صناعة النحاس من أقدم الحرف اليدوية في مصر وأجملها، وتصنع الأواني والديكورات وغيرها، من اللوحات التي تحكي قصصا تاريخية، والعديد من الإضاءات الجميلة، التي تزين أسقف منازلنا، ويعد العاملين في صناعة النحاس بمصر، من أمهر الحرفيين على مستوي العالم، حيث إنها مهنة متوارثة، وتصل الخبرة عند بعض العاملين بها، إلى أكثر من نصف قرن، ولكن هذه الصناعة كغيرها من الصناعات اليدوية، في طريقها إلى الانقراض، بسبب غزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية بأسعار منخفضة، مقابل ارتفاع أسعار النحاس المصنع يدويا.
من داخل منطقة الحسين، وعلى لسان (كريم) أحد العاملين في صناعة النحاس، (مفيش نحاس مصري)، هذا ما قاله كريم، الذي يعمل في أول مرحلة من مراحل صناعة النحاس منذ 12 عام، وهي مرحلة التقطيع والتخريط، حيث يتم تقطيع النحاس الخام وتشكيله الي قوالب للعمل عليها، وأوضح كريم، أن النحاس المستخدم مستورد، لأنه قابل للتشكيل والعمل عليه في كل المراحل، على عكس النحاس المصري، الذي وصفه بأنه غير قابل للاستخدام إلا في بعض الاشياء البسيطة، مؤكدًا أن المهنة في طريقها إلى الانقراض، بسبب ارتفاع أسعار الخامات، وأن المشكله ليست في الشباب ولكن المشكلة في العمل نفسه.
أما المرحلة الثانية وهي مرحلة اللحام، يتم في هذه المرحلة، لحام القطع ببعضها، حتى تظهر وكأنها قطعة واحدة (الشكل المطلوب)، وقال الأسطي "خالد شعبان" وهو القائم بهذه المرحلة، إن كل الأشكال تمر بالمرحلة الثانية مباشرة، ماعدا الأطباق بجميع أحجامها، حيث يصعب العمل عليها بعد اللحام، ولهذا فإنها تمر بمرحلة النشر والتخريم أولاً، ثم تعود لمرحلة اللحام، وبعد أن يتم لحمها تخرم مرة أخري في منطقة اللحام حتي يتم إخفائه، ومن أهم المشاكل التي تواجه الاسطي خالد هي ارتفاع اسعار الادواد التي يستخدمها في اللحام.
والآن مرحلة (الدق)، ويعمل بها الأسطى حسني منذ 40 عام، ويرى أن هذه المهنة فنية، وتحتاج الي مهارة وهذا هو السبب الرئيسي وراء عمله بها، وفي هذه المرحلة يتم الطرق علي النحاس بعد اللحام حتي يصبح ناعما جدا، وتعود قطعة النحاس الي الدقاق مره أخرى بعد التخريم لكي يقوم بنفس العمل عليها قبل أن تذهب إلي الطلاء والمراحل الأخيرة.
وينتقل النحاس بعد ذلك، إلى مرحلة النقش والتخريم أو النشر، حيث يقوم النقاش بالرسم على النحاس، الأشكال التي يتم تخريمها أو نشرها، ويقوم العامل في مرحلة التخريم، بتفريغ هذه الرسمة عن طريق النقاط المتتالية، أو عن طريق النشر، فيقوم العامل بنشر النحاس وتفريغه، باستخدام الريشة السوسري (تستخدم لنشر النحاس والفضة)، وأوضح الأسطى مدحت أبو المجد الذي يعمل في النشر منذ 15 عام، أن ما يقوم به هو فن وليس مجرد عمل عادي، وأن بعض طلبة الفنون الجميلة، تأتي إليه لتعلم النشر والاستفادة من خبرته، كما قال إن مرحلة النشر ليس من السهل تعلمها، ولذلك لا يستمر أحد معه إلى النهاية، وذلك بسبب عدم الصبر على فترة التدريب لمدة عامين، حتى يتقن العمل في النشر.
بعد هذه المراحل، نصل إلى المرحلة ما قبل الأخيرة، وهي مرحلة التلميع، ويخبرنا حسن الذي يعمل في التلميع منذ 25 عام، أن في هذه المرحلة، يتم صنفرة النحاس بعد التخريم، ويدخل أيضا إلى فرشاء سلك حتى تعطيه بريقا أفضل ويكون جاهز للطلاء.
وأخيرا يذهب النحاس الي المرحلة الأخيرة، حيث يقوم الأسطى عربي عبدالله، يعمل في طلاء النحاس منذ 25 عام، بإعطاء النحاس لونه الأخير، ما بين الأحمر والذهبي والأبيض وغيرها من الألوان، ثم تدخل الفرن لمدة تتراوح ما بين 5-7 دقائق لتثبيت اللون، وبذلك تكون انتهت مراحل تصنيع النحاس، وجاهز لعرضه بالأسواق.
إن صناعة النحاس، التي تعد فناً راقيا في طريقها إلي الإندثار، بعد أن كانت من الصناعات اللامعة في منطقة الحسين، والعاملين بها لا ينامون ليل نهار من كثرة العمل، أصبحت صناعة كبار السن، غلقت ورش العمل، ولا شباب جدد يتعلمون المهنة، بعد أن كانت قائمة عليهم، اختفى الشباب من العمل في النحاس والصناعة في طريقها إلى الانقراض ورائهم، وانتقل المصنعون من الغنى إلى الفقر، بل أن هناك منهم من لا يجد قوت يومه، والأسباب التي أدت إلى ذلك كثيرة، وعلى رأسها غلاء الأسعار فقد تحدث العاملون في جميع مراحل تصنيع النحاس عن أرتفاع أسعار النحاس الخام وارتفاع أسعار الادوات المستخدمة، كما أن انخفاض السياحة، لعب دورا كبيرا في اندثار صناعة النحاس، وذلك لأنها تعتمد بشكل كبير على التسويق والبيع للسائحين، وغزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية، بأسعار رخيصة، جعل النحاس المصنع يدويا، غير قادر على المنافسة لفرق الأسعار الكبير.
والعاملون في صناعة النحاس تائهون في وسط تلك المشكلات، وعاجزون عن المواجهة، والكثير منهم أغلق ورش العمل، والباقون لا يدركون فن التسويق لمنتجاتهم، ولا يوجد أي دعم حقيقي من الدولة لهذه الصناعات اليدوية، من تنظيم معارض وغيرها من الأشياء، التي قد تغير مسار هذه الصناعات من الانقراض، إلى العودة للحياة
والنهوض مرة أخرى.