وقع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الإثيوبى هايلى مريم ديسالين، اليوم الخميس، اتفاقيات فى مجالات التكنولوجيا والزراعة والاتصالات والسياحة والتعليم، وذلك فى ختام جولة نتنياهو الإفريقية التى زار خلالها أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا.
ووفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فقد التقى نتنياهو مع نظيره الإثيوبى ديسالين بأديس أبابا، وعقدا اجتماعا ثنائيا أعقبه اجتماع آخر مع وفديهما، وناقش الوفدان سبل زيادة التعاون الثنائى فى عدد من المجالات.
وأشار نتنياهو - خلال المؤتمر الصحفى الذى أعقب الاجتماعين إلى العلاقات - التى أدعى إنها تمتد إلى ثلاثة آلاف عام مضت - بين الجانبين، مؤكدا ضرورة تعزيز تلك العلاقة التى وصفها بأنها استثنائية، وشدد على مواصلة السماح لليهود الإثيوبيين الموجودين فى إثيوبيا (يهود الفلاشا) بالانتقال إلى إسرائيل، وقال “ علينا (السلطات الإسرائيلية) التزام ونحتفظ بمكان فى الموازنة الحالية.. أنا فخور بمساهمات اليهود الإثيوبيين فى إسرائيل”.
بدوره، دعا رئيس الوزراء الإثيوبى اليهود الإثيوبيين المتواجدين فى إسرائيل إلى زيارة بلاده والاستثمار فيها، بحسب ”يديعونت أحرونوت” التى أشارت إلى أن ذلك يأتى بعد ما تظاهر مئات اليهود (الإثيوبيين - الإسرائيليين) مؤخرا ضد وحشية الشرطة والتمييز بوجه عام داخل المجتمع الإسرائيلى.
على جانب آخر، قال نتنياهو إنه طلب من ديسالين مساعدته فى الضغط على حركة حماس لتأمين إطلاق سراح افرا ماجنيستو الإسرائيلى من أصول إثيوبية الذى عبر الحدود إلى غزة فى سبتمبر 2014، ويُعتقد أنه أُسر من قِبل حماس.
واختتم نتنياهو تصريحاته بالتعبير عن رضاه عن ما زعم أنه “ دعم دول شرق إفريقيا للاعتراف بإسرائيل كدولة بصفة مراقب فى الاتحاد الإفريقى”.
وعقد رئيسا وزراء البلدين منتدى الأعمال الإثيوبى - الإسرائيلى، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن ديسالين قوله - خلال المؤتمر - إن منتدى الأعمال سيضيف “مزيدا من الزخم” لتعزيز العلاقات بين البلدين فى مجالات الاستثمار والتجارة والتكنولوجيا والنقل، مشيرا إلى تزايد الدور والاستثمارات الإسرائيلية فى إثيوبيا خلال الأعوام العشرين الأخيرة.
وتُعد الجولة الإفريقية لنتنياهو الأولى لرئيس وزراء إسرائيلى حالى فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى إفريقيا خلال ما يقرب من ثلاثة عقود، وتسعى تل أبيب لتحسين العلاقات مع الدول الإفريقية التى قطعت أو خفضت مستوى علاقاتها مع إسرائيل فى سبعينات القرن الماضى على خلفية الصراع العربى - الإسرائيلى، ومعارضة الدول الإفريقية للعلاقات القوية بين إسرائيل ونظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا آنذاك، والذى كانت تل أبيب أبرز داعميه، وساعدته فى إنشاء منظومة لقمع أغلبية سكان البلاد من المواطنين الأفارقة.
واستدعت زيارة نتنياهو إلى أوغندا إلى الأذهان “عملية عنتيبى” التى وقعت فى 6 يوليو 1976 ولقى فيها نحو 20 جنديا أوغنديا مصرعهم على يد قوات خاصة إسرائيلية هاجمت مطار عنتيبى لتحرير رهائن كانوا على متن طائرة فرنسية من طراز “أيرباص - ايه 300”، اختطفها عضوان بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمساعدة متضامنين ألمان، في أثناء توجهها من مطار بن جوريون الإسرائيلى إلى مطار باريس، فيما يعد اعتداء على سيادة أوغندا وخروجا على كل الأعراف الدولية بهذا الصدد.
كما أن زيارة نتنياهو لدول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية تمثل خطوة فى سلسلة محاولات تل أبيب لتحسين موقفها فى دول إفريقيا ومحو صورتها كداعم رئيسى لنظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا الذى قاطعته كل دول العالم تقريبا، هذا التعاون والدعم الاسرائيلى لنظام الأبارتايد يشكل ألما تاريخيا لن ينمحى من ذاكرة الشعوب الإفريقية، وما زالت حقائقه ماثلة للعيان باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، فقد استعرضت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية - فى تقرير نشرته بالتزامن مع رحيل نيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا الأسبق ومحررها من الفصل العنصرى - العلاقات الأمنية المتميزة التى ربطت بين تل أبيب وبريتوريا، وأشارت إلى أن نظام الأبارتايد كان الزبون الأكبر والأكثر أهمية للصناعات العسكرية الإسرائيلية على مدى نحو عقدين، وهو الذى موّل عددًا من المشاريع الكبرى والأكثر طموحًا فى هذه الصناعات.
وأكدت “هآرتس” - فى تقريرها المشار إليه - أن جنوب إفريقيا أيام الحكم الأبيض كانت “زبونًا أسيرًا” للصناعات العسكرية الإسرائيلية ؛ وأن تل أبيب لم تتردد فى المبادرة بتوريد السلاح للنظام العنصرى عقب منع الدول الغربية تزويده بالسلاح الذى كان يستخدم لقتل المواطنين الأفارقة، وأنها حلت مكان الغرب كمصدر أول ووحيد لتسليح جيش جنوب إفريقيا.
وحاول نتنياهو - خلال زيارته لإثيوبيا - الظهور كنصير لليهود الفلاشا (اليهود من أصل إثيوبى)، للتغطية على العنصرية الشديدة التى يتعامل بها المجتمع والسلطات فى إسرائيل معهم، وهو ما تجلى فى تظاهراتهم الأخيرة التى فجرها قيام ضابطى شرطة إسرائيليين باعتراض شاب (19 سنة) من اليهود الفلاشا والاعتداء عليه دونما سبب، وتعاملت معها الشرطة الإسرائيلية بعنف شديد.
وبرغم كلمات نتنياهو “الرقيقة” فى حق الفلاشا، إلا أن تقريرا حديثا بثته هيئة الإذاعة البريطانية كشف أن الحكومة الإسرائيلية تنشئ مدارس خاصة بأطفال الفلاشا وحدهم وأن نسبة من يلتحقون منهم بالمدارس العامة تبلغ 2% فقط، ما يشكل تكريسا للعنصرية فى المجتمع، كما أن وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أكدت - فى تقرير - أن 5ر38% من يهود الفلاشا يعيشون تحت خط الفقر، وأنهم يحصلون على أجور تقل بنسبة 40% من معدل الأجر العام للإسرائيليين.
والتحركات الإسرائيلية لتحسين العلاقات مع القارة الإفريقية تمثل نموذجا لمحاولة “الخروج من الجلد” لأن إسرائيل التى تمارس العنصرية بشكل دائم تحاول محو صورتها التى تثبتها وقائع تاريخية عبر تحركات ديبلوماسية واتفاقيات تكرس لصورة جديدة تتنافى مع مسلكها، منذ إنشائها، مع إفريقيا ودولها.