حرص الدكتور أحمد الطيب منذ توليه منصب شيخ الأزهر، في التاسع عشر من مارس 2010، على فتح آفاق للحوار والنقاش بين جميع الأطياف والفرقاء من شتى بقاع الأرض، من أجل البحث والتشاور حول القضايا والمشاكل التي تهدد أمن المجتمعات والشعوب، والعمل على نشر ثقافة السلم والتعايش في كافة ربوع العالم.
ونظم الأزهر الشريف العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية، التي جاءت داعمة للسلام العالمي وإرساء قيم التعايش المشترك، وترسيخ مفهوم المواطنة، ومحاربة الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، فضلًا عن الدفاع عن قضايا الأمة وبحث شواغلها وهمومها.
ورغم تنوع موضوعات هذه الندوات والمؤتمرات، إلا أن القاسم المشترك بينها تمثل في تلك المشاركة الواسعة للنخب الدينية والثقافية والفكرية من مختلف أنحاء العالم، بما يعكس مكانة الأزهر وتأثيره العالمي المتنامي، ويبرهن على ملامسة هذه الفعاليات للقضايا والملفات التي تشغل الفكر والضمير الإنساني، ويؤكد سعي الأزهر الدؤوب من أجل تشييد جسور الحوار والتواصل بين مختلف الأديان والحضارات، وكي تستعيد الأديان وقيمها السامية دورها المحوري في صنع سعادة الإنسان وتجفيف منابع الحروب والنزاعات. وكما تنوعت موضوعات تلك المؤتمرات، فقد تعددت أيضا مقراتها، بل الفئات العمرية التي تخاطبها، ومن أبرز هذه المؤتمرات والندوات:
"مؤتمر الأزهر الشريف لمواجهة التطرف والإرهاب"
عقد الأزهر الشريف، في الرابع من ديسمبر للعام 2014، مؤتمرًا دوليًّا لمواجهة التطرف والإرهاب، بمشاركة ممثلي 120 دولة وممثلين عن جميع المذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية، وممثلين عن بعض الطوائف الأخرى التي عانت من إجرام الجماعات الإرهابية، وذلك في إطار جهود الأزهر لخدمة التراث وإثبات براءته ممّا يُنسب إليه من أعمال الإرهابيين والمتطرفين، وقد أكد البيان الختامي للمؤتمر على أنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و"المليشيات" الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زورًا وبهتانًا – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيء، كما طالب المؤتمر جميع العلماء والمراجع الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ في إطفاء كل الحرائق المذهبية والعرقية.
"مؤتمر نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار"
انطلاقًا من سعيه لمواكبة قضايا المسلمين والعمل على نشر ثقافة السلم والتعايش في كافة ربوع العالم عقد الأزهر الشريف، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، في يناير 2017 م مؤتمرًا تحت عنوان "نحو حوار إنساني حضاري من أجل مواطني ميانمار (بورما)" بمشاركة نخبة من شباب بورما من جميع الدِيانات «البوذية والإسلام والمسيحية والهندوسية»، والذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع في ولاية راخين بميانمار، وذلك بحضور عددٍ من السُّفراء والأدباء والمفكِّرين والإعلاميين؛ بهدف التباحث مع هؤلاء الشباب حول سُبُل العيشِ المشترك، والوقوف على أسباب الخِلاف في ميانمار، ومحاولة وضع حلولٍ جذريَّة لإنهائه وترسيخ أُسُسِ المواطنة والعيش المشترك بين المواطنين، حيث وجه الدكتور أحمد الطيب نداءًا للشباب والشابات في ميانمار بأن يبدأوا غرس شجرة السلام التي تظلل مواطني «راخَيْن» بل مواطني بورما بأجمعهم، وأن يبدأوا في نشر ثقافة المواطنة، حتى يَقْضوا على مفهوم «الأقليات» وما يجره هذا المفهوم البائس من إقصاء وتهميش، ينتهى دائمًا بسفك الدماء وتشريد الأبرياء.
"مؤتمر الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"
وإدراكًا منه للمَخاطِرِ الكبرى التي تَعتَرِضُ تجرِبةَ التَّعدُّديَّةِ الدِّينيَّةِ الفريدة، في مجتمعاتنا ومجالنا الحضاري عقد الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، في الفترة من 28 فبراير حتى 1 مارس 2017، مؤتمرًا عالميًا تحت عنوان "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"، بحضور عدد كبير من العلماء ورموز الدين الإسلامي والمسيحي والمثقفين والمفكرين وقادة الرأي من الدول العربية والإسلامية، بهدف التأكيد على قيم المواطنة والتعايش والسلام، وصدر عن المؤتمر إعلانًا عالميًا بعنوان "إعلانُ الأزهرِ للمُواطَنةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ"، شدد على أن "المجتمعات العربيّة والإسلامية تمتلكُ تراثًا عريقًا في ممارسة العيش المشترك في المجتمع الواحد"، وأن الأديان كلها بَراءٌ من الإرهاب بشتى صوره.
"مؤتمر الأزهر العالمي للسلام"
في أبريل 2017 شهد "مؤتمر الأزهر العالمي للسلام"، لقاءًا تاريخيًا بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر والبابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، ليدشن الأزهر بذلك مرحلة جديدة في إرساء السلام وتبرئة الأديان مما علق بها من شبهات تتنافى مع تعاليم الأديان السماوية جمعاء، حيث أكد الدكتور أحمد الطيب أن اللقاء هو رسالة سلام للناس جميعًا على أساس أن الأزهر والفاتيكان يمثلان رمزية كبرى لدى أتباع الإسلام والمسيحية في العالم، موضحًا أن الأزهر يقود حملة عالمية لنشر السلام بين علماء ورجال الأديان والتي بدورها تؤدي إلى السلام بين أتباع الأديان، وذلك انطلاقًا من دور الأزهر التاريخي في نشر السلام الذي هو رسالة الإسلام إلى العالم، كما أكد الطيب، خلال كلمته بالمؤتمر، ضرورة العمل على تنقِية صُورة الأديان مِمَّا عَلِقَ بها من فهومٍ مغلوطةٍ وتديُّنٍ كاذبٍ يُؤجِّجُ الصِّراعَ ويبث الكراهية ويبعث على العُنف، مطالبًا بعدم محاكِمة الأديان بجرائمِ قِلَّةٍ عابثةٍ من المؤمنين بهذا الدِّين أو ذاك.
"مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس"
في يناير 2018 نظم الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين مؤتمرًا عالميًا تحت عنوان "مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس"، وحظي بمشاركة أكثر من 86 دولة، وضم نخبة من "المهتمين بقضية المسجد الأقصى والقدس وكل محبي السلام من جميع أنحاء العالم"، بما في ذلك عدد من الحاخامات اليهود المعارضين للسياسات الصهيونية والأمريكية بشأن المدينة التاريخية المقدسة.
وصدر عن المؤتمر إعلانٌ عالمي بعنوان "إعلان الأزهر العالمي لنصرة القدس"، شدد على أن "القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة ويجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها وقبول عضويتها الفاعلة في كافة المنظمات والهيئات الدولية"، كما أكد "أن عروبةَ القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين، ولن تفلح محاولات الصهيونية العالمية في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ".
"منتدى شباب صناع السلام"
يعد "منتدى شباب صناع السلام" من أبرز المبادرات التي أطلقها الأزهر خلال عام 2018، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين وأسقفية كانتربري البريطانية، حيث شارك في المنتدى، الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن، يوليو الماضي، خمسون شابًا، من المتميزين وأصحاب المبادرات الاجتماعية الفعالة؛ ليخوضوا معًا مجموعة من ورش العمل والأنشطة الحوارية والتفاعلية، بهدف تبادل الآراء والنقاش حول أبرز القضايا الإنسانية المشتركة، خاصة تلك التي تتعلق بالتعايش وقبول الآخر ورفض العنف وترسيخ ثقافة السلام، وذلك بهدف بناء فريق عالمي من الشباب الواعد.
وتتمثل فرادة وتميز المنتدى في كونه يجمع بين شباب من الشرق والغرب، على أساس حضاري وثقافي وليس دينيًا، فوفد الأزهر ضم مسلمين ومسيحيين، وكذلك وفد أسقفية كانتربري، كما أن هؤلاء الشباب اجتمعوا تحت مظلة مؤسستين دينيتين مسيحية وإسلامية، للتأكيد على إمكانية التعاون العملي بين المؤسسات والقيادات الدينية من أجل ترسيخ السلام والتعايش في العمل، يضاف لذلك أن اجتماع هؤلاء الشباب تحت رعاية المؤسسات الدينية يشكل برهانًا فعليًا على عدم صحة ما يشاع بشأن الهوة بين المؤسسات الدينية والشباب.
وجاء عقد المنتدى في إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب التي أطلقها الدكتور أحمد الطيب، قبل عدة سنوات، بهدف مد جسور الحوار والتعاون بين الشرق والغرب، حيث تم الاتفاق خلال جولة الحوار السابقة بين الأزهر وأسقفية كانتربري قبل عامين في "أبو ظبي"، على أن يتولى نخبة من الشباب، أصحاب المبادرات الخلاقة، قيادة الجولة المقبلة من الحوار، فيما تقوم المؤسسات الدينية بتبني ودعم رؤى ومبادرات ومقترحات الشباب.
ندوة الأزهر الدولية "الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل"
في إطار حرص الدكتور أحمد الطيب على تعميق قنوات التواصل مع النخب السياسية والفكرية والدينية عبر العالم، جاء عقد الندوة الدولية التي نظمها الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين في أكتوبر 2018 تحت عنوان: "الإسلام والغرب.. تَنَوُّعٌ وتَكامُل"، بمشاركة ثلاثة عشر رئيسًا ورئيسَ وزراء سابق من آسيا وأوروبا، إضافة لنخبة من القيادات الدينية والمُفَكِّرين والشخصيات العامّة من أوروبا وآسيا.
واستهدفت الندوةُ تَجاوُز الصور النمطية والتصورات المسبقة؛ فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين، وصولًا إلى فهمٍ مشترَكٍ، يقوم على رؤية موضوعية وأُسس علمية، بعيدًا عن النظرة الاتهامية التي تُرَوِّجها بعض وسائل الإعلام، لربْط التطرف والإرهاب بالإسلام، وذلك بهدف دعم الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم؛ كمواطنين فاعلين ومؤثِّرين، مع الحفاظ على هُوِيَّتهم وخصوصيّتهم الدينية.
وألقى الطيب، الكلمة الرئيسية خلال افتتاح أعمال الندوة، وأكد فيها أن الشرق كأديان وحضارات ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب، وأن انفتاح الأزهر على المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى في أوربا أقوى دليل على إمكانيَّة التقارُب بين الشرق والغرب، مشددًا على أن تعقُّبَ أسباب الإرهاب ليس محلُّه الإسلام ولا الأديان وإنما الأنظمة العالميَّة التي تُتاجر بالأديانِ والقيمِ والاخلاقِ، لافتًا إلى أن مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعي تصنع العقل الأزهري المعتدل في تفكيره وسلوكه.