يبدو أن صراع النفوذ بين السعودية وإيران أصبح أكثر دموية حيث تأججت الأوضاع ما بين الطرفين على خلفية عدد من الأزمات المتتالية، في الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام إلى مسئولية الشيعة عن أحداث تفجيرات الحرم المكي بالأمس التي أدت إلى سقوط ضحايا ومصابين.
ومنذ العام الماضي وقعت مشادات عنيفة بين إيران والسعودية على خلفية شعائر الحج عندما تسبب تدافع الحجاج عند مشعر منى قرب مكة في مقتل نحو 2300 شخص، بينهم 450 إيرانيًا، تبع ذلك قيام العشرات من المتظاهرين الغاضبين في طهران باقتحام وإحراق مبنى السفارة السعودية في طهران على خلفية إعدام الأخيرة لرجل الدين الشيعي نمر النمر، ما دفع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران.
الاتهامات الإيرانية للسعودية هذا العام قابلها وزير الخارجية السعودية علي الجبير بتصريح اتهم فيه طهران بفرض "شروط من شأنها التسبب "بفوضى خلال موسم الحج"، وذلك خلال اجتماعات التنسيق التي تقام بين البلدين كل عام قبيل موسم الحج، ومن ثم خرجت إيران تتهم الرياض بوضع "القيود والعراقيل" في أن الإيرانيين لا يمكنهم أداء فريضة الحج هذا العام بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع السعودية بعد عام على التدافع الذي أودى بآلاف الحجاج.
وقال وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني علي جنتي بأن "الظروف الحالية" غير مهيأة وأن "الأوان قد فات الآن" ليؤدي الإيرانيون مناسك الحج هذه السنة في مكة.
لم يتوقف الصراع عن حد موسم الحج فقط بل شمل موقف البلدين من عدد من الصراعات بالمنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالحرب في سوريا واليمن، فالسعودية تقود تحالفًا عسكريًا عربيًا ينفذ ضربات جوية ضد جماعة الحوثي الشيعية، التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء بقوة السلاح منذ أكثر من عام، وتحظى بتأييد إيراني سياسي يُقال إنه يمتد إلى دعم لوجستي أيضًا.
أما في سوريا، تقوم الرياض بدعم بعض جماعات المعارضة السورية بالسلاح والمال والمواقف السياسية، بينما تقف إيران دون أي غموض إلى جانب النظام السوري، بل وقامت بإرسال قوات وضباط عسكريين من الحرس الجمهوري (فيلق القدس) للقتال ضد فصائل المعارضة إلى جانب قوات النظام.
واتجهت السعودية مؤخرا أكثر فأكثر إلى ساسية "الحزم" مع إيران ولجأت إلى استخدام قواتها المسلحة وقوات حليفاتها لمواجهة حلفاء إيران في البحرين وفي اليمن وفي سوريا، وهي تواجه حلفاء إيران في لبنان وفي العراق سياسيا وإعلاميا، إلا أن تدخلها العسكري في اليمن لم يفض إلى نتائج حاسمة بعد مرور عام، ما يضاعف من خطر انجرارها إلى حرب استنزاف طويلة وخاسرة.
كما أن تدخلها العسكري في البحرين لم يضع حدا للاحتجاجات وللاحتقان الاجتماعي ولا للمشكلة الجوهرية القائمة وامتداداتها الإقليمية، ما يشير إلى أن الاضطرابات الداخلية الطائفية مرشحة للتصعيد في أكثر من بلد بما في ذلك السعودية ذاتها.
وفي شهر يناير الماضي تجدد الصراع مرة أخري بعد تنفيذ حكم الإعدام على رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر، والاعتداء الإيراني على السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومدينة مشهد الإيرانية، قررت الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسييها، هذا القرار الذي توقعه مراقبون في أعقاب تصعيد المسؤولين الإيرانيين للغة التهديد والوعيد، وقبله عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة العربية السعودية، ضد مليشيا الحوثيين التي انقلبت على السلطة في اليمن، بدعم إيراني معلن، وضع العلاقة بين البلدين، المتنافسين تاريخيًا، على المحك.
وفي عام 2011 دعمت إيران الاحتجاجات الشعبية التي قام بها شيعة البحرين في وجه نظام الحكم السني، إلا أن السعودية ودول الخليج شعرت بالخطر الشديد مما يجري في البحرين، فدعمت البحرين في مواجهة الاحتجاجات هناك، وعندما عجزت القوات البحرينية، تدخلت قوات درع الجزيرة، التي تشكل القوات السعودية القسم الأكبر منها، عبر التدخل البري.
وفي العام نفسه قامت السعودية بدعم الحراك الثوري السوري ضد نظام الأسد الحليف لإيران بالمال والسلاح، وقامت إيران من جانبها بدعم نظام الأسد بالذخيرة والسلاح والمقاتلين، ليتصارع البلدان على النفوذ في سوريا.
أما عام 1989 اتهمت السعودية إيران بالتنسيق لإحداث تفجيرات في المملكة، حيث تم تفجير جسر قريب من المسجد الحرام، وأحبطت السلطات محاولة أخرى لتفجير نفق المعيصم المخصص للمشاة في مكة؛ قامت السعودية على إثر ذلك بطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من المملكة وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها.
