«قلب الطاحونة حجر، قلب الزمن صواف، يطحن قلوب البشر أشكال على ألوان، آه يا حجر داير، طول ما القادوس داير، الخلق بتكيِّل وتعبِّى وتشيل، وامَّا الجناح يتكسر يتفرقوا الأعوان».. كلمات غناها المطرب الكبير سمير الإسكندرانى فى تتر مسلسل «الطاحونة».. فمع دقات عقارب الساعة الثالثة عصرًا من كل يوم يبدأ الحاج «حداد عباس النحاس» فتح أبواب طاحونة الدقيق؛ لاستقبال الأهالى من جميع أنحاء مركز مدينة أشمون بمحافظة المنوفية، والقرى المجاورة للمركز؛ لطحن القمح، ذلك المطحن الذى يضم بين جدرانه آلات ومعدات قديمة، عبارة عن "الميزانة" يمين المطحن، ومن ثم الماكينة الضخمة. وبطريقة قديمة أوشكت على الانقراض، وحل بدلاً منها طريقة حديثة كالمطاحن الضخمة لطحن أطنان الغلال.
يقول الحاج «حداد عباس النحاس»، صاحب مطحنة الغلابة بمركز أِمون فى بداية حديثة لـ«أهل مصر»: أعمل على هذه الماكينة منذ بدأت فى الظهور، فكانت تسبقها ماكينة تُسمَّى «الحجرين»، والتى إحدهما على الأرض، ويوضع فوقها «القمح أو الذرة»، ومن ثم يعلوها الحجر الآخر، والذى يُستخدَم للدقِّ على القمح أو الذرة حتى يحوِّلهما لدقيق. ولكن لم تعد هذه الماكينة موجودة حاليًّا. مضيفًا: تم تطوير الماكينة عن طريق إبقاء الحجر الأعلى يتحرك بحبل مُخصَّص، ويتم اللف به حتى يصل إلى نعومة الدقيق اللازمة، ومن ثم تطورت بماكينة أشبه بـالقرطاس من الأعلى يُستخدَم لوضع المادة الخام بداخله، وهي «القمح أو الذرة».
وأوضح «النحاس»: أما بالنسبة للماكينة الحالية فيتم فى البداية استقبال المادة الخام من «القمح أو الذرة»، ووضعها على «الميزانة الجرامية القديمة»، والتى تقوم بحساب الجرام البسيط، مضيفًا: أقوم بفتح الشيكارة وافتتاح الآلة؛ لوضع المادة الخام بداخلها، سواء قمح أو ذرة. وتسع الماكينة أكثر من ألف كيلو من حبيبات الذرة أو القمح ، بعدها أقوم باستخدام عرق خشبى؛ للتسهيل على الحُبَيبات الوصول إلى المطحنة، ومن ثم الطحن والوقوف أمام الآلة، ووضع عصا خشبية رقيقة داخل لسان الآلة؛ لإخراج كافة الدقيق من داخل الشيكارة اللازمة وإغلاقها.
ويشير صاحب المطحنة إلى أن سعر الطحن بدأ يرتفع واحدًا تلو الآخر، حيث وصل سعر طحن الـ 5 كيلو من الذرة إلى 10 جنيهات، ولكن على الرغم من ذلك بدأت المهنة فى الاندثار؛ بسبب ظهور الماكينات الحديثة والضخمة «المطاحن»، وأيضًا ظهور عيش الطابونة والعيش الفينو، والعيش الأبيض، الذى جعل الجميع يقلل من الخبز، بل وأيضًا التقليل من الطحن، مؤكدًا أن أكثر الشهور التى تُستخدَم فى الطحن هى (أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر)، وموسم تجميع غلال القمح.
ومن جانبها تقول شيماء صالح، إحدى الطاحِنات بمركز أشمون: «لم نعد نقوم بـالطحن كـالسابق. كنا فى السابق نعيش داخل منازل العائلات، والذين كانوا يفضلون فى تلك الفترة تناول خبز الذرة وعمل العيش (البتاو) من الدقيق المستخرج من حبيبات الذرة؛ نظرًا لحلاوتة، لكن الآن نقوم بـطحن الدقيق من أجل صناعة كيك الذرة والعيش بدقيق الذرة.
وتقول «ثناء محمد»، إحدى الطاحِنات: