كتب : زين ربيع شحاتة
بعد الأحداث التى مرت بها مصر فى يناير من عام 2011 م ، و تداعيتها على الصعيد الداخلى و الأقليمي والتى كان لتيار الإسلام السياسي فيها دور الفاعل المسيطر أن لم يكن الفاعل المطلق ، دفعت العديد من أصحاب الأقلام والفكرإلى البحث فى أعماق هذا الفكر بعد أن أتضحت ملامحه و برزت أهدافه التدميرية التى فتحت باباً واسعاً للتدخل الأجنبى فى المنطقة العربية ، ومن تلك الأبحاث والقراءات سلسلة مقالات نشرت على صفحات موقع ( أهل مصر) ، أقل ما يقال عنها أنها أصابت أحد أهم أعمدة هذا الفكر الذى يعتمد على اللغة العربية معجزة القرآن الكريم الأولى ، ووعاء كل تفسير ورؤية تخص أحكام الشريعة الإسلامية ، ليتصدر المقالات لفظى ( الحاكمية ، الطاغوت ) ، أهم لفظان تم إستخدامهما للتسيوق لهذا الفكر الدينى المتأسلم ، فبالبحث وجدت "أهل مصر" أن لفظ ( الحاكمية) تم إختلاسه من خطابات " أبو الأعلى المودودى" مؤسس الجماعة الإسلامية فى الهند ، ولم تجد " أهل مصر" لهذه الكلمة جذور فى معاجم اللغة العربية ، التى توقفت عند تفسير (الحاكمية) أنها لا تعدوا كونها أسم تاريخى أطلق على نخيل لبنى حاكم باليمامة ، وعرضت للفظ (المحكم) الذى توصف به آيات القرآن الكريم و الذى يعنى نصاً ( مالا يعرض فيه الشبهة من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى ) ، ثم يتبع لفظ ( الحاكمية) فى متوالية الألفاظ التى إستخدمت على نطاق واسع فى قصف عقول المسلمين فى مصر وخارجها كلمة ( الطاغوت ) التى ورد ذكرها فى كتاب الله عز وجل فى الأيه (60) من سورة النساء (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) ، صدق الله العظيم ، وقد خاضت "أهل مصر" خلال حلقتها الثانية من سلسلة حلقات (الحاكمية) فى أسباب نزول هذه الأية التى دس قادة الفكر المتأسلم لفظ (الطاغوت) داخل القاموس السياسي كرداء تكفيرى للحاكم المسلم الذى يخرج من دائرة عنصريتهم الزائفة إلى دائرة الحاكم المدنى كلفظ يضاهى مصطلحات الديكتاتورية والإستبداد وغيرها من الألفاظ السلطوية ، لتوضح ( أهل مصر) فى إنسيابية تلقائية جمعت بين التبسيط و العمق أن سبب نزول الأيه يرجع إلى قصة رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من منافقى المدينة أظهر إسلامه وضمر كفره يلقب بـ " بشر " ، والثانى يهودى من أهل المدينة أختصما ، فآثر اليهودى إلى الإحتكمام إلى الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، و آثر " بشر" الإحتكام إلى " بردة الأسلمى" ، وكان أحد كهنة اليهود المعروف عنه الفساد و الرشوة ، وكان يطلق على الكهنة وكذلك السحرة لفظ الطاغوت ، أى أنه معنى بعيد كل البعد عن السياسة و الحاكم .
مما سبق يتضح لنا بما لا يدع مجال للشك أن إستخدام التيارات التكفيرية المتطرفة لألفاظ من خارج اللغة أو إخراجها من اللغة وصبغها بمعانى زائفة ، إنما تدل أن هذا الفكر يهدف إلى التلاعب بالعقول عن طريق مخاطبة العاطفة لا العقول التى يحتاج إلى براهين يفتقدها .