"العربة الكارو" التي هي اليوم وسيلة بدائية لنقل البضائع لها جذور ضاربة في أعماق التاريخ.. أدخلها الهكسوس عند غزوهم لمصر، وكانت تمثل يومها طفرة هائلة في الآلات الحربية، حيث عجزت الدولة عن مقاومة العربة الحربية، وسهَّلت للهكسوس احتلال مصر، ولم تقدر الدولة على طرد المحتل إلا بعد أن نجحت أخيرًا في تصنيعها. ولأهميتها ظهرت على جدران المعابد في وصف حروب الملك أحمس قاهر الهكسوس بـ "العربة الكارو". وتُصنَع "العربة الكارو" من الخشب الأشهر في نقل البضائع على مر السنين، وكانت تجرها الثيران لنقل العمال بالمناجم، حتى ظهر "التروسيكل"، الذي أسقطها من عرشها؛ ليحل محلها.
العولمة والإنترنت تجعل الكارو ضربًا من الماضي
في عصر العولمة والإنترنت أصبحت الآن الآلات الحديثة هي المسيطرة وصاحب الكلمة العليا في كل شيء؛ لما لها من مميزات تختصر الوقت وتوفر المجهود والنفقات؛ لذا تلقى الوسائل الحديثة، خاصة في النقل، الإقبال الأكبر عليها، حتى صارت "الكارو" ضربًا من الماضي، عفا عليها الزمن، وهجرها الناس.
ورشة "مكين" تتحدى الزمن
مع ضجيج السيارات الذي لا يهدأ، وتزاحم شارع الشيخ حسن، أقدم الأحياء الشعبية بشرق مدينة الفيوم، والذي كان يعجُّ بورش صناعة وتصليح "الكارو"، رصدت "أهل مصر" اختفاء تلك الورش، ما عدا ورشة واحدة، لا تزال تقاوم الزمن وتطورات العصر؛ ليواصل عمرها البالغ 80 عامًا امتداده.. الورشة ورثتها أسرة قبطية، وتعمل بحرفة النجارة، عن جدها "مكين"، الذي تَخصَّصَ في تصنيع وتصليح عربات "الكارو". والآن يعمل بها الأسطى "مكين جاد" وابنه "مجدي"، ورثة "مكين"، حيث يواصلان رسالة الجد في إصلاح عربات الكارو.
رفضتُ مغريات السفر حبًّا في الكارو
يقول عم "مكين جاد"، الذي تَجاوَزَ السبعين عامًا: لا يزال الكارو يُستخدَم إلى يومنا هذا، ولكن اختلفت أغراض استخداماته. في السابق كان وسيلة للركوب ونقل البضائع، وحتى جهاز العروسة بالمناطق الشعبية، وفي القرى ينقل عليه الفلاح المحاصيل والغلال والحطب. مضيفًا "كنت بانزل مع أبويا الورشة أنا واخواتي، نساعده في إصلاح عربات الكارو، واتعلمت، وأصبحت أسطى من حبِّي في الحرفة، ورفضت السفر للخارج، وقررت فتح ورشة أجدادي". مؤكدًا أن "الصنعة اللى بناكل منها عيش".
تقنيات تصنيع "الكارو"
وعن طريقة صناعة الكارو يقول "مجدي مكين": نستخدم منشارًا كهربائيًّا كبيرًا، والفارة، وشنيور مقاسات، ومفكات؛ لتقطيع الخشب الخاص بعربات الكارو، وتجهيز وإصلاح عربات الفول والكشرى. ويشمل التصنيع تركيب المراية والقماقم والدواسة والعالفة والعرشان.
خامات "الكارو"
وعن أنواع الخشب التي يتم منها تصنيع الكارو أوضح أنه "تختلف أنواع الخشب الخاص بتصنيع عربات الكارو، منها الكافور والكازورنيا واللبخ والسنت وزان والسرسوع".
صديقة البيئة
وكشف "مجدي مكين" أن التروسيكل والعربات السوزوكي أنهت عصر ملوك عربات الكارو صديقة البيئة، فهي لا تصدر عوادم تلوث الهواء، كما أنها مصنوعة من مواد طبيعية.
سعرها اقتصادي
وعن سعر العربة الكارو قال إنه يتراوح بين 5000 و6000 جنيه، ويزيد السعر حسب نوع الخشب والشغل اليدوي، لبعض عربات الكارو.
عصب الحياة وموفرة للطاقة
ويرى "مجدي مكين" أن عربات الكارو هي المنقذ الوحيد في ظل ارتفاع الأسعار، فجميع زبائنه من الفلاحين بمعظم قرى الفيوم، والعربات الكارو تعمل من خلال الحمار؛ لذلك لا نحتاج إلى إنفاق الأموال على العربات التى تعمل بالوقود أو الجرار وسط ارتفاع أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة، ويعتمد عليها الفلاحون وبعض أسرهم في الذهاب إلى الأرض صباحًا، والعوده في نهاية اليوم، كما أنها تُستخدم في نقل المحاصيل الزراعية من الأرض إلى المخازن وأسواق الخضار.
عشرة عمر وآمنة
وأوضح "مجدي مكين" أن الفلاح منذ القدم وهو يعتمد على عربات الكارو؛ لسهولة استخدامها وقلة مخاطرها، كما أنها لا تحتاج إلى صيانة أو تصليح؛ فنحن نقوم بأعمال التصليح في حالة كسر أي أجزاء منها؛ لأنها مصنوعة من الخشب وسهلة التصليح؛ فلذلك لا تكلفهم أعباء.
لا تحتاج لتجديد رخصة ولا "أمن ومتانة"
ويختتم "مجدي مكين" أن العربات الكارو لا تحمل صاحبها عبء تجديد ترخيص أو دفع وصولات مخالفات، أو تجديد وكشوف سلامة ومتانة وما شابه، مما يحدث للسيارات العادية، التي يعاني مالكها الأمرَّيْنِ، ويذوق مختلف أنواع العذاب في ترخيصها أو تجديد الرخصة.