اعتقد الأمريكيون السود، أنه بتولي باراك أوباما منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإنهم سيتخلصون من المعاملة "العنصرية" التي يعانون منها على يد البيض، لكن يبدو أن الأمر كان معقدًا أكثر مما تخيلوا، فمع انتهاء ولاية أوباما، وهو على مشارف مغادرة البيت الأبيض مازالت العنصرية تأخذ طريقها ضد السود، من أحد أجهزة الدولة، مما جعل الرئيس الأمريكي يقول إن إطلاق النار على السود من قبل الشرطة مدعاة للقلق.
وقبل ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية في أمريكا، والتي يسعى فيها المرشحون لكسب أصوات السود في الانتخاب، وذلك بعد ان أصبح لهم الحق في التصويت، منذ بداية الستينيات عندما وقع الرئيس ليندون جونسون القانون المتعلق بالحقوق المدنية عام 1964 نتيجة لجهود كبيرة قام بها الناشطون والمدافعون عن الحريات المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أسفرت عن منح السود حقوق التصويت ونتيجة لانخراطهم في العمل السياسي، فقد انتمى معظم السود إلى الحزب الديمقراطي منذ نهاية الخمسينات. وانتمت نسبة قليلة جداً منهم إلى الحزب الجمهوري.
ويقول رون والترز Ron Waltrs - في كتابه "الحرية وحدها لا تكفي "Freedom Isn't enough"، أن الأمريكيين الأفارقة قرروا دعم الحزب الديمقراطي، حيث تبنى الديمقراطيون سياسات تشتمل على دعم الفئات الاجتماعية "المهشمة" ومراعاة البعد الاجتماعي.
«كلينتون وترامب.. وفلسفة التنديد»
واجه ترامب انتقادات تتهمه بالعنصرية والانحياز للبيض على حساب السود، بعد أن قدم التعازي لضحايا الشرطة في مقتل 5 من أفرادها، وقال ترامب، في منشور على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك :“الصلوات والتعازي لجميع أسر من تضرروا بشكل بالغ من تلك الفظائع التي نشاهدها جميعاً وهي تحدث في بلادنا.
فيما علقت المرشحة المحتملة والمنافسة الأقوى لترامب، هيلاري كلينتون، معربة عن قلقها بشأن مقتل الأمريكيين السود، وقالت "لقد خسرنا العديد من الشباب والشابات السود.
«هل تتغير خريطة دعم السود»
ذكر إيرل بلاك وميرل بلاك، في كتابهما " أمريكا المنقسمة: الصراع العنيف من أجل القوة في الحياة السياسية الأمريكية" "Divided America, The ferocious power struggle in American politics" ، أن تأييد السود للحزب الديمقراطي، وصل منذ عام 1968، إلى نسب مرتفعة واستقر على ذلك نتيجة للإدارة المجتمعية الجديدة للرئيس جونسون، ففي الفترة من 1984 وحتى 2004 بلغ تأييد السود للديمقراطيين حوالي 78%، بزيادة 44 نقطة عن نظرائهم "البيض" المؤيدين للحزب الديمقراطي خلال نفس الفترة.
وبحسب ما ذكرته مجلة نيويورك تايمز، لم يقل تأييد الأمريكيين الأفارقة للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1976 وحتى عام 2004 عن 83%، في حين لم يتجاوز تأييدهم للمرشحين الجمهوريين 16%.
«تحدي أوباما وكلينتون»
خلال الانتخابات الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن أمام الأمريكيين الأفارقة اختيارًا يصب لصالح حزب معين، لأن الصراع كان بين مرشحين من نفس الحزب، وكلاهما ينتمي للمعسكر الذي يدعمه السود.
ورغم أن كلينتون لم تكن تتوقع خسارة دعم السود، لكن حلم أن يكون رئيس الولايات المتحدة من ذوي البشرة السوداء، حسمت الأمور لصالح أوباما، وأصبح أوباما أول رئيس امريكي من أصل أفريقي، علق عليه الأمريكيين الأفارقة آمالًا كبيرة في تغيير نظرة البيض لهم، والاهتمام بقضايا التعليم والصحة.
«عودة الصراع الحزبي»
ومع موسم جديد من الانتخابات عاد الصراع الحزبي مرة أخرى، فتنتمي هيلاري كلينتون إلى الحزب الديمقراطي، الأكثر دعمًا من الأمريكيين السود، وعلى الجانب الآخر ينتمي أكثر منافسيها شراسة دونالد ترامب، إلى الحزب الجمهوري، والذي يسعى للعودة إلى منصة الحكم، وهو ما يطرح تساؤلًا هل سيستمر دعم الأمريكيين من أصول أفريقية في دعم الحزب الديمقراطي ومرشحته كلينتون، أم أنه قد يحدث تغيير في خريطة دعم السود، ويفكرون في دعم مرشح آخر للرئاسة.
«تاريخ كلينتون أمام تصريحات ترامب»
أثارت تصريحات ترامب غضب الكثيرين عدة مرات، ولعل أكثر تلك التصريحات ضجة كانت تتعلق بالمسلمين، وهو ما يضع تساؤلات كثيرة حول تعامل ترامب مع غير المسيحيين، وخاصة المسلمين، حيث وصفت تصريحاته بأنها عنصرية، حيث قال البيت الأبيض -وقتذاك - إن " تصريحاته مسيئة وتسمم الأجواء، ولا تمنحه أهلية شغل منصب الرئيس" وهو ما يجعل قرار الأمريكيين السود من دعمه ليس بالقرار السهل.
وعلى الجانب الآخر تحظى المرشحة الرئاسية المحتملة كلينتون، بشعبية بين السود، وذلك لعدة أسباب منها أن زوجها بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق، يعد الرئيس الأكثر شعبية على الإطلاق وسط الأمريكيين الأفارقة، إلى درجة اعتبارهم إياه أول رئيس "أسود" للولايات المتحدة، كما أن كلينتون لها تاريخ كبير كناشطة في مجال الحريات المدنية ذو الأهمية الكبرى لدي السود، كما تحظى هيلارى بدعم كبير من الأمريكيات ذوات الأصول الإفريقية.