أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرًا تناول فيه محاولات تنظيم "داعش" للعودة من جديد لتصدر الساحة الإعلامية واستقطاب مؤيدين جدد من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن لاحظت وحدة الرصد والمتابعة بالمرصد على مدار الأشهر الأخيرة تزايدًا في الإصدارات الخاصة بتنظيم داعش من منشورات وإصدارات مرئية ومسموعة وتقارير وصوتيات وصحف ومجلات ومحطات إذاعية ومواقع إلكترونية وحسابات ومنصات اجتماعية لتعزيز ونشر أفكار "داعش "من جديد، يحث فيها التنظيم مقاتليه على العودة مرة أخرى للانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد أصدر التنظيم مؤخرًا رسالة موجهة إلى مقاتليه والمسئولين عن المنصات الإعلامية بالتنظيم تحت اسم " القنبلة المتحركة" يحثهم فيها على العودة مرة أخرى إلى منصات التواصل الاجتماعي، وعدم الاعتماد على المنصات البديلة الأخرى، وبخاصة التليجرام والتركيز بشكل أساسي على الفيس بوك وتويتر، واحتوت هذه الرسائل على جانب تحريضي يقوم فيه التنظيم بحشد عناصره وكتائبه الإلكترونية على الحضور بكثرة عبر منصات التواصل الاجتماعي لبث الرعب في نفوس المجتمعات بواسطة المشاهد التي يبثها من عمليات قتل وغيرها، مستعينًا ببعض الخطابات والرسائل لزعيم التنظيم "أبي بكر البغدادي" وهو يحث على ما أسموه "الجهاد الإلكتروني"، وبأن فضل "المجاهد" في الإعلام كفضل "المقاتل في الميدان"، وفي هذا رسالة ضمنية حول توجه التنظيم إلى حشد عناصره لعمليات ذئاب منفردة قد تهز العالم.
كما اشتملت الرسالة على طرق عدة لتلاشي الملاحقة الأمنية إن وجدت عند قيامهم بالعمليات الانتحارية، من بينها محاولة الاختباء في المناطق النائية والصحراوية، وهي من الاستراتيجيات التي سبق أن حذر المرصد منها، خاصة في العراق حيث اكتشف فيه عدة مخابئ لعناصر تنظيم "داعش" في مناطق نائية وتحت الأرض.
وقال المرصد إن تنظيم "داعش" ذهب في هذه الرسالة الأخيرة التي بثها لعناصره إلى أن ابتعادهم عن الفيس بوك وتويتر فتح المجال أمام ما أطلق عليهم "أقطاب الكفر" لشن حرب شرسة على "دولة الخلافة"، وهذا يؤكد ما سبق أن طرحه المرصد في الكثير من دراساته وتقاريره أن المنصات الإعلامية المتعددة لتنظيم "داعش" وبخاصة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي هي الأداة التي سيعتمد عليها التنظيم للتمدد والبقاء، خاصة بعد اشتداد المعارك التي شنت على أماكن انتشاره التقليدية.
وأوضح تقرير المرصد أن تنظيم "داعش" منذ عام 2017 بعد فقده للكثير من مقاتليه ومواقعه حافظ على انتشاره عبر منصاته الإلكترونية المتعددة ، بل عمل على إنشاء الكثير من الحسابات الوهمية التي حاول من خلالها استقطاب مؤيديه ونشر أفكاره والتحريض على العمليات الإرهابية خاصة في أوروبا، فقد عمل التنظيم بعد هذه العمليات على الانتشار بشكل مكثف من خلال التليجرام كوسيلة للمراوغة والبعد عن المنصات الإلكترونية التي أنشأتها الدول من أجل متابعة محتوى التنظيم المتطرف عبر الفيس بوك وتويتر، ومنذ عام 2017 أغلق تليجرام ما يقارب من 8500 قناة تبث أفكارًا متطرفة تابعة لـ"داعش" وغيرها من التنظيمات المتطرفة الأخرى، كما أوضح الأمين العام للأمم المتحدة في 7 فبراير 2019 أن تنظيم "داعش" يمر بمراحل إعادة انتقال وتكيُّف، وأنه يعمل الآن في شبكات سرية، وهو ما يؤكد على أن تنظيم داعش لجأ مؤخرًا وبشكل علني إلى بث رسائل تحريضية لشن هجمات إرهابية، حيث تزايد عدد المنصات التي تشرح كيفية القيام بالعمليات الإرهابية وتصنيع العبوات الناسفة والقنابل اليدوية.
وبيَّن التقرير أن تنظيم "داعش" لجأ إلى استخدام أساليب "تربوية" تعرِّف بقادة التنظيم وبالمعارك التي خاضها والتي يطلق عليها اسم "الغزوات"، وذلك للأطفال الصغار والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، إذ إن التنظيم بات يعمل على إنتاج وتشكيل ما يعرف بالجناح الجديد الذي يخضع فيه الأطفال والشباب لتحفيظ يومي "عقائدي" ليتحولوا إلى نسخ "إرهابية "جديدة ، إذ أشار أحد المواقع المختصة في رصد تتبع أنشطة الجماعات المتطرفة في الثامن من فبراير 2019 إلى قيام عناصر مؤيدة للتنظيم في إندونيسيا بنشر أجزاء من كتابات "داعش" عن "الجهاد" بطرق مبسطة عبر منتديات إلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى طرق صناعة المتفجرات وكيفية الحماية الإلكترونية من الاختراقات.
وفي ذات السياق، قام محرك البحث (جوجل) في يناير من هذا العام بمراقبة حسابات بعض الفتيات في سن المراهقة من أجل منع استدراجهن من قِبل تنظيم "داعش" بعد أن لوحظ انتشار للمواد الدعائية والأفكار المتطرفة عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" مرة أخرى وبكثرة، وبخاصة عبر مواقع التنظيم الإلكترونية، حيث أعاد التنظيم نشر هذه المواد في كتب مطبوعة عبر مواقعه الإلكترونية وفي إصدارات مرئية ومسموعة باللغات الآسيوية على وجه الخصوص، كما أعلنت إدارة فيس بوك في مايو 2018 أن نسبة الأخبار المتعلقة بداعش والحسابات المتطرفة التي تم الإبلاغ عنها كان نصيب داعش منها ما يقارب 99.5% من نسب الحسابات والأخبار التي حذفت، وتلك إشارة إلى رغبة التنظيم في العودة وبقوة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما لجأ تنظيم داعش مؤخرًا إلى الاعتماد على مواقع التصفح غير القانونية مثل: (DeepWeb، (OnionTor.
وذكر المرصد في تقريره أن وحدة الرصد والتحليل قامت بحصر نوعيات الرسائل الضمنية عبر حسابات التنظيم على المنصات الإلكترونية، وكانت في أغلبها تحرِّض الشباب على المشاركة في العنف والقتال تحت اسم "الجهاد" والدفع بهم فيما أطلقوا عليه الانتقام من الأنظمة "الطاغوتيه"، وتصوير شكل الحياة فيما أطلقوا عليه "دولة الخلافة"، إلى جانب وجود رسائل تحث النساء المنضمات إليه على الخروج من معاقلهن فيما يوحي بخطورة هذه الخطوة في المستقبل القريب. كما رصدت الوحدة وجود أشخاص يعلنون البيعة لـ"داعش" من خلال ما عرف بـ "الخلافة الافتراضية" دون أن يكونوا من بين عناصره التي تقاتل، ويتم ذلك عبر صفحاته الإلكترونية.
وأوضح المرصد في تقريره أن (الفيس بوك) أعلن عن اكتشاف ما يقارب 2 مليون حساب تابع لتنظيم "داعش" في أماكن مختلفة حول العالم تقوم ببث أخبار التنظيم وإصداراته، وتبث خطاباته العنيفة إلى المتابعين، وذلك بعد أن ابتكرت مؤخرًا إدارة الفيس بوك بعض البرامج التي تكشف عن المحتوى المتطرف بشكل تلقائي. وتقدر المنصات الإعلامية التي كانت تتبع تنظيم داعش حتى عام 2017 بما يقارب 90000 حساب عبر تويتر فقط.
واختتم المرصد تقريره بالإشارة إلى ضرورة العمل الجماعي بين الدول لمحاربة التنظيم عبر وسائل الإعلام خاصة المواقع الالكترونية؛ لأنها تمثل المنفذ الآمن نحو بقاء التنظيم وأفكاره، حيث يكثف تنظيم "داعش" من مواده الدعائية "التعليمية المتطرفة" على الإنترنت مستغلًّا في ذلك التطور الرقمي والتكنولوجي، ويتوجب على الدول كافة مقاومة هذه التهديدات الفكرية.