تمتلئ محافظات مصر بالسيدات اللائى يكافحن من أجل الحفاظ على أسرهن، لاسيما الإسكندرية مارية مصر، من بينهن الست «أم صابرين» بائعة الشاى في منطقة بحرى، والتي تنظم رحلات للتنزه بالمركب.
بعدها أصيب زوجها بمرض في عينيه، مكث خمس أشهر داخل المستشفى للعلاج. وبعد خروجه من المستشفى، منعه مرضه من ممارسة عمله كصياد؛ مما ألجأه إلى استخراج معاش من الشئون الاجتماعية، قدره 430 جنيهًا، والتوقف على العمل.
حاولت «أم صابرين» أن تتعايش كأي زوجه مصرية أصيلة بمعاش زوجها، لكن في ظل ارتفاع الأسعار المتسارع منذ خمسة أعوام، عجز المعاش عن سد احتياجات المنزل الأساسية، وتعليم نجلتها الوحيدة «صابرين»؛ مما اضطرها إلى التوجه للعمل مكان زوجها المريض.
يقول أحمد عادل، صاحب مركب كروة عن أم صابرين: «ستّ جدعة وشقيانة وشايلة جوزها، وما بتقصرش معانا، ولو آخر جنيه أو فى لقمة ببيتها، تقسمها معانا».
أما الشيخ موسي، الذي تعتبره «أم صابرين» جدها، فيقول «15 سنة عِشرة مع أم صابرين ما شفناش منها غير كل خير». لكنها كانت تنظر لهذه العلاقات بمنظور مختلف تمامًا، قائلة: «كلنا هنا غلابة، والناس الغلابة بيحسُّوا ببعض، وبيحنُّوا على بعض. بس برضه فيه ناس ولاد حلال بيحنُّوا علينا كتير».
تقول «أم صابرين» خلال حديثها لـ«أهل مصر»: «إحنا طول الشتا بنبات في بيت الحجاري. أما في الصيف فبننام في كشك البحر». مشيرة إلى أن الكشك صغير مشيد من خشب المراكب القديمة، لا تتعدى مساحته 20 مترًا، ويحتوى على كنبة صغيرة وكرسي من البلاستيك.
وتضيف: «طول الأجازة ما باعرفش أنام عشان دوشة البحر». أما عن أحلام تلك الطفلة التي تتربى بين الصيادين وأمام بحر إسكندرية الواسع، فتقول «نفسي في لِعَب». فهى تحلم بلعبة كباقى الأطفال من عمرها. ونظراً للظروف المعيشة الصعبة لأسرتها تُحرَم منها.
نزلت «أم صابرين» إلى شاطئ بحرى؛ لتقف بجانب صيادي الأسماك، تبيع لهم الشاى، وتساعد أصحاب مراكب وقوارب كروات (الكروة نزهة بالقارب) فى تنظيم رحلاتهم كي تزيد من دخلها.
ونجحت «أم صابرين» في تكوين روابط قوية بين الصيادين وأصحاب المراكب، وجعلت منهم عائلة واحدة، فهى تعد لهم طعام الفطور على السبرتاية الصغيرة التي تعد عليها أكواب الشاى، وكان من المدهش تلك العلاقة التى تربط «أم صابرين» بكل سكان بحرى وصياديها.
«أم صابرين» حفرت معالم الشقاء والمشقة تجاعيد وجهها النحيل الجاف من شمس رصيف البحر، الذي تعمل عليه طيلة النهار منذ 15 عامًا. تحلم ببيت صغير آمن لزوجها وابنتها ونفسها من الموت.. بيت لا تخشى أن ينهار عليهم وهم نيام.
حيث تسكن داخل منزل متهالك ومعرض للانهيار بمنطقة الحجاري، وقام حى الجمرك بإخطارهم بضرورة إخلاء المنزل منذ عام 2005، وأخذوا توقيعاتهم على عدة استمارات، واعدين إياهم بأن يأخذوا مسكنًا جديدًا بأحد مساكن المحافظة، لكنهم لم يأخذوه حتى الآن. وكلما توجهوا للحى بشكوى أو طلب، يتحججون بأنه ليست هناك وحدات سكنية فارغة؛ مما ألجأ عائلة «أم صابرين» للاستمرار بالسكن في المنزل المتهالك، وما كان من الحى إلا أن قام بأخذ توقيعاتهم على وثائق تُخلِى مسئوليته إذا انهار عليهم العقار، وإقرار بأنهم مسئولون مسئولية تامة عن أرواحهم.
«أم صابرين» واحدة من بطلات مصر، أنجبت بطلة صغيرة، تحلم بإكمال تعليم ابنتها وبيت آمن، وأن تأكل لقمة عيش من عرق جبينها.. فهم يحلمون بمقومات حياة كالتي يعيشها أى شخص طبيعي. ويبقى في النهاية «الرضا».
واختتمت «أم صابرين» حديثها: «ربنا بيبارك في الخمسة جنيه اللى بيدِّيها لي كل صياد من الشاى والنزهة، وبادعي ربنا يستَّر لى صابرين، ويدِّيني أوضة كويسة أنام فيها بأمان».
«أم صابرين» في العقد الرابع من عمرها، الأخت الوسطى من بين تسعة إخوة أيتام يعيشون في غرفة داخل شقة يتقاسمونها مع جيرانهم بالمنازل القديمة في منطقة الحجارى ببحرى بمحافظة الإسكندرية.
تزوجت «عصام» صياد سمك على باب الله، كما ذكرت، يخرج صباحًا، ويعود لمنزله حاملاً ما رزقه الله به لزوجته. و بعد أعوام كثيرة رُزِقا بابنتهما الوحيدة «صابرين»، التى تبلغ الآن تسع سنوات.