تمر اليوم ذكرى ميلاد أحد رجال الثورة الذين فضلوا الاختفاء عن الأنظار عقب نكسة يونيو، زكريا محيي الدين اسم برز في أحداث نكسة يونيو عندما قرر الرئيس جمال عبد الناصر التنحي عن كل مسئولياته تجاه السلطة وترك زمام السلطة له.
عرف عن "محيي الدين" الصمت كسمة رئيسية في شخصيته إلى جانب الهدوء، والدهاء، والقدرة على إخفاء المشاعر، والمناورة أيضا، وهذه الصفات هي التي أهلته لتولي أخطر المسئوليات في سنوات الثورة الأولى، وهي مسئولية تأمين الثورة، ومن هنا كان اختياره وزيرا للداخلية، ومسئولا عن جهاز المخابرات العامة وقبلها إدارة المخابرات الحربية.
اعتذر عن قبول منصب رئيس الجمهورية بدلا من الزعيم وقام بصياغة بيان آخر سجله بصوته على جهاز التسجيل الخاص بخالد، أكبر أبناء الزعيم الراحل، لكن إذاعة هذا البيان تأخرت ساعات طويلة، حتى فجر اليوم التالي، ولم يكن البيان المذاع هو الأصلي، فقد أدخل عليه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل بعض التعديلات.
"محمد هيكل" في شهادته الشخصية عن لحظة التنحي، ذكر أن عبد الناصر أصدر توجيهاته لوزير الإعلام حينها، بعدم صدور أي بيانات لأحد من رجال الدولة دون عرضها على هيكل أولًا، وقد اتصل به محيي الدين معاتبًا من إلقاء تبعة هذا المنصب الخطير أثناء الظرف الدقيق، كما أعد بيانًا يقف فيه مع الجماهير، في رفض وجود بديل لعبد الناصر، وقد رفض زكريا اطلاع هيكل على هذا البيان ظنًا منه أن الأخير قد يُعطل إعلانه، فقام بتوزيعه على الصحف بنفسه.
ربما يثير خروجه من المشهد السياسي عقب النكسة حالة من الفضول جعلت الكثيرين يتساءلون عما يخفيه ليس فحسب بما يملكه من معلومات تتعلق بأدق تفاصيل تجربة الضباط الأحرار، باعتباره أحد أبرز هؤلاء الضباط الذين غيروا ملامح تاريخ مصر الحديث في عام، 1952 وإنما أيضًا بما تضمنه خزانته من أسرار تتعلق بأدق تفاصيل التجربة الناصرية.
شغل العديد من المناصب من بينها نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ووزير داخلية الوحدة ما بين مصر وسوريا، ومدير المخابرات الحربية، ومؤسس جهاز المخابرات المصرية، ومدرس التكتيك العسكري بمدرسة أركان حرب.
على الرغم من دوره في مجلس إدارة الثورة إلا أنه لم ينضم إلى مجلس قيادتها إلا قبل ٣ أشهر من اندلاع ثورة يوليو ١٩٥٢، لكنه شارك في تنظيمها، وكان على صلة وثيقة بكل أعضائها، وقد صرح في إحدى المرات بأن جمال عبدالناصر كان المسئول عن تقسيم مهام أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأن أنور السادات لم يقم بدوره في قطع الاتصالات التليفونية بين قيادات الجيش والقصر الملكى.
لم يعلن زكريا محيى الدين عن رأيه في الأحداث التي مرت بها مصر، أو يبدى فيها رأيا، حتى ثورة ٢٥ يناير، بل ظل على صمته، والجلوس في فيلته المجاورة لفيلا حسين الشافعى، عضو مجلس قيادة الثورة، نائب الرئيس جمال عبد الناصر حتى شهر يناير ١٩٧١، وكانا - بحسب د.محمود القيسونى، نجل الدكتور عبد المنعم القيسونى وزير الاقتصاد الأسبق- يحرصان على التريض سويًا وممارسة رياضة المشى في نادي الصيد.
بدأ البكباشى زكريا محيى الدين حياته المهنية في كتيبة بنادق بالإسكندرية، عام ١٩٣٨، وانتقل منها إلى "منقباد"، التي تعرف فيها على الرئيس جمال عبد الناصر، ثم سافرا سويا مع باقى أفراد الجيش المصرى إلى السودان، ثم فلسطين، التي كان له فيها شأن كبير، حيث شارك فيها بصفته أركان حرب، وكان همزة الوصل، هو وصلاح سالم، ما بين القوات المصرية، وقوات الجيش المحاصرة في الفالوجا، وكانا يوصلان الطعام والرسائل إليهم.
لعبت الأقدار دورا مهما في اللقاء الثاني الذي جمعه والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إذ سرعان ما التقى الاثنان مجددًا في السودان، فيما كان ثالثهما عبد الحكيم عامر، لتلعب الأقدار دورها مرة أخرى ويلتقي الثلاثة مجددًا في فلسطين، بعد تخرج محيي الدين في كلية أركان الحرب عام،1948 وسفره بعدها ضمن الكتائب المصرية التي سافرت إلى فلسطين لقتال العصابات الصهيونية، وقد أبلت كتيبته بلاءً حسنًا في المجدل وعراق سويدان والفالوجة ودير سنيد وبيت جبريل.
وجدير بالذكر أن زكريا من مواليد محافظة القليوبية عام 1918، تلقى تعليمه الأولى في أحد كتاتيب القرية شأنه في ذلك شأن مجايليه من أبناء الأسر الميسورة، ليواصل فيما بعد تعليمه الأساسي ويلتحق بالمدرسة الحربية في 6 أكتوبر 1936 وتخرج فيها برتبة ملازم ثان عام 1938 ليلتحق بالعمل ضابطًا في كتيبة بنادق المشاة في مدينة الإسكندرية.