في الحلقة الحالية، يتحدث الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية وأمين عام مجلس أمنها الوطني سابقاً، وسفير الرياض الأشهر والأطول مدة زمنية لدى واشنطن، عن سبب شراء السعودية للصواريخ الصينية، وعن تدريب الطيارين المصريين على الأراضي السعودية استعداداً لحرب 1973 باستخدام طائرات بريطانية.
كانت العلاقات بين السعودية ومصر مقطوعة منذ عام 1979 ، وتحديداً بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية السلام وزيارته لإسرائيل، ومنذ تولى الملك فهد مقاليد الحكم، كان يفكر بإعادتها وينتظر الوقت المناسب.
قبل أن يرسل الأمير بندر إلى الصين، طُلب منه التوجه إلى القاهرة لمقابلة الرئيس حسني مبارك، وذهب الأمير إلى مطار عسكري في القاهرة، ثم إلى بيت يسكنه الرئيس السابق مبارك حيث تم ترتيب الزيارة عبر مستشار الرئيس الدبلوماسي أسامة الباز.
يقول الأمير بندر: "حين التقيت حسني مبارك، قال لي أريد إرسال أسامة الباز لرؤية الملك فهد، وقلت له على الرحب والسعة، وفي الحقيقة أن السعودية هي من بدأت مبادرة إعادة العلاقات مع مصر، الملك فهد أوصل خبراً بشكل غير مباشر للأشقاء في مصر ولقي تجاوباً، وقال سأرسل لكم شخصاً (يقصد الأمير بندر) من عندي يتحدث معكم وأنتم تعرفونه".
وقال:"أنا أعرف الرئيس حسني مبارك منذ عام 1972 م عندما كان قائدا للقوات الجوية المصرية، وكنا ندرب الضباط المصريين في السعودية سرياً قبل حرب 1973 م على طائرات "اللايتننج"،و نجعلهم يلبسون الزي العسكري السعودي، ولم تكن بريطانيا تعلم، أن السعودية تدرب الطيارين المصريين على تلك الطائرات كجزء من دعم الرياض للقاهرة في استعدادها لحرب أكتوبر 1973 م.
ويكمل الأمير القصة وفي إحدى التدريبات، كان هناك عواصف ضبابية على مطار الظهران، فتم تحويل الطائرات إلى البحرين وإذ باتصال يأتي من البحرين للقاعدة الجوية في الظهران وكنت أنا الضابط المناوب، وفي الاتصال من البحرين قيل إن هناك طائرة سعودية مخطوفة، حينها تذكرت أيضاً أن من بين الذين تدربوا استعداداً لحرب 73 المرحوم عاطف السادات، وهو شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، وعاطف استشهد في الأوائل الأولى لهذه الحرب".
ويكمل الأمير القصة:"قالوا لنا في البحرين إن الطائرة على متنها مصري وبريطاني وكاد الموضوع أن ينكشف وقلت له: لا أرجوك هذا ضابط سعودي، والده تربى في مصر وأخذ عنه اللهجة المصرية، تفهم البحريني الموقف، وذهبت بنفسي وأخذت المتدرب المصري والمدرب البريطاني وطلبنا طاقماً فنياً لتجهيز الطائرة وإعادتها للسعودية".
ويكمل الأمير العلاقة مع حسني مبارك وكيف بدأت: "هذه واحدة من القصص، أثناء تدريب الضباط المصريين، كان حسني مبارك يأتينا في مدينة الظهران شرقي السعودية كل 3 أشهر للاطمئنان ومتابعة تدريب الطيارين المصريين.
الهجوم على إيلات
وفي مرة أو مرتين جاءنا وزير الدفاع المصري الفريق محمد صادق، للاطمئنان على فريقهم، وكانت الفكرة أن نأخذ طائرات اللايتننغ ذات السرعة والمقدرة الاعتراضية إلى القاهرة، ويعمل الضباط المصريون الذين دربناهم على استخدامها لحماية القاهرة، ويتم إرسال جميع طائرات الميج وخلافه للجبهة، ونحن في سرب الـ F5، نذهب إلى تبوك، لأن مخازن الوقود فيها وبعد التزود بالوقود نهاجم إيلات الإسرائيلية، وكنت أنا أحد أفراد هذا السرب، واتفقنا على أن يكون الهجوم من الجنوب مع دورة على الشرق، وهناك ما يسمى، بي بي كي وهي احتمالية نجاة الطيارين، والمعلومات المتوفرة لدينا هي أن المدافع ضد الطائرات، وجميع الدفاعات المتمركزة في إيلات تدل أن احتمالية وفاة غالبية الطيارين عالية.
وبقينا تلك الليلة نفكر من منا سيعيش ومن منا سيموت، وألغي الهجوم لاحقاً بسبب اتفاقية وقف إطلاق النار في يوم 11أكتوبر1973".
يقول الأمير: "هذه مشاركة من مشاركات أخرى في حرب 73، ومنها مثلاً تزويد الجيش المصري بأجهزة اتصالات متطورة أميركية، مشابهة للأجهزة الإسرائيلية، وبالتالي لا تستطيع إسرائيل التشويش عليها، ومشاركة أخرى قد يجدها البعض غريبة، وهي شراء السعودية لمضخات عالية القوة تمويها على الإسرائيليين وحتى لا تنكشف الخطة العسكرية لفتح ثغرات في خط بارليف، ومن الطرائف، أن إحدى تلك المضخات هي تلك المستخدمة في نافورة جدة".
التخطيط لقلب نظام الحكم في السعودية
أعجبت إجابات الأمير بندر القذافي، وفي لحظة مفاجئة عرض عليه أمراً غريباً يرويه الأمير "بندر"، الذي ينقل عن القذافي قوله: "في الحقيقة، طرأت على بالي فكرة، أنت تعرف ما دام القادة العرب الموجودون الآن "على كراسيهم"، فلن تتحرر فلسطين، والاستعمار سيظل.
لم أرد عليه، ثم قال: ولهذا نحتاج لأشخاص مثلك، وأنا مستعد أن أحتضنهم وأدربهم ونعمل خلايا سرية لقلب نظام الحكم وأفضل مكان نبدأ فيه هي دول الخليج.
هل تعرف أحداً تثق به في دول الخليج؟ لأن أهم نقطة في الانقلابات هي السرية والثقة، وألا تزيد الخلايا، عن 5 أشخاص، قلت له نعم لدي أصدقاء كثر في الخليج، لكنني لم ألتق بهم منذ زمن، وأعطني مهلة أذهب للخليج وأجس النبض".
يكمل الأمير بندر: "كنت أرد مستغرباً وساخراً، لكن القذافي كان جاداً بذلك، وطلب مني طريقة لدعوتهم وتهريبهم عن طريق مصر، وكان يعتريني الذهول. ثم قلت له: في السعودية عندي 5 أشخاص أعتقد أنني أثق فيهم وبهم. قال من هم؟ ثم أخذ القلم وبدأ يكتب: أولاً فهد بن عبدالعزيز، ثانياً عبدالله بن عبدالعزيز، ثالثا سلطان بن عبدالعزيز، رابعاً نايف بن عبدالعزيز، خامساً سلمان بن عبدالعزيز، وكان القذافي يكتب وكأنه في حالة تخدير، ثم انتبه ورفع رأسه وضحك وقال خبيث أنت خبيث".
شعر الأمير بالقلق، ثم حاول استغلال الفرصة لمفاتحة القذافي في موضوع لوكيربي قبل أن يفاتحه هو وقال : "رد القذافي علي وقال أنا مرتاح لك، ثم قلت له: الصراحة لا أرتاح أنا، لأنني كعربي متألم للحصار على ليبيا، فقال لي: ما سأقوله لك سر، ولا أريد أن يعرف عنه إلا الأمير عبدالله، اذا استطعت أريدك أن تلتقي توني بلير و بيل كلنتون، لترى ما هو الحد الأدنى أو الأقصى من الطلبات التي يمكن تلبيتها لإنهاء الحصار وخلافه".
بحث الأمير بندر مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فأخبره أنه مستعد لفعل ما قد ينهي الحصار على ليبيا، إذا اعترفت ليبيا بالمسؤولية وتمت محاكمة المتهمين ودفع التعويضات، لكن المهم الحصول على تأييد بيل كلنتون. يكمل ويقول: "وكان المطلوبون في ليبيا كثيرين، ومنهم زوج أخت زوجة القذافي عبدالله السنوسي، وموسى كوسى وسيف الاسلام القذافي وغيرهم. ذهبت للقذافي وأخبرته بالتفاصيل، وبعد مفاوضات شاقة ورحلات عديدة وافق على مضض.
وللأمانة، لم آخذ كلامه على محمل الجد، ولا أريد توريط بلدي وفقدان مصداقيتها مع أميركا وبريطانيا والأمم المتحدة بسبب القذافي، وهذه التساؤلات والاحتمالات جاءت بعد حديثه ومخططاته التي أفصح بها عن رغبة الانقلاب".
عرف القذافي أن مانديلا سيكون معي هذه المرة، وجن من الفرح، وخرج إلى المطار لاستقبالنا وكاد أن يتجاهلني، وكنا في الخيمة الخاصة به، ثم بادر مانديلا وقال له : قرارك شجاع والمهم هو لمصلحة الشعب الليبي وإنهاء هذا الإشكال، والحل السلمي هو الأفضل دائماً.
قال القذاقي فعلاً أنا موافق، ثم قال مانديلا، إذاً نخرج إلى المطار لتوديع المتهمين، طائرة الأمم المتحدة بالانتظار، رفض القذافي طلب مانديلا ثم باغته نيلسون بقوله: الأخ القائد، هل غيرت رأيك؟ إذا غيرت رأيك سأخبر العالم أنك كاذب وكذبت علينا.
رد القذافي بسرعة وقال لا غير صحيح، ثم استدعى موسى كوسى رئيس استخبارته، وطلب منه تسليم المتهمين الاثنين للأمم المتحدة، ثم طلب القذافي بعد انتهاء كل هذا العودة إلى قصر المؤتمرات، لأنه سيلقي كلمة يشكر فيها الرئيس مانديلا وأضاف الأمير : "التفت مانديلا إلى القذافي وقال له ينبغي عليك شكر السعودية والأمير عبدالله والأمير بندر وليس أنا، ثم استدرك القذافي ذلك وقال بالتأكيد".
يكمل الأمير سرد القصة واللحظات تلك : "ذهبنا إلى قصر المؤتمرات، واعتلى القذافي المنبر وقام يشكر مانديلا طول الوقت، والتصفيق كان أكثر من الكلام، بعدها دعاه لاعتلاء المنصة وامتدح نيلسون الشعب الليبي وقرار القذافي بإنهاء المعاناة وذكر بأن الحلول السلمية هي الأفضل، ثم شكر الجميع وجلسوا،وبعدها تجاهلني القذافي وقال سأوصلكم المطار بنفسي، قال مانديلا له لكن الأمير بندر لم يتحدث ويلقي شيئاً؟ التفت القذافي إلي وقال: أنت تعرف تحكي ؟؟ وكان ردي بـ "أحياناً"، ثم قال مانديلا ما الذي يقوله؟ أخبرته بتهكم القذافي، غضب مانديلا من هذا السلوك، وتوجه بالحديث إلى الرئيس الليبي وقال له: أعرف أنك تتحدث الإنجليزية معمر، إذا لم يلقِ بندر خطاباً سأقوم وأقدمه بنفسي، قام القذافي وقال الأخ بندر سيلقي كلمة قصيرة".
قمت وقلت إنني سعيد أن الشعب الليبي تخلص من هذه المأساة وسينتهي موضوع العقوبات وأتمنى الاستقرار والسعادة لكم، وفي منتصف كلمتي، شعرت أن كلامي ليس نابعاً من القلب بسبب معاملة القذافي ونكرانه الجميل. صمت قليلاً ثم قلت: في حدث مثل هذا يعجز الإنسان عن وصف شعوره، وخير الكلام ما قل ودل".
ويختتم الأمير بقوله : "على كل حال، رحم الله معمر القذافي، وهو في دار حق، وسيلقى الله ويحاسبه على كل أعماله خيرها وشرها".
بعد ما انتهى الأمير من حديثه، سألته عن الإخوان المسلمين والربيع العربي، فابتسم وقال يا أخ عضوان: "أذن الفجر فأجب النداء، لقد تحدثنا طوال الليل، ولندع بقية الحديث حين تحين مناسبة أخرى".