أكد الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة أطباء مصر، على أن المنظومة الصحية في مصر سيئة منذ عشرات السنيين، وأنه لابد من وجود رغبة سياسية وشعبية وحكومية لإصلاحها، ومع ذلك يجب زيادة موازنة الصحة لتوفير خدمة آدمية للمريض المصري، وحل مشاكل الأطباء الذين يقوم عليهم العمل الطبي في مصر، تفاصيل أخرى في حواره لـ"أهل مصر" في السطور التالية.
>> كيف تقرأ حال المنظومة الصحية فى مصر الآن؟
- للأسف المنظومة الصحية فى مصر مازالت سيئة، وذلك منذ عشرات السنين، وللأسف فهي تنحدر لمستويات أقل كل سنة نتيجة لعدة عوامل، فلابد من وجود الرغبة والإرادة السياسية والحكومية والشعبية لتطوير المنظومة الصحية بشكل عام.. كما لابد من الاقتناع بأن العلاج حق للمريض وليس منحة أو سلعة تباع وتشترى في القطاع الحكومي والمسئول عنه الحكومة التي يجب أن توفره للشعب كحق دستوري، فعندما تسأل المريض في الشارع عن رأيه في المنظومة الصحية يبادر قائلا "اللى داخل مستشفى الحكومة مفقود واللى خارج منها مولود"، "ده أنا بروح مستشفى الحكومة بيقولولى اشترى كل حاجة على حسابي"، و"محدش بيسأل فيا" وهكذا، وكل ما يقوله المريض حقيقة، لذلك لابد من تشخيص المشكلة ليسهل حلها.
>> إذن نريد منك تشخيص المشكلة بشكل كامل؟
- يوجد في مصر ضعف في الإنفاق، وبالتالى لابد من زيادة الإنفاق على القطاع الصحى الحكومى, وإعداد خطة ذات جدول زمنى لتطوير القطاع خلال 5 سنوات مقبلة، ومرتبطة بحجم الانفاق الفعلي, وزيادة فرص الدراسات العليا للأطباء, وإيجاد برامج تدريب وتعليم طبى مستمر لكل أعضاء الفريق الطبى, وتحسين الأجور بشكل عادل، على أن ترتبط بالتفرغ الكامل للعمل الحكومي ... وبدون كل ذلك لن تستطع الدولة تطوير المنظومة الصحية، فما يحدث خلال السنوات الماضية هو مجرد "ترقيع" وليس تطوير.
>> ما تعقيبك على تحميل وزارة الصحة للأطباء القصور في الخدمة الصحية؟
- تواجه وزارة الصحة القصور في المنظومة بإقالة المديرين ونقل الأطباء لتهدئة الرأي العام، وفي الحقيقة هذا ليس أسلوب إصلاح، وأستنكر أن يزور مسئول مستشفى فجأة مساء مثلا ثم يعلن وجود إهمال بسبب أن الأطباء غير موجودين وأنه وجد المرضى موجودين على الأرض، أو أن المريض لم يأخذ العلاج، ثم يقرر المسئول نقل مدير المستشفى بدلا من حل المشكلة من جذورها، فهذا المسئول بطريقته لا يريد حل المشكلة لانه يعلم بوجود هذه المشاكل وهو في مكتبه، وأنها تحدث يوميا بسبب فساد المنظومة الصحية كلها.
>> فيم يتمثل فساد المنظومة الصحية أيضا؟
- يتمثل الفساد في إهدار المال العام داخل المنظومة، فلا فائدة من زيادة الموازنات في ظل استمرار الفساد بها، لأن تلك الأموال سوف تذهب في جيوب الفاسدين.
>> ما اقتراحك للتطوير؟
- أقترح خطة إصلاح حقيقية ذات جدول زمنى، وإصلاح أجور حقيقى للأطباء والتمريض وبقية الفريق الطبى فى المستشفيات، فلا يصح أن أعطي طبيب أجر لا يكفيه، وأتوقع أن يعمل 24 ساعة بالمستشفى، فلابد وأن يترك المستشفى للعمل في مكان ثاني وثالث لتوفير احتياجاته، فنحن لا نساند الإهمال، ونقف ضده، لكن من أجبر الطبيب على ذلك؟
>> فى منطق الحكومة أن الموظف عند تعيينه وقع على عقد يحتوي على أجره، وقبوله به هو رضا منه، وليس من حقه الاعتراض عليه لاحقا.. ما تعقيبك؟
- هذا الكلام صحيح، ولكن هذا عقد إذعان، فوظيفة الطبيب من الوظائف التى تدرجها الدولة في حساباتها قبل تخرجه، وليس لأنه على رأسه ريشة، وإنما لأن له مكان ناقص فى الوحدات الصحية الريفية، وأماكن الرعاية الطبية، فحتى الآن يوجد عجز فى أعداد الأطباء الموجودين فى الوحدات الصحية الريفية، فهناك 500 وحدة صحية مغلقة بسبب عدم وجود أطباء، وبالتالي لا يصح للحكومة أن تطلب منه العمل بها بالراتب الذي أجبرته عليه، مما يضطره للبحث عن عمل آخر، لأن في الحقيقة جملة أن "الطب إنسانية" غير منصف لأنه يجب معاملة الطبيب معاملة إنسانية ومنحه أجر كافي، فهو لن يسدد ديونه للسوبر ماركت بالإنسانية، ولن يوفر احتياجات زوجته وأولاده بالإنسانية، فالرقابة ضرورية على الخدمة ولكن ذلك بعد وضع الخطة والإنفاق.
>> حضرتك ضد معاقبة المدير بالنقل في حالة الخطأ.. فالمنطق يقول إن المدير هو المسئول عن أى خطأ أو مشاكل فى الإدارة، وبالتالى يتم نقل المدير وليس بصفته طبيبا، وكان سيحدث ذلك في حال كونه صيدلي أو تمريض أو غيره.. ما تعقيبك؟
- اعتراضى ليس على كونه طبيبا، وأنا لست ضد نقل المدير أو عزل الفاسدين أو الفاشلين، ولكن مثلا مستشفى لم تحصل على ميزانية كافية، وبها جهاز للأشعة المقطعية معطل منذ عام لعدم وجود أموال للصيانة، فلماذا يكون العقاب بنقل المدير، ولكن في حالة وجود الأموال للصيانة وتقاعسه عن إصلاح الأجهزة فهو فاسد ويستحق النقل، ويوجد نصف المديرين فاشلين، لذلك لابد من عمل تقييم موضوعي للآداء الأمثل للمديرين بالمستشفيات طبقا للامكانيات المتاحة.
>> ما فائدة هذا التقييم لمديري المستشفيات؟
- هو مهم جدا، خاصة في ظل إعلان الحكومة عن ضعف الإمكانيات المتاحة، مما يعني عدم إصلاح المنظومة الصحية إلا بعد تحسن الإمكانيات، ولكن يمكننا تحقيق نتيجة أفضل بالاستغلال الأمثل للإمكانيات المتاحة، حيث لا يوجد استغلال جيد لها، وهذه هي مشكلة الإدارة.
>> وزير الصحة الدكتور أحمد عماد اعترف في تصريحات سابقة أن هناك سوء إدارة بالفعل داخل المنظومة الصحية فى مصر؟
- طبعا مؤكد أن هناك سوء إدارة، ولدينا الإمكانيات ضعيفة ونحتاج لمضاعفتها، والوضع الحالي أننا لا نحقق الاستغلال الأمثل للمتاح منها.
>> هل تؤيد تولي غير الأطباء مناصب قيادية بالصحة؟
- لا.. أرفض ذلك.
>> لكن نقابات أخرى مثل الصيادلة والتمريض يطالبون بتولي المناصب الإدارية العليا بوزارة الصحة؟
- فى الحقيقة لم أرفض بسبب كوني طبيبا، أو لأنني مدافعا عن الأطباء، ولكن ذلك لصالح المنظومة الصحية نفسها, فالمدير لابد أن يكون ملما بأساسيات فى مجال الطب، لكي يكون قادرا على إدارة المنشأة الطبية، ومنها الطوارئ ومكافحة العدوى, فهذه أمور لا يدرسها سوى فئتين فقط، وهما الأطباء البشريين وأطباء الأسنان، إلا أن الفئة الأأخيرة غير مدرجة فى المصرح لهم بتولى المناصب القيادية، ولكن من الناحية المهنية البحتة أطباء الأسنان مؤهلين من ناحية الدراسة أ يتولوا مناصب قيادية مثلهم مثل البشريين، أما الفئات الأخرى لديهم طبيعة مختلفة في الدراسة والعمل، وبالتالى سوف يجدون صعوبة شديدة فى إدارة المنشأة الطبية.
>> ليس بالضرورة أن يتولى الصيدلي أو الممرض مديرا للمستشفى ولكن قد يكون نائبا أو وكيلا للمدير، أو مديرا لإدارة صحية أو مديرا لمكافحة العدوى وغيرها؟
- أؤيدك في تولي غير الأطباء إدارات منها مكافحة العدوى والجودة والصيدلة وغيرها من الإدارات غير صاحبة اتخاذ القرار الذي من شأنه التأثير في المنظومة الصحية أو تغيير منظومة العمل نفسها.
>> تطرقت لموضوع الـ500 وحدة صحية المغلقة فى مصر.. لماذا هي مغلقة، وأين توجد؟
- لأنه لا يوجد محفزات حقيقية للأطباء حتى الآن لكي يعملوا في تلك الوحدات الصحية، وهي موجودة في أصعب المناطق والوصول إليها صعب للغاية، ومنها بعض المناطق الجبلية مثل سوهاج وتحديدا منطقة جهينة, وبعض الأماكن فى منطقة قنا, وبعض المناطق فى البحر الأحمر وأسوان، وهذه الوحدات الخالية كانت موجودة تبع المناطق النائية، وكان الأطباء العاملين بها يحصلون على حافز إضافى نظرا لوجودهم فى هذه المناطق، ولكن الحكومة ألغتها في القانون 14 لسنة 2014 والخاص بالحوافز.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
