذه الأثناء، لم يكن يعرف حمد بن جاسم أن لدى بندر بن سلطان تفاصيل الطلب الذي تقدمت به الدوحة للخارجية الأميركية ويكمل الأمير القصة : "قلت للشيخ عبد الرحمن بن سعود آل ثاني عن طلبه له : أنا سأزوره، وذهبت ووجدت حمد بن جاسم ومعه سفيرهم في أميركا. وبدأ يفاتحني بالموضوع وكأنني لا أعرفه، وقال هناك موضوع حساس وطلبت مني القيادة القطرية أن أخبرك كي تخبر الملك فهد والأمير عبدالله والأمير سلطان".
عض الأمير على شفتيه، وبدت علامات السخرية على وجهه، ثم أكمل : "قلت له .. يا حمد، أليس من الأسهل أن تذهب من الدوحة إلى السعودية وتخبرهم بدل قطع كل هذه المسافة لتخبرني لأخبرهم أنا؟ ثم قال لي الموضوع متعلق بالأميركيين، وكانت هذه المحادثة في جناح حمد بن جاسم في فندق الـ"فور سيزون" في واشنطن. وقال لي: عرضنا على الأميركيين إذا أرادوا وضع طائرات حربية عندنا لحماية المنطقة كاملة فقطر مستعدة، ولا يهمنا انتقادات الباقين كما فعلنا في علاقاتنا مع إسرائيل وغيرها. قلت له فقط؟ قال نعم فقط ، قلت له بيكر اتصل بي أمس وأخبرني بكل شيء.. قال لي حمد بن جاسم: أمس ؟ قلت نعم، وحين أخبرته كنت أود إيصال رسالة له أنه لا فائدة من اللعب خلف ظهرنا مع الأميركيين أو أي قوة أخرى في العالم".