كثيرًا ما تتعالى صرخات ضحايا جرائم الاغتصاب سواء من الإناث أوالذكور، حيث يقع الإثبات فى هذه القضايا على كاهل الضحايا أنفسهم أو عائلتهم، وهو ما يصعب فى معظم الحالات، على اعتبار أن الجانى يختار أن يمارس عمله الشنيع فى صمت، حيث يختار مكانا بعيدا عن الشهود، وغالبا ما يتم تهديد الأطفال الضحايا بالقتل أو فضحهم، حتى ولو تم الإبلاغ عنهم لا ينصفهم القانون، حيث إن ثغرات قانون الاغتصاب كثيرة جدًا، ينفذ من خلالها الجانى بأقل الخسائر، وتظل الضحية منبوذة ومضطهدة طوال الوقت.
«كنت فى الرابعة عشر من عمرى، حيث استغل أحد جيراننا عدم وجود أمى وأبى فى المنزل، واقتحم المكان وقيدنى بالمطبخ وفعل فعلته، وهددنى بقتل أبى وأخى الصغير»، هكذا بدأت «ر. م»، ذات السابعة عشر ربيعا، من قرية «دمرو» مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، تروى لـ«أهل مصر» تجربتها البشعة التى تعرضت لها، مضيفة: «لخوفى منه لم أفتح فمى، وبعد فترة حاول التهجم علىّ مرة أخرى لكننى هذه المرة استغثت وانكشف أمره، وعندما ذهب أبى للإبلاغ هدده بعض أفراد نقطة الشرطة، وظلوا ينصحوه بأن فعلته هذه ستتسبب فى الفضيحة، حتى عدل عن ذلك».
وأضافت: «بعد شهرين بدأت بوادر الحمل تظهر، وأخبر طبيب الوحدة الصحية والدتى بالحمل، فقمنا برفع قضية إثبات نسب واتهام بالاغتصاب، ولكن القانون لم ينصفنا، وتم تسجيل طفلى باسم والدى، الأمر الذى جعلنا نترك البلد لنعيش أنا وطفلى منبوذين رغم أننا ضحايا لفعلة شخص ندل».
فى هذا الصدد، أوضح المستشار القانونى صاموئيل ثروت، أنه فى حالة إذا كان الطفل نتيجة اعتداء المستأنف ضده عليها وهتك عرضها دون تهديد أو قوة ولم يكن نتيجة زواج صحيح أو فاسد، وإنما نتيجة فعل فى ذاته لا شبهة مطلقا فى أنه زنا، وكونه زنا فى حقيقته لا يثبت به نسب، ومن ثم يكون الحكم المستأنف قد صادف صحيح الواقع والقانون لابتنائه على أسباب سليمة وسائغة تقرها هذه المحكمة وتأخذ بها الأمر الذى تقضى معه هذه المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف لأسبابه وللأسباب التى أنشأتها هذه المحكمة على نحو ما سيرد بالمنطوق، مضيفا أن هذا الحكم لا يعدو ترديدًا لأحكام عديدة تقرر نفس القاعدة التى سنوضح تاليا مخالفتها لبعض الآراء الشرعية باعتبارها ليس مما هو متفق عليه، والدستور والمواثيق الدولية.
وأضاف ثروت، أن قانون العقوبات يحظر الإجهاض، باستثناء فى حال القيام به لإنقاذ حياة المرأة، وبموجب المبادئ العامة لقانون الإجراءات الجنائية، يمكن إجراء الإجهاض لإنقاذ حياة المرأة إلى اضطرنا حامل على أساس الضرورة، وفى عام 1998 صدرت فتوى من دار الإفتاء تنص بالموافقة على جواز إجهاض المغتصبة فى الأشهر الأولى للحمل، وقد أيد الأزهر الشريف الفتوى وعدد من كبار الفقهاء والقانونيين فى مصر، واستنادًا على ذلك قامت وزارة الصحة بإدراج قاعدة ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية من الحمل فى حالات الاغتصاب وتدريب الأطباء على التعامل مع حالات العنف ضد المرأة.
وتابع أن أحكام قانون العقوبات هى كما يلى: «كل من أسقط عمدا امرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد».
«وكل من أسقط عمدا امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلاتها عليها سواء كان برضائها أم لا يعاقب بالحبس».
«المرأة التى رضيت بتعاطى الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها».
«يُعاقب الأطباء والصيادلة والجراحين والقابلات الذين يقومون بعملية الإجهاض بالسجن المشدد»، وفى جميع الأحوال لا عقاب على الشروع فى الإسقاط.
وأشار ثروت، إلى أنه طبقًا لنصوص قانون العقوبات سالف الذكر يمكن أن تواجه المرأة ومن يساعدها عقوبة السجن هذا طبعا بخلاف أن المجتمع يلجأ لوصم الضحية باعتبارها شريكة فى الجريمة، أما الأزمة الحقيقية هى أن القانون يعطى مساحة أكبر لإفلات الجناة أو حصولهم على عقوبات مخففة بسبب صلة قرابتهم بالمجنى عليها.
ولفت المستشار القانونى، إلى أن كافة المحاكم المصرية على اختلاف درجاتها ترفض إثبات نسب الطفل الذى حملت فيه أمه، بسبب واقعة اغتصاب، مستندين فى ذلك إلى أن النسب لا ينشأ إلا بالزواج، سواء كان زواجًا رسميًا أو عرفيًا، موثقا أو غير موثق، بل إن المحاكم تنزل قاعدة أن "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، على وقائع طلب إثبات نسب الأطفال المولودين نتيجة واقعة اغتصاب، وهو أمر شديد الغرابة، ولم يضع له المشرع حلا حتى الآن ولم يجتهد الفقه القضائى فى أن يضع له حلا أيضاً، وهو ما يمكن اعتباره عقابا للضحية ومكافأة للمغتصب، فيساوى المشرع ومنصات القضاء بين الزنا وبين الاغتصاب، الأولى جريمة تنتج بناء على تلاقى إرادة طرفيها بينما الثانية جريمة تقع من طرف على طرف، وبالتالى فإنه من المستغرب أن تسود فكرة المساواة بين الأمرين، وهو ما يمكن اعتباره خروجا على قواعد العدالة ومصلحة الطفل التى هى «أولى بالرعاية» ويشكل تضاربا بين الالتزامات الدولية والنصوص القانونية وبين القواعد الشرعية التى هى بطبيعة الحال فى مرتبة أعلى من النصوص القانونية، ونجد أن المشرع لا يعطى للطفل الحق فى إثبات نسبه إلا «لوالديه الشرعيين»، وهو ما ينتج أمرين: قنبلة موقوتة عبارة عن الأطفال الذين ولدوا نتيجة جرائم اغتصاب، ثم وصمة لضحية تلك الجريمة (الأم) التى لا تستطيع أن تثبت لولدها نسبا فتظل محملة بعبء جريمة هى فى الأساس ضحيتها إلى ما شاء الله.
وأردف أنه بالرغم من وجود آراء فقهية تسمح بنسبة الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب لأبيه إلا أن الفتوى الحديثة على سبيل المثال لدار الإفتاء المصرية ترى: «الشرع الشريف يَتَشوَّف إلى ثبوت النسب بأقرب طريق مهما أمكن ذلك، بشترط قيام الزوجية الصحيحة أو الفاسدة أو وطء الشبهة، أما عند عدم وجود الفراش الصحيح؛ بأن يكون الولد ثمرة زنًا (سواء باغتصاب أم بغيره) فلا يثبت بذلك نسب؛ فماء الزنا هدَرٌ، وفى هذه الحالة يثبت النسب إلى الأم فقط، وعليها إسكانه وحضانته ونفقته وكل أوجه الرعاية التى تستلزمها تربيته، وفى الميراث يحصل التوارث بينه وبين أمه وأقاربها فقط؛ لأنه ولدها يقينًا ومنسوب إليها، وهو مَحْرَمٌ لها ولسائر محارمها»، وهو ما تسايرها فيه المحاكم على اختلاف درجاتها.
نقلا عن العدد الورقي.