حادثة احتلال الكعبة 1979 المخطط الكامل من ورائها وكيف حدثت
جهيمان العتيبى، اسم يتردد كثيرًا من بين الأشقياء.. هذا الرجل الذى قام باحتلال المسجد الحرام ومنع الصلاة فيه لمدة 3 أيام وأدعى أنه المهدى المنتظر، وتسبب فى قتل الكثير من المصلين الآمنين قبل أن يُقتل هو نفسه لتنتهى بهذا كذبته أنه المهدى، والذى صدقه الكثيرون.. فكلنا نعرف أن المهدى عليه السلام لن يقتل، وسيعيش كثيرًا ليموت ميتةً طبيعيةً بعد أن يساهم فى انتصارات المسلمين الكثيرة فى آخر الزمان.
فى فجر يوم الثلاثاء الأول من العام والقرن الهجرى الجديد 1400 للهجرة، الموافق للعشرين من نوفمبر 1979م، فى المسجد الحرام بمكة، تم إدخال الأسلحة بالحيلة للحرم المكي؛ فقبل الفجر تم إدخال شاحنتين (وايت)، الأولى تحوى تمرًا وماء، والأخرى ذخيرة، وذلك عن طريق منافذ لدخول الشاحنات (الوايات)، إلى مكان مخصص فى الحرم؛ لتعبئة المياه. أما بقية الأسلحة الخفيفة، فقد تم وضعها فى نعوش على أنها جثامين سيتم الصلاة عليها بعد الصلاة، وتم إدخال هذه النعوش الوهمية، من أبواب متعددة؛ بهدف توزيع الأسلحة.
كان المنظر طبيعيًا؛ فالمصلون اعتادوا رؤية النعوش كل صباح للصلاة على الموتى بعد الفراغ من صلاة الفجر، وسائر الصلوات المكتوبة. ساعد المصلون فى حمل النعوش ابتغاء فى الثواب، وهم لا يعرفون أنهم يحملون أسلحه فى داخل النعوش، أُعدّتْ لاحتلال الحرم المكى الشريف. وكان قد شارك فى تلك الحادثة الإجرامية، أكثر من200 فرد من الزمرة الضالة من جماعة جهيمان الزائغة عن الحق.
رفع المؤذن الشيخ عبد الحفيظ خوج، أذان الفجر فى المسجد الحرام كعادته كل صباح، وسط تجمع كبير من المسلمين الذين كان البعض منهم يؤدى مناسك العمرة، متنقلًا ما بين الكعبة المشرفة، وفى المواقع المخصصة للسعى ما بين الصفا والمروة، وكان آخرون يروُون ظمأهم من ماء زمزم؛ إما لغرض الصيام أو غيره، فيما كان الطابق الأول من المسجد الحرام ممتلئًا بالمصلين، الذين كان عددهم يزيد على 60 ألف شخص، غالبيتهم من الحجاج الذين قضوا مناسكهم، وبقوا بجوار بيت الله الحرام، قبل أسبوعين من الحدث.
وبعد أقل من ثلث الساعة من الأذان أعلن الشيخ خوج وبصوت جهورى إقامة الصلاة حيث تقدم الشيخ محمد بن عبد الله السبيل، ليؤم المصلين الذين وحدوا صفوفهم باتجاه الكعبة؛ استعدادًا للصلاة، لكن بعد أن فرغ الشيخ السبيل من الصلاة- التى قرأ فى ركعتيها الأولى والثانية ما تيسر من سورة “التوبة”- حدث ما لم يكن فى الحسبان، فقد ارتفعت الأصوات بعد تدافع أعداد كبيرة من الناس فى كافة أنحاء المسجد الحرام، حتى تمكن أحدهم من الاستيلاء على “المايكروفون” المخصص للإمام، ثم أخذوا بعضَ المصلين رهائن وتحصَّن بعضُ قناصةٍ منهم فى مآذن الحرم لتتم السيطرة الكاملة على الحرم.
كانت جماعة جهيمان يتوقعون أن من بداخل الحرم من مصلين ومعتمرين سيُقبِلون على مبايعة المهدى المزعوم باقتناع، ولكن المفاجأة هى محاولة المصلين والمعتمرين الخروج من المسجد الحرام ؛ أى تبدد الوهم الكبير الذى زرعه جهيمان.
يروى أن “محمد بن عبد الله” بدأ يوضح لمن معه أنه لا يجد فى نفسه أنه المهدى المنتظر.. أو أن ما تم إقناعه به غير صحيح، ولا يمكن أن يحدث عند مبايعة المهدى مثل هذا الهرج والمرج والشغب.
وتمكن إمام الحرم الشيخ السبيّل بعد أن ألقى المشلح، من الخروج من الحرم والإبلاغ عما يحدث، فتمت بعد ذلك محاصرة الحرم المكى بعد أن تم قفل أبوابه من قِبَل جماعة جهيمان، واستولى 200 مسلح - مصادر أخرى تقول كان عددهم 500 مسلح -على الحرم المكى الشريف. لقد كان هؤلاء الضُّلاّل يتوقعون أن يأتى الناس إليهم من خارج الحرم مؤيدين مبايعين، ولكن الحرم حوصر من قبل الجيش السعودى الباسل، وقوى الأمن اليَقِظَة، فاعتقد أتباع جهيمان أن الجيش يحول بين دخول الناس لمبايعة المهدي؛ فانطلقت الشرارة الأولى من مآذن الحرم لتبدأ مواجهة عسكرية، فيما انطلق جهيمان مصطحبًا معه”محمد بن عبدالله” إلى أقبية الحرم ؛ لإدارة العمليات. ظلت جماعة (جهيمان العتيبى) الضالة الخارجة مسيطرة على المسجد الحرام، مدة نصف شهر تقريبًا، إلى أن تيسّر للحكومة السعودية حسم هذا الوضع الخطير، بعد خططٍ أحكمتها
قضاء الملك خالد-رحمه الله- على الفتنة التى قامت بالمسجد الحرام:
بعد أن أقدم أولئك المجرمون على فعلتهم النكراء الشنعاء، فى فجر الثلاثاء غرة المحرم 1400هـ 1980م، واعتدوا على الحرم المكى الشريف، وروعوا الآمنين، وسفكوا الدم الحرام؛ ما هى إلا ساعات حتى استطاعت قوات الأمن السعودية والحرس الوطنى، من تطويق الحرم ومحاولة السيطرة على الوضع القائم، وصدر أول بيان من وزارة الداخلية صرح به الأمير نايف بن عبد العزيز-حفظه الله-، لوكالة الأنباء السعودية (واس) جاء فيه: (اغتنمتْ زمرةٌ من الخارجين عن الدين الإسلامى صلاة فجر الثلاثاء 1 1 1400هـ، الموافق 20 11 1979م، وتسللت إلى المسجد الحرام ومعهم بعض الأسلحة والذخيرة، وقدَّموا أحدهم إلى جموع المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة؛ لأداء صلاة الفجر مدَّعين لهم بأنه المهدى المنتظر، ونادوا المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام للاعتراف به بهذه الصفة، وتحت وطأة السلاح منهم، وقد قامت السلطات المختصة باتخاذ كافة التدابير للسيطرة على الموقف، وبناءً على فتوى من العلماء جميعًا؛ اتخذت الإجراءات لحماية أرواح المسلمين المتواجدين بالمسجد الحرام.. )
وبالفعل استطاعت القوات السعودية أن تبسط سيطرتها التامة على الموقف داخل الحرم، وعالجت الموضوع بحكمة بالغة؛ حسب توجيهات الملك خالد؛ الذى شدد على ثلاثة أمور: الحرص على حياة الرهائن الأبرياء الذين تم احتجازهم من قبل الطغاة، وعدم إراقة الدماء فى الحرم المكى الشريف.
الحرص على إلقاء القبض على أكبر عدد من المارقين أحياء؛ للتعرّف على مخططاتهم، والقوى الكامنة وراءهم، وعدم الدخول فى معارك؛ حفاظًا على أرواح القوات السعودية.
واستطاعت القوات السعودية القبض على معظم أفراد المجموعة المارقة الضالة،، وإحكام السيطرة على جميع أرجاء المسجد الحرام، بتوجيهات من الملك خالد، ومتابعة من ولى العهد صاحب السمو الأمير فهد، ومعاونة أصحاب السمو الأمراء الأمير سلطان وزير الدفاع، والأمير نايف وزير الداخلية، والأمير فواز أمير مكة. وقد سارع الملوك والرؤساء فى العالمين العربى والإسلامى، إلى إدانة هذا الحادث الأثيم، وأبدوا تأييدهم التام لحكومة الملك خالد –رحمه الله-.
وباشرت الدولة مسؤولياتها تجاه انتهاك حرمة المسجد الحرام، والعبث بأمنه، وطمأنينته منطلقة فى ذلك من تأييد أصحاب الفضيلة العلماء، وأصحاب الرأى فى المملكة. وقد تم تطهير المسجد الحرام فى خلال أيام من هذه الفئة، ونقل التليفزيون السعودى صورة حية للحرم، وعدد من المواطنين يطوفون حول الكعبة، ونقلت الصورة عبر الأقمار الصناعية إلى عدد من شبكات التلفاز العالمية، ولم يتبق من الفتنة الباغية غير عدد قليل مختبئ فى سراديب الحرم.
وترأس الملك خالد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لبحث موضوع الاعتداء على الحرم، وأكد فى الجلسة على أن جميع الإجراءات التى تم اتخاذها، كانت بناء على الفتوى الشرعية الصادرة من أصحاب الفضيلة العلماء، وأوضح أن الحرص على المحافظة على بيت الله الحرام وأرواح المصلين الأبرياء، كانا الهدف الأساسى الذى وضعته الحكومة نصب عينيها طيلة الوقت.
وبيّن الملك أنه قد تم تطويق الفتنة، وتطهير المسجد الحرام، ولم تبق إلا مجموعة تختبئ فى بعض أقبية الجزء السفلى من المسجد الحرام، وأن القوات المختصة تحُكم الحصارَ حولهم؛ تمهيدا للقبض عليهم أحياءً ؛ حتى ينالوا جزاء جرائمهم الشنعاء، وأن يتسنى للمصلين أن يمارسوا شعائرهم فى أمان وطمأنينة، فى رحاب البيت العتيق وقد أوضح الملك: أن ما قامت به هذه الفئة كان نتيجة التطرف والغلو الذى وصل إلى الانحراف عن جادة الدين الحنيف.
وفى 15 1 1400هـ، الموافق 4 12 1979م، صدر البيان الثانى لصاحب السمو الأمير نايف وزير الداخلية بانتهاء الفتنة وورد البيان كما يلي: (إنه قد تم بعون الله وتوفيقه، فى الساعة الواحدة والنصف من صباح هذا اليوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر محرم عام 1400هـ، تطهير قبو المسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين الإسلامي؛ ممن كانوا فى قبو المسجد الحرام؛ حيث أُسر بعضهم، وقُتل البعض الآخر.