رغم ما يذهلنا به العالم كل يوم من تقدم في شتى المجالات سواء التكنولوجية أو العلمية أو الهندسية، يظل انبهارنا أشد بما قدمه له الماضي خاصة إذا اتسم بالدقه التنفيذية والهندسة المعمارية لأبنية لا تزال ماثلة أمام أعيننا وشاهدة على عظمة حضارة الأجداد، ومن هذه الأماكن الأثرية التي تستحق الإشادة لروعة تصميمها "مقياس النيل".
قياس منسوب مياه نهر النيل
تم بناء مقياس النيل في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله، من قبل المهندس أحمد بن محمد الفرغاني من مدينة "فرغانة" بأوزبكستان، وأنشأ المقياس عام ٢٤٧هـ، ٨٦١م، لقياس مستوى منسوب مياه نهر النيل، وكان السد العالي يستخدم في القياس قبل بنائه ويقتصر استخدامه حاليا كمزار أثري تابع لوزارة الآثار.
"مقياس النيل" عبارة عن بئر مكون من ثلاثة مستويات، المستوى الأدنى دائري يعلوه مستوى مربع، يعلوه مربع كبير، ويتصل بنهر النيل من الجهة الشرقية من خلال ثلاث فتحات، يعلو هذه الفتحات عقود مدببة ترتكز على أعمدة مدمجة في الجدران، ذات تيجان وقواعد ناقوسية، ويتوسط البئر عمود رخامي مثمن القطاع يعلوه تاج روماني، يرتكز على قاعدة من خشب الجميز تعلوها قاعدة حجرية، ومثبت بالعمود من الأعلى كاميرا من الخشب مزينة بنقوش كتابية بالخط الكوفي، ويبلغ طول العمود ١٩ ذراعا والقياس المثالي لمنسوب المياه هو ١٦ ذراعا، ويجري حول جدران البئر من الداخل درج يصل إلى القاع.
ثاني أقدم أثر إسلامي بعد جامع عمرو
قال أحمد عباس مفتش آثار: مقياس النيل يعتبر ثاني أقدم أثر إسلامي بعد مسجد عمرو بن العاص، كما كان يستخدم في فرض الضرائب على المحاصيل الزراعية، وتقاس بنسبة فيضان الماء أو انخفاض في منسوب المياه، ويحدد أيضا أنواع المحاصيل الزراعية المناسبة للزراعة في هذه السنة.
وأشار "عباس" إلى الكتابات الشريطية الموجودة على جدران المقياس والمكتوبة بالخط الكوفي وهي أقدم كتابات موجودة في مصر بهذا الخط، وكل هذه الكتابات عبارة عن آيات قرآنية، هذه الآيات لها علاقة بالماء أو ذكر فيها، وقامت الحملة الفرنسية عند قدومها إلى مصر برفع هذه الكتابات في كتاب "وصف مصر" ، كما يوجد على جدران المقياس لوحات وصفية للكتابات الموجودة، بالإضافة إلى لوحات أخرى توضح الشكل التفصيلي للمقياس.