في بقعة تشبه المجمع المقدس الذي يجمع الأديان، يقف بناء ضخم، شهدت رقعته حضارة دول، وفيها رنت أجراس الكنيسة وأضاءت شمعة مريم، ومها خرج صوت عذب يؤذن لأداء الصلاة، وسكت الصوت كثيرًا حتى سُمع مرة أخرى في آخر ليالي شهر رمضان، لتنطلق من مئذنته صلاة الفجر بعد 85 سنة.
في العام 532 ميلاديًا بدأ الإمبراطور جستيان بناء كاتدرائية «آيا صوفيا»، واستغرق بناؤها خمسة أعوام، وتعني آيا صوفيا «الكنيسة الكبيرة مكان الحكمة المقدسة»، والتي أطلق عليها الإمبراطور المقدسة «سان صوفيا»، وقال «يا سليمان الحكيم لقد تفوقت عليك» ويقصد بذلك أنه تفوق ببنائه على النبي سليمان الحكيم الذي كان يسخر الجن لبناء الأبنية العظيمة، حيث كلف بها مهندسين معماريين من آسيا لإنشاء كنيسة مختلفة عن الظراز المعماري السائد في ذلك الوقت، واستمرت كنيسة كاتدرائية لمدة 916 عامًا.
استمر المبنى شامخًا لمدة عشر سنوات فقط، حتى تصدع الجزء الشرقي من المبنى نتيجة حدوث هزة أرضية في إسطنبول، وسقط جزء كبير من القبة الضخمة، فأمر جستنيان بإعادة بنائها مرة أخرى بحيث أصبحت أكثر ارتفاعًا من السابقة، وقام بتدعيم الأساسات التي ترسو عليها القبة وهذه هي القبة التي ما زالت قائمة حتى الآن، والتي استطاعت أن تصمد لكافة الأحداث منذ بنائها.
ومع دخول الدين الإسلامي للقسطنطينية عام 1453 ، وكان لا يوجد للمسلمين في المدينة جامع ليصلوا فيه الجمعة التي تلت الفتح، فأمر السلطان بتحويل "آيا صوفيا" إلى جامع، ذلك قام بشرائها بالمال، وأمر كذلك بتغطية رسومات الموزائيك الموجودة بداخلها ولم يأمر بإزالتها، حفاظًا على مشاعر المسيحين، وما زالت الرسومات موجودة بداخلها إلى الآن.
وأقام السلطان محمد الفاتح بأداء أول صلاة فيها وهي ركعتين شكرًا لله على هذا الفتح العظيم، ثم أضاف لها المآذن الأربعةحولها، والتي تعتبر مآذن إسطوانية الشكل ذات قمة مخروطية والتي أضافت إلى هذا المكان وزادته رونقًا وجمالا ولم تؤثر على عمارته البيزنطية، وظلت آيا صوفيا مسجدًا حتى بداية القرن العشرين حيث قام أتاتورك بتحويل المبنى إلى متحف سنة 1934حتى الآن.
ويوجد بالفناء درج يؤدي إلى الطابق العلوي المخصص للسيدات، أضيف لهذا المركز الديني بعد ذلك مجموعة من المباني الدينية الملحقة به، والتي كانت تتصل بطريقة ما بالمبنى الرئيسي، فنجد مجموعة من الكنائس الصغيرة التي تحيط بالمبنى والعديد من الحجرات سواء كانت لرجال الدين أو لخدمة أغراض الصلاة.
وكان الاهتمام موجها نحو تجميل المبنى وزخرفة بدرجة كبيرة من الداخل وقد استغل جستنيان جمع إمكانيات الامبراطورية لزخرفة وتزيين المبنى فجزء كبير من الحوائط مغطى بألواح من الرخام بأنواع والوان متعددة، كما زينت السقوف بنقوش من الفرسكو والفسيفساء، وبالرغم أن معظم المناظر قد غطيت في عصر الدولة العثمانية بطبقات من الجبس ورسم فوقه زخارف هندسية والخط العربي إلا كثيرًا من هذه الطبقات سقطت وظهرت المناظر القديمة أسفلها.
و نظمت جمعية تسمى "شباب الأناضول" فعالية لصلاة الفجر في ساحة المسجد تحت شعار "أحضر سجادتك وتعال"، وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد، في 31 مايو 2014م، وقالت الجمعية إنها جمعت 15 مليون توقيع للمطالبة بإعادة المتحف إلى مسجد، وبرغم أن مستشار رئيس الوزراء صرح أنه لا نية لتغيير الوضع الحالي لـ«آيا صوفيا»، إلا أنه سمع فجر الاثنين صوت الآذان من المتحف المسجد.