حرب أخرى اندلعت بين السعودية وإيران في لبنان أثناء الحرب الأهلية؛ إذ عمدت السعودية إلى دعم التيار السني، وأحيانًا المسيحي، في وجه وجود إيران في لبنان، الذي تمثل بدعم إيران للطيف الشيعي في الحرب من خلال حركة أمل وحزب الله، واستمرت السعودية في دعم رفيق الحريري كحليف استراتيجي في وجه حزب الله الشيعي المدعوم إيرانيًا في لبنان.
أما في عام 1987 شهد موسم الحج مقتل وإصابة أكثر من 1100 شخص من الحجاج والمقيمين في مكة المكرمة، وقالت السلطات السعودية إنها اكتشفت كميات كبيرة من المتفجرات داخل حقائب الحجاج الإيرانيين، وبعد التحقق وجد أنهم كانوا ينوون تفجير بعض المقدسات الدينية، وسعوا بعد انكشاف أمر بعضهم إلى إغلاق بعض الممرات وطرق الحج، وقاموا بإطلاق غازات خانقة، وتنظيم مسيرات تهتف للخميني وثورته في إيران، وتعاملت السلطات السعودية مع الأمر بقوة وحزم، ما نجم عنه سقوط قتلى من الإيرانيين، فقام الحرس الثوري بالاستيلاء على السفارة السعودية في طهران، وأدى ذلك إلى مقتل دبلوماسي سعودي في السفارة.
أما عام 1982 بدات حرب الناقلات ضمن مجريات الحرب الإيرانية العراقية، فقد سعى العراق إلى ضرب ناقلات النفط الإيرانية؛ لإجبارها على وقف إطلاق النار، ما دفع إيران للرد على مهاجمة سفنها، وقامت القوى الجوية العراقية بغارات على جزيرة خرج الإيرانية في عام 1984 التي يصدر منها نحو 1.6 مليون برميل نفط يوميًا، كما قامت الطائرات العراقية بضرب 7 سفن بالقرب من خرج، وكرد فعل إيراني هاجمت طهران ناقلة نفط سعودية وناقلة نفط كويتية قرب البحرين، مما دفع السعودية للقيام بتسيير دوريات جوية وحددت منطقة اعتراض جوي، تلا ذلك اشتباك جوي سعودي إيراني، وأسقطت السعودية طائرة إيرانية فوق الخليج بعد أن اخترقت الطائرات الإيرانية الأجواء السعودية، وبعد يومين من الحادثة فُجِّرت قُنبلة في مبنى السفارة السعودية في بيروت، وهو ما اعتبر رد فعل إيراني على إسقاط الطائرة من قبل السعودية.
وفي عام 1981 أُعلن رسميًا إنشاء مجلس التعاون الخليجي، الذي ضم كلًا من السعودية والكويت والبحرين والإمارات وقطر وسلطنة عمان، وكانت السعودية تستهدف من وراء تأسيس المجلس إقامة سد دفاعي في مواجهة نفوذ الثورة الإسلامية الإيرانية في المنطقة، ثم في عام 1982 أعلن تشكيل قوات درع الجزيرة المشتركة، هي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي بهدف حماية أمن الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي وردع أي عدوان عسكري.
وفي عام 1979 شعرت السعودية، ومعها دول الخليج، بالخطر الإيراني وفي خضم أحداث الثورة الإيرانية، بادر السعوديون الشيعة في القطيف إلى الخروج بمظاهرات ضد نظام الحكم في السعودية، وغلب على تلك المظاهرات الطابع الديني الشيعي، في دعوة صريحة لنقل تجربة الثورة الإيرانية إلى السعودية، ما دعاها للرد بحزم على تلك المظاهرات، وتلا ذلك اشتباكات بينهم وبين الحرس الوطني، استمرت الاحتجاجات أربعة أيام فقط، وتعاملت معها السلطات السعودية بحزم وشدة منعًا لتفاقم الأمر.
وأعلنت إيران أن تصدير الثورة الإيرانية على رأس أولويات السلطة هناك، ووجدت دول الخليج في العراق في عهد صدام حسين حليفًا يمكن دعمه في مواجهة إيران، ولم تنتظر السعودية كثيرًا، فمع نهاية عام 1980 بدأت الحرب العراقية الإيرانية بدعم سخي من السعودية، وقد ذكرت صحيفة الرأي العام الكويتية أن السعودية قدمت مساعدات عاجلة للعراق بلغت قرابة 6 مليارات دولار، وأكثر من 100 دبابة نقلت على شاحنات إلى العراق عبر الكويت، وأرسلت شركة أرامكو السعودية فرقًا متخصصة لمساعدة العراقيين على إصلاح آبار النفط المتضررة نتيجة القصف الإيراني، فضلًا عن مساعدات أخرى غذائية ودوائية.
ويعود تواجد الشيعة في المملكة إلى أصول وجذور عربية ويعود تاريخ وجودهم في شرق الجزيرة العربية إلى آواخر القرن الثالث الهجري، حين أقام القرامطة (وهم من الشيعة الإسماعيلية) في هذه المنطقة دولتهم، ومنذ ذلك التاريخ وحتى تأسيس الدولة السعودية الحديثة، مثلت هذه المنطقة مركزًا شيعيًا روحيًا مهمًا، فكانت القطيف تسمى "النجف الصغرى" لكثرة الحوزات العلمية فيها، ولهم مساجد كثيرة في المنطقة الشرقية منها (الزهراء، عمار بن ياسر، مسجد الإمام الحسين بصفوي، مسجد الإمام علي، القلعة، العباس، الإمام الحسن في القطيف.