محمد أبو العيون يكتب: لماذا أنهى الأزهر تكليف كاتب بيان المشيخة ضد الإخوان وانتدب بديلًا له؟

الأزهر الشريف (جامعًا وجامعة) هو القبلة التي تهفو إليها قلوب وعقول مئات الملايين من المسلمين الراغبين في الارتواء من ينابيع العلم المتفجرة من أفئدة وعقول وأفواه علمائه العاملين بما علموا، وهو منبع الوسطية ومرجعية المسلمين الأولى. منه يؤخذ صحيح الإسلام، وعلى أسواره تتحطم الأيديولوجيات والأجندات والأفكار المتطرفة، ومن أجل هذا وغيره يظل الحفاظ على الأزهر الشريف وإبقائه وسطيًا مستنيرًا متوهجًا بأنوار العلم والتحذير من أي عنصر متطرف يندس بين أبنائه هو مرادنا جميعًا.

وقد ظل الأزهر الشريف طوال سنوات تجاوزت الألف عام، عصيًا على مخططات معتنقي الأفكار المتطرفة؛ إلا أن هذه المحاولات تزايدت حدتها خلال العقود الأخيرة، وبخاصة من قبلِ جماعة الإخوان الإرهابية التي يُدرك المنتمين إليها ما يتمتع به الأزهر من ثقةٍ ومكانة عالية في قلوب المسلمين من أقصى الأرض إلى أقصاها. حاول الإخوان -في البداية- تهميش دور هذا الصرح العريق والتشكيك في الرسالة الوطنية والدينية التي يؤديها علماؤه، وحين باءت محاولاتهم بالفشل؛ لجأ هؤلاء الإرهابيين إلى خطة بديلة تقوم على اختراق الأزهر الشريف عن طريق استقطاب بعض المنتمين إليه، أملًا في السيطرة على هذا الصرح الشامخ.

حاولت قيادات الجماعة الإرهابية خلال أحداث الفوضى التي شهدتها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، زرع عناصر تابعين لهم داخل مختلف هيئات مؤسسة الأزهر بالإضافة إلى محاولة التنظيم الإرهابي العمل على وأد أي مشروع أزهري من شأنه تفنيد وفضح الإرهاب الإخواني.

ومنذ قيام ثورة 30 من يونيو 2013، التي خرج فيها المصريين عن بكرة أبيهم في الشوارع والميادين معلنين رفضهم للفاشية الإخوانية، ومسطرين بهذا المشهد العظيم تاريخًا مجيدًا من الاصطفاف والتلاحم الشعبي والوطني؛ حاولت العناصر الإخوانية أن تندس داخل هيئات مؤسسة الأزهر مستخدمة حيال هذا "التقية" التي يجيد أعضاء الجماعة تجسيدها على أرض الواقع ولكن جسد الأزهر الشريف ظل نقيا من آثام هذا التنظيم الإرهابي.

وعلى الرغم من فشل تنظيم الإخوان الإرهابي في اختراق جسد الأزهر الشريف الطاهر من كل آثام الإرهاب، إلا أن عزل الدكتور كمال بريقع، من منصبه كمشرف على وحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، جاء ليطرح تساؤلات حول سبب وتوقيت العزل الذي جاء بعد نشر بيان تاريخي كتبه "بريقع" فضح فيه أكاذيب الجماعة، ومحاولتهم تسميم عقول العامة عن طريق الاستشهاد بآيات قرآنية في غير موضعها، واصفًا إياهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه.

البيان الذي كتبه الدكتور بريقع، في 24 من فبراير الماضي، كان تاريخيًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، خاصة وأنه جاء ليرد على المزاعم والأكاذيب التي أوردتها الجماعة الإرهابية في بيانها الصادر بتاريخ 23 من الشهر ذاته والمعنون بـ"رسالةالإخوان المسلمين: عزاءٌ مؤجلٌ وقصاصٌ مستحق"، عقب تنفيذ حكم الإعدام بحق 9 إرهابيين من قتلة الشهيد المستشار هشام بركات، النائب العام السابق.

فند "بريقع" في البيان الذي نُشر على الصفحة الرسمية لمرصد الأزهر في الساعات الأولى من صباح 24 من فبراير 2019، وبالتحديد في الواحدة وأربعين دقيقة صباحًا، كل المزاعم التي أوردها عناصر الجماعة الإرهابية في بيانهم المُشار إليه سابقًا، واستطاع بعقلية أزهرية وسطية أن يرد على الأكاذيب الإخوانية وأن يفضح فكرهم الإرهابي، مؤكدًا بهذا العمل التاريخي أن الأزهر الشريف مؤسسة وطنية يقف أبناؤها الشرفاء في الصفوف الأولى دفاعًا عن تراب مصرنا الغالية.

وفي غمرة الاحتفاء الداخلي والخارجي بقوة وأهمية توقيت بيان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فوجئ الجميع بالدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر المشرف العام على مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، يطلب رسميًا في26 فبراير 2019 (أي بعد 48 ساعة من صدور بيان الأزهر ضد الجماعة الإرهابية) من الشيخ صالح عباس، القائم بأعمال وكيل الأزهر، إصدار قرار بإلغاء إشراف الدكتور كمال بريقع، على وحدة رصد اللغة الإنجليزية، وإنهاء ندبه بالمرصد، وبالفعل صدر القرار رقم "475" في نفس اليوم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تعني الإطاحة بالدكتور كمال بريقع، كاتب بيان الأزهر ضد الجماعة الإرهابية، انسحاب المشيخة من أرض المعركة التي يخوضها المصريين (حكومة وشعبًا) ضد خوارج العصر؟ والإجابة: بالتأكيد لا؛ فتاريخ الأزهر الشريف الممتد لأكثر من ألف عام يشهد أن أبناء هذا المعهد العريق كانوا -ومازالوا- في طليعة الصفوف المدافعة عن وطننا الغالي، ولا يعني كون قلةٍ من قياداته لم يحسنوا أداء ما أوكل إليهم من مهام التقليل من رسالة الأزهر.

المقالات المنشورة بالموقع تُعبر عن رأي الكتاب ولا تمثل رأي هيئة التحرير

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً