بائعو القطار..أطفال «لفظهم» التعليم.. «أحمد»: وحشتني المدرسة .. يونيسيف: أكثر من 53 ألف طفل متسرب في 2015 ..وخبير تربوي: الفقر يجعل الأطفال جزء من دخل الأسرة والتعليم «مبقاش أملة»

بين آلاف مرتادي السكة الحديد، وخاصة رصيف الخط الثالث للقطار، وعلى الاتجاهين المختلفين بين بحري وقبلي، تلحظهم يتحركون بخفة كأنهم يتبارون في مباراة أو سباق، وبمجرد أن تركب عربة القطار، لن تستطيع أن تغفو عينيك أو أن تنعم ببعض من الهدوء بسببهم، فصوتهم لا يمت لأحجامهم أو حتى ملامحهم بأي صلة تذكر.

صوت يرن بشيئ من الجرأة يتخلله خوف مكتوم:"أحمد خلي بالك القطر هيتحرك نط بسرعة وأوعى الظابط يشوفك ولا توقع الحاجة اللي معاك".

«القطارات لا تقود للموت فقط»كان الصوت المحذر لـ«عبد الله»، الذي فضح خوفه من أي أذى يلم بصاحبه، سببها أن صرخات ركاب القطار التي خرجت في إحدى الحوادث مازالت عالقة في ذهنه.عبد الله، يحمل على ظهره "برميل" ماء مغلي، يكاد يصل إلى قدمه بسبب قصره، وحوله بإحكام لُف "استيك" ثبت به "أكواب" بلاستيك يبيع فيها الشاي.في قطارات «الاكسبريس» التي غالبًا ما يرتادها بسطاء الحال ومحدودي الدخل، ليحلوا في القطار ركابًا- جالسين أو واقفين أو متزاحمين حتى الأبواب المتهالكة- يحاولون بين حين وآخر إفساح المجال لـ«أحمد» و«عبد الله»وغيرهم من بائعي القطار، الذين تختلف أعمارهم لكن أغلبهم ما بين الـ 10 إلى 17 عام، ومعهم بعض كبار السن أيضًا.«عبد الله» عمره 13 عامًا، يخصص له والده محطات معينة يعمل فيها، فيركب من محطة الجيزة "فهو يقول إنه لا يمكنه دائمًا الركوب من محطة رمسيس بسبب الأمن" ثم يكمل إلى العياط أو الواسطى ثم يعود في القطار الذي يتخذ الخط العكسي.يصب «عبد الله» كوبًا من الشاي لأحد زبائنه، وبنظرة جانبية يقول :«أنا عيلتي كلها بتشتغل في القطر، ساعات بخاف يحصل حاجة، بس أكل العيش بقا، وأناكل عيلتي معايا هنا».اعتدنا على حوادث القطارات كواحدة من كوارث النقل في مصر، وخاصة القطارات، والتي تتسبب في إزهاق أرواح ضحاياها مرة تلو الأخرى، لكن هناك نوع آخر من الخسائر أيضًا تجمعها القطارات داخلها، بمفهوم جديد للطفولة قال عبد الله: «مين مش عاوز اللعب والراحة .. ولكننا اتعلمنا نلعب برضه في القطارات، وبضحكة ساخرة قال :احنا بنلعب مع الشرطة لعبة "بوليس وحرامي" وغالبًا بنفوز".«حكاية أحمد والقلم»بعد أن انتبه لتحذير «عبد الله» وتمكن من صعود القطار قبل أن يتحرك، متجهًا ناحية الصعيد، حمل «أحمد» بضاعته التي تتلخص في أكياس الشيبسي وعلب العصير وزجاجات الماء والسجائر طبعًا- أكثر طلبات المسافرين بالقطار المتواضع ركابه- بدأ يشق طريقه بين الركاب.استمع «أحمد» لحديث عبد الله، الذي قال أنه لم يذهب إلى المدرسة ولم يفكر أن يذهب إليها قط، وقال :«بس يا واد يا عبد الله أنت مش عارف المدرسة دي حاجة حلوة ازاي».وتابع:« ذهبت إلى المدرسة حينما كنت صغيرًا، كان لدي شنطة جيدة وأقلام أحافظ عليها، وكان لدي أصدقاء".لمعت عينا «أحمد» ذو الـ11عامًا، وفي غضون لحظة قرر أن يتخلى عن "شيلته" التي يبيع منها العصائر والماء والبسكوت لركاب القطار، ويجلس في المقعد المقابل لراكب سأله «كنت شاطر؟» لير عليه بثقة :«أه كنت شاطر وخطي كان حلو أوي».وما إن أخرج له الراكب ورقة وقلمًا لم يستطع «أحمد» منع روحه من مجاراة حنينه للقلم، لمعت عيناه وأخذ الورقة والقلم، وراح يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" ...ووسط انبهار الحاضرين في حلقة القطار، أخذ يقلب الصفحات ويزخرف كتابته في كل مرة بشكل أجمل وأبهى.ثم وضع القلم، وقال :"كنت أتمنى أن أكمل تعليمي لكن أبي يحتاج إلى مساعدة في جني المال ولي 3 أخوات بنات يدرسون وأتمنى أن يكملوا تعليمهم، الولد يقدر يشتغل اي حاجة، بس برضه كان نفسي أتعلم.. أنا بكتب انجليزي كمان ".ومن بين 21 مليون طفلًا معرضون لخسارة التعليم في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وفقًا لما ذكرته يونيسيف في 2015، فقد «أحمد» في القطار مدرسته التي يفتقدها الآن، فقد معها أحلامًا ربما تراود خياله تلك الفترة دون أن يعلم أنه لن يكون الطفل الأخير الذي ترك مدرسته كما لم يكن الأول، فحوالي 320 ألف طفل في مصر في سن المرحلة الإبتدائية للتعليم لكنهم خارج المدرسة، لأسباب مختلفة ومتعددة واحتمالية زيادتهم مستمرة خاصة الأطفال المنتمين للأسر الأكثر فقرًا وهو العدد الذي ذكرته حملة يونيسيف لمناصرة العدل من أجل حياة أفضل للأطفال في 2015، ، في حين تشير الإحصاءات إلى أن نحو 1.6 مليون طفل في عمر 5 : 15 عام ينخرطون في عمالة الأطفال في مصر وأغلبهم يعملون في ظروف خطرة.وفي تقرير «يونيسيف مصر» الصادر في 2015، فإن نسبة تسرب الطلاب في المرحلة الابتدائية تقترب من 53ألف و283 طفل ، أغلبها من الذكور بواقع 32 ألف و527 طفل ذكر.وبحسب مدونة اليونبيسيف، فإن هناك ملايين الأطفال يعملون لمساعدة أسرهم بطرق لا تنطوي على ضرر أو استغلال. ومع ذلك، تشير تقديرات اليونيسف إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عامًا في البلدان النامية، وحوالي 16 في المائة من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال.وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عامًا يعملون ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في جميع أنحاء العالم، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعمل واحد من كل 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام 17 عامًا، مقارنة بواحد من كل 8 أطفال في آسيا والمحيط الهادي وواحد من كل 10 أطفال في أمريكا اللاتينية.وعلى الرغم من أن الأرقام الإجمالية تشير إلى أن الفتيان المنخرطين في عمالة الأطفال أكثر من الفتيات، إلا أن العديد من أنواع الأعمال الذي تنخرط فيها الفتيات غير واضحة للعيان. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 90 في المائة من الأطفال الذين يعملون في المنازل هم من الفتيات (اليونيسف، 2011، وضع الأطفال في العالم). الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، قال إن القانون ينص على إلزام الدولة بتوفير التعليم المناسب للطفل الذي يعظم تنمية قدراته وإبداعاته وإمكاناته، حتى سن الـ 18 عامًا، وكذلك حماية الطفل من المعاملة القاسية، لكن الواقع لا يحدث فيه هذا، فالدولة لا تقوم بواجبها تجاه الطفل من ناحية، ولا تعاقب من يسمح يتشغيل الأطفال من ناحية أخرى، والذين يستغلون الفقر، الذي يمنع الأسر من توفير احتياجات الطفل، وبسبب الفقر يضطر الطفل للعمل ليكون جزءًا من دخل الأسرة، وبالتالي يخرج من دائرة القانون، ويتوجه للعمل في الأعمال الخطرة.واكد "مغيث" أن نتيجة تدهور التعليم في مصر، والأوضاع التي يمر بها تلك الفترة لم يصبح التعليم نفسه أمل كبير للأسر، فالطفل يرى أخيه يعمل سائق توكتوك بعد أن أنهى تعليمه الجامعي فيقرر أن يختصر الطريق ويعمل سائق "توك توك" منذ صغره.وقال اللواء مدحت رئيس هيئة السكة الحديد، إن شرطة السكة الحديد، هي التي تتعامل مع الباعة الجائلين في القطارات، كما يوجد الأمن الإداري ولكن مع زيادة عدد عربات القطار يصعب السيطرة على الباعة الجائلين الذين يتزايد عددهم.وأضاف "شوشة" في تصريح لأهل مصر، إن انتشار الباعة من الأطفال ودون سن السابعة عشر، لأن هؤلاء يجيدون التحرك ويتميزون بسرعة الحركة والقدرة على مزاولة رجال الأمن، فيما أنهم يفضلون العمل في القطارات لأنهم لا يدفعون إيجار لكشك على الرصيف أو ضرائب.وبحسب "اليونبسيف" فإنه على الرغم من تراجع انتشار عمالة الأطفال في السنوات الأخيرة في كل مكان عدا أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث تزايد فعليًا، فإن عمالة الأطفال لا تزال تضر النمو البدني والعقلي للأطفال واليافعين، وتؤثر على تعليمهم (المصادر: اليونيسف، 2011، وضع الأطفال في العالم وصفحة معلومات الأطفال على صفحة عمالة الأطفال على الموقع الإلكتروني لليونيسف).وتعزز عمالة الأطفال دورات الفقر بين الأجيال، وتقوض الاقتصادات الوطنية وتعرقل التقدم باتجاه تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (انظر الوثيقة الختامية لقمة الأهداف الإنمائية للألفية 2010، ص 13)، إنها ليست سبباً فقط، ولكنها أيضاً نتيجة لعدم المساواة الاجتماعية التي يعززها التمييز. فالأطفال من جماعات السكان الأصليين أو الطبقات الدنيا هم أكثر عرضة للتسرب من التعليم للعمل. كما أن الأطفال المهاجرين أيضاً معرضون للعمالة الخفية وغير المشروعة.وتدعم اليونيسف خارطة الطريق للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحلول عام 2016، والتي تدعو إلى استجابة متكاملة لعمالة الأطفال. كما تدعم اليونيسف المجتمعات المحلية في تغيير قبول عمالة الأطفال ثقافياً، وفي نفس الوقت تدعم استراتيجيات وبرامج توفير دخل بديل للعائلات والحصول على خدمات دور الحضانة والتعليم الجيد والخدمات الوقائية. وتعمل اليونيسف أيضاً مع أصحاب العمل والقطاع الخاص على تقييم سلاسل إمداداتهم وممارساتهم التجارية ودراسة تأثيرها على الأطفال.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بث مباشر مباراة منتخب الناشئين 2008 (1-0) ضد ليبيا في تصفيات أمم إفريقيا | مصر تتقدم