«الله محبة، لما تدور السواقى بتجرى القناة فى البستان تخضر أرضه ويطرح الورد على العيدان، يا اللى دخلت الجنينة قول لى إيه وصفة الرومان».. كلمات تَغنَّى بها المنشد الشعبى الشيخ «أحمد التونى» عن جمال «السواقى»، وغنت المطربة عصمت عبد العليم «ساقية تغنى وست سواقى من حواليها» فى فيلم «ليلة غرام»، إنتاج عام 1951، بطولة ابنة محافظة الفيوم الفنانة مريم فخر الدين، وإخراج المبدع أحمد بدرخان.
«أهل مصر» التقت مع عائلة «الروبى» أقدم العائلات الفيومية التى تخصصت فى صناعه وإصلاح «السواقى» جنوب مدينة الفيوم، فى حارة المسجد المعلق أقدم شوارع محافظة الفيوم المعروف بشارع «عائلة روبى»، أصحاب التراث المصرى القديم وورثة صناعة توارت وهجرها الجميع؛ بسبب تقلبات الزمن، فكان صعبًا على كتب التاريخ أن توثق براعة بعض الحرف والأيدى العاملة والدقة فى التصنيع بحسابات مهندس فنان.
يقول ربيع روبى، صانع السواقى، والبالغ من العمر سبعين عاما: «إحنا معروفين على مستوى العالم. وأنا ابن أقدم صانع للسواقى بمحافظة الفيوم، ورث الحرفة من أجدادى، وأسعد لحظات بافتكر فيها جدى لما أرمم ساقية. عارف أن أبويا وجدى صنعوها بمهارة، ووصل صيتهم إلى كل محافظات مصر جنوب القاهرة على بعد 100 كيلو متر. وهبهم المولى عز وجل مهارة يدوية وذهنية عن طريق التفنن والإبداع فى تجسيد وتجسيم السواقى».
وأضاف ربيع روبى أن صانعى السواقى نجحوا بجدارة وعن استحقاق فى عملهم، فكانوا نموذجًا حيًّا للدقة والإتقان وخيال الفنان، فباتت أعمالهم اليدوية البسيطة مرآة تعكس تاريخ وحضارة مصر، مؤكدًا أن أجداده احترفوا المهنة دون اللجوء إلى ورش تدريب أو الانضمام لمصنع؛ بهدف التعلم منه.
وتابع صانع السواقى: «إحنا أشهر عائلة على مستوى العالم فى صناعة السواقى، أساسها فى العصر البطلمى، وأطلقوا عليها كلمة التابوت، وتحول الاسم عبر العصور إلى ساقية التى تأخذ الشكل الدائرى، والهدف من صناعة السواقى أيام الفراعنة كان رى الفيوم، التى كانت منخفضة عن مستوى نهر النيل، فكانت السواقى أقدم آلة لرى الأراضى عرفها الإنسان».
وأوضح أن صناعة السواقى من الخشب الأبيض وخشب «الجزورين»، ويتم تقطعيه لأجزاء بمقاس واحد باستخدام أدوات النجارة الموجودة، وتجميعها بدقة عالية؛ لتأخذ الشكل الدائرى الذى يساعد فى رفع المياه من أسفل إلى أعلى، ودفعها نحو مجرى مائى؛ لرى العشرات من الأراضى.
ويشير روبى إلى أن الأعمال التلفيزيونية والسينمائية أظهرت أشكال «السواقى» فى عدد من الأعمال، والتى لا تزال فى أعماق الريف المصرى آثار لمئات «السواقى» تعبيرا عن الريف، ومن أشهر الأفلام المصرية القديمة الناطقة عام 1932 كان موال سبع سواقى هو الأهم والأشهر.
واستطرد أن محافظة الفيوم كان بها أكثر من 200 ساقية منتشرة بقرى المحافظة، وأشهرها الـ «7 سواقى» وسط مدينة الفيوم، والتي تم تقليل عددها لـ 4 سواقٍ، واختفت باقى السواقى، وأصبح 70 % منها معطلاً؛ بسبب إهمال مديرية الرى والمسئولين بالمحافظة، حيث اختفى أثرها فى القرى، بعد أن كانت مقصدًا سياحيًّا لزوار محافظة الفيوم، خاصة فى فصل الشتاء.
ويختتم ربيع أنه لإصلاح «السواقى» ينتظر موسم السدة الشتوية فى شهرى ديسمبر ويناير من كل عام، ويستخدم مادة «بتومين مؤكسد»، ويدهن بها السواقى بعد إصلاح المناطق التالفة بخشب «الجزورين»، وتكون تكلفة تصنيع ساقية حوالى 15 ألف جنيه أو أكثر حسب سعر الخشب، والأدوات تحتاج لأسبوعين أو ثلاثة للتصنيع وتجميع أجزائها بعد خرطها بـ«ماكينة الخرط».