جاء تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ختام فعاليات ملتقى الشباب العربي والإفريقي الذي أقيم بمحافظة أسوان في مارس الماضي، على أن المرحلة المقبلة ستشهد اهتمامًا بالبحث العلمي، ليفتح آفاقًا جديدة للباحثين والعلماء المهتمين بهذا الشأن، وينتقل بمصر إلى مرحلة مستقبلية تعتمد على العلم، وقد واكب هذا التوجه الرئاسي ما تم طرحه في المنتدى العالمي للتعليم العالي الذي نظمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال الأيام الماضية.
وفي هذا السياق التقت "أهل مصر"، بالمتحدثة الرسمية لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، للتعرف عن قرب على الأبحاث والاختراعات والابتكارات التي يسجلها علماء مصر في مختلف المجالات العلمية، وتسليط الضوء على التسهيلات التي تقدم للمخترعين، والوقوف على أبرز المعوقات التي تقف حائلًا أمام تحويل أبحاثهم إلى مشاريع على أرض الواقع.
وعاء الفكر الوطني
في البداية تقول شيرين صبري، المتحدث الرسمي لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، إن الأكاديمية الوطنية لمصر في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار هي بيت الخبرة ووعاء الفكر الوطني، وهي المعنية بالتخطيط الاستراتيجي وإعداد خرائط الطريق التكنولوجية والدراسات المستقبلية وتقديم الاستشارات العلمية المجردة للحكومة ولصناع القرار بشأن القضايا المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا في مصر والعالم، وهي مؤسسة عملاقة متعددة المهام، أنشئت عام 1971 لتكون بمثابة المؤسسة الوطنية المعنية بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار على غرار الأكاديميات في أوروبا الشرقية آنذاك والأكاديمية الصينية للعلوم حاليًا.
وأوضحت المتحدثة الرسمية لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن الأكاديمية تقترح المشروعات والمبادرات والحملات القومية والتكنولوجية وتمول تنفيذها من خلال فرق وتحالفات بحثية قومية وتتابع التنفيذ وتسوق المخرجات بما يساهم فى حل المشاكل القومية والملحة والضاغطة، وتعمل أيضًا على التوظيف الفعال للطاقات العلمية والتكنولوجية وتوجيهها نحو خدمة القضايا التنموية، وتدعيم الروابط وتقوية التلاحم بين مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجى وجهات الإنتاج والخدمات، والعمل على إشراك القاعدة العلمية والتكنولوجية في النقل المؤثر للتكنولوجيات المتقدمة، وتعميق الاتصالات وتنمية التعاون الثنائي والإقليمي والدولي مع الأكاديميات المناظرة والاتحادات العلمية الدولية على المستوى العالمى في مجال البحث العلمي وتنمية التكنولوجيا مع مراكز التميز العلمي والتكنولوجي.
تنمية الابتكارات الوطنية
وتشير "صبري"، إلى أن أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا تضلع بدور تنمية الابتكارات الوطنية لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في إطار من حماية حقوق الملكية الفكرية، وتواصل الأكاديمية مسيرتها في خدمة مجتمع البحث العلمي في مصر من خلال تشكيلاتها العلمية (20 مجلسا نوعيا تغطى جميع مناحى العلوم والتكنولوجيا بما فى ذلك العلوم الاجتماعية والانسانية)، ولجانها القومية والتى يناهز عددها نحو ثلاثين لجنة، إضافة إلى أكاديمية الشباب المصرية للعلوم وتضم فى تشكيلاتها المختلفة 800 عالم من خيرة علماء مصر وخبرائها من الجامعات ومراكز البحوث والوزارات المختلفة.
وتؤكد المتحدث الرسمي لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن مهام أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولًا: التخطيط والتمويل والتنسيق والمتابعة لبرامج التنمية التكنولوجية والمشاريع القومية.
ثانيًا: تشجيع البحوث في المجالات الأساسية والمتقدمة بما يخدم أولويات التنمية الوطنية.
ثالثًا: دعم التميز العلمي للأفراد والمؤسسات.
رابعًا: دعم وتطوير الاتحادات العلمية ومراكز التميز.
خامسًا: عقد الشراكات والاتفاقيات العلمية مع الأكاديميات الدولية المماثلة والكيانات ذات الصلة.
سادسًا: إنشاء نظام وطني لجمع ونشر واستخدام البيانات العلمية والتكنولوجية، من خلال تطوير الشبكات وقواعد البيانات من الأنشطة العلمية، والمؤسسات، وقدرات البحث والتطوير التكنولوجي.
سابعًا: سد الفجوة بين البحث العلمي والقطاع الخاص.
ثامنًا: رفع مستوى الوعي العام الوطني بأهمية البحث العلمي والتكنولوجيا، من خلال برامج النشر ودعم وتحديث المتاحف العلمية والمعارض.
تاسعًا: تشجيع مشاركة المرأة والشباب في العلم والتكنولوجيا والقيادة العلمية.
مكونات الأكاديمية
وأوضحت "صبري" أن الأكاديمية تتكون من المجالس النوعية، واللجان القومية، وأكاديمية الشباب المصرية للعلوم، ومراكز البحوث والتنمية الإقليمية المتواجدة بمحافظات ومدن: سوهاج، والوادي الجديد، وطنطا، والزقازيق، ومطروح، ودمياط، والإسماعيلية، والسويس، إضافة إلى 44 مكتب لنقل التكنولوجيا، وجهاز دعم الابتكار، ومكتب براءات الاختراع المصرى ونقاطه الفرعية التى تغطى معظم الجامعات والمراكز البحثية، وقطاع العلاقات العلمية والثقافية، ومركزي الأجهزة العلمية والتوثيق العلمي، والشبكة القومية للمعلومات، وإدارة الجوائز والمنح، والمكتب الفنى للمتابعة وتقييم الأداء، ووحدة الابتكار والتعاون الأوروبي، والمرصد المصري لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وشبكة الحاضنات التكنولوجية، والجهاز المالي والاداري والقانوني المعاون.
وحول وجود إحصائية بعدد الأبحاث التي تقدم إلى الأكاديمية؛ أكدت شيرين صبري، أن هناك الكثير من الطلبات للحصول على براءات اختراع من الجامعات والمراكز البحثية ومن الأفراد وبلغ عدد طلبات براءات الاختراع للمصريين 4034 طلب، ولغير المصريين 6650 طلبًا، في آخر خمس سنوات وتم إصدار عدد 410 براءة اختراع للمصريين، و1974 براءة لغير المصريين خلال آخر خمس سنوات من خلال المكتب المصري للاختراعات.
البحث العلمي لخدمة أهداف التنمية
وأشارت، إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تولي أهمية قصوى لتوجيه البحث العلمي لخدمة أهداف التنمية واحتياجات المجتمع، وهي الرسالة التي تتبناها الأكاديمية وتعمل عليها منذ أربع سنوات، حيث أطلقنا مجموعة من المبادرات والمشروعات القومية الكبرى بالتعاون مع الصناعة والوزارات الأخرى والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وبدأت هذه الخطة تؤتى ثمارها، ولدينا الكثير من النماذج الموثقة والتي تم تطبيقها على أرض الواقع، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: برنامج التحالفات التكنولوجية، وهو البرنامج الأكبر والأول في تاريخ منظومة البحث العلمي المصرية، ويهدف إلى إنشاء تحالفات وتكتلات وطنية من الجامعات والمراكز والمعاهد البحثية والوزارات المعنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني بهدف تعميق التصنيع المحلى وإنتاج تكنولوجيات وطنية والقضاء على ظاهرة العمل في جزر منعزلة ومتوازية، وبلغ الدعم المالي الذي تقدمه الأكاديمية لهذا البرنامج أكثر من 175 مليون جنيه مصري، وخلال عام واحد فقط من بدء تنفيذ البرنامج تم التوصل إلى العديد من الإنجازات منها:
تصنيع محلى لعدادات زكية وتم توريد أول الشركة القابضة للكهرباء لتجريب المنتج المصري وهى نقلة نوعية كبيرة في مجال صناعة الإلكترونيات ويشارك في هذا المشروع علماء من كليات الهندسة بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية ومعهد بحوث الالكترونيات ووزارة الإنتاج الحربي والمصانع التابعة لها، إضافة إلى تطوير بصمة رادارية للآثار المصرية التي تسافر خارج البلاد للعرض حيث توجد بصمة مميزة لكل قطعة أثرية وبالتالي يستحيل التلاعب ودس القطع المقلدة وذلك بالتعاون مع وزارة الآثار، وهناك أيضًا تصنيع قطع الغيار اللازمة للسكك الحديد والمطاحن ومحطات توليد الكهرباء ويشرف على هذا المشروع معهد بحوث الفلزات، وتصنيع مضخة الجهد العالي محليا وهى أحد أهم المكونات في مجال صناعة تحلية المياه ويشرف على هذا المشروع معهد بحوث الصحراء والوصول إلى حوالي 35% من تكنولوجيا تصنيع الأغشية المستخدمة في تحلية المياه، وكذلك التوصل إلى ابتكار عالمي في مجال تصنيع الأسمدة بطيئة التحلل باستخدام تكنولوجيا النانو ويشرف على هذا المشروع مدينة زويل للأبحاث وتوفر هذه التكنولوجيا حوالي 50% من الأسمدة المستخدمة حاليا حال تطبيقها.
حملات قومية للنهوض بإنتاجية الغذاء
ومن النجاحات التي حققها برنامج التحالفات التكنولوجية، برنامج الحملات القومية للنهوض بإنتاجية الغذاء بالتعاون مع وزارة الزراعة والقطاع الخاص المعنى بالمعدات الزراعية حيث تم بالفعل تطوير أنواع من الأرز الهجين عالية الإنتاجية ومبكرة النضج وتوفر حوالي 20% من المياه وتم الإنتاج والتسويق على نطاق تجريبي وتم تطوير نوع جديد من الصوامع البلاستيكية محليا بالتعاون مع القطاع الخاص حيث تقل تكاليف التخزين وجودة ودقة مراقبته مقارنة بالصوامع المعدنية وتم تصنيع قطع غيار المعدات الزراعية كما تم تصنيع محلى لمقطورة زراعية ونقل ووزن واختبار جودة الأقماح وبالتالي تقليل الفاقد أثناء عمليات النقل والتخزين، وتدعم الأكاديمية هذا البرنامج بحوالي 100 مليون جنيه.
وهناك أيضًا، البرنامج القومي للحاضنات التكنولوجية (انطلاق) حيث تم إنشاء 17 حاضنة تكنولوجية عامة ومتخصصة في كل أقاليم مصر وتوفر للمبتكرين الدعم المادي والفني ودراسات الجدوى والتسويق والتسجيل بحيث يدخل الشاب الحاضنة بفكرة مبتكرة يتخرج منها رجل أعمال لدية شركة تكنولوجية تنتج منتج صنع في مصر وتم تخريج 58 شركة بالفعل البعض منهم ينتج منتجات تصدر إلى 11 دولة حول العالم وهى في مجال الأجهزة الطبية وحصلت منتجاتها على اعتماد من الاتحاد الأوروبي ويعمل في هذه الشركة حاليا أكثر من 30 مهندس ومحاسب.
ميزانية البحث العلمي
وتؤكد المتحدثة الرسمية لأكاديمية البحث العلمي، أن ميزانية الأكاديمية الاستثمارية المخصصة للصرف على مشروعات البحث العلمى والابتكار تبلغ 250 مليون جنيه مصري، إضافة إلى الحصول على مشروعات تنافسية ومنح من الاتحاد الأوروبى وبعض الجهات المانحة تصل إلى 50 مليون جنيهًا.
وأشارت إلى مجال البحث العلمي والابتكار في مصر لم يشهد طوال تاريخه دعمًا مثل يشهده خلال هذه الأيام؛ فالرئيس السيسي شخصيًا يدعم المبتكرين، ويكفي أن أول مبادرة طرحها الرئيس بعد انتخابه كانت بعنوان: "نحو مجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر"، كما كان أول مشروع قومي تبناه هو بنك المعرفة المصري، ومن جانبنا نحن نسير في نفس الاتجاه؛ فعلى سبيل المثال: ندعم المشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية، ونتبنى تمويل تنفيذ النماذج الأولية للاختراعات (برنامج طبق فكرتك)، كما أطلقنا أكبر برنامج قومي للحاضنات التكنولوجية لاحتضان الأفكار المبتكرة وتحويلها إلى منتجات ودعم الابتكار الواحد بحوالي 200 ألف جنيه، وتم دعم ما يقرب من 100 ابتكار، ونقيم معرض دولي للابتكار في نوفمبر من كل عام، وأسسنا بنك الكتروني للابتكارات ليكون بمثابة سوق الكتروني للابتكارات طوال العام، وأطلقنا برنامج مسابقات تليفزيوني بعنوان: "القاهرة تبتكر"، ومسابقة رالي القاهرة للسيارات الكهربية محلية الصنع، والقائمة طويلة وباختصار أكثر من 70% من تمويل الأكاديمية موجه للابتكار والتنمية التكنولوجية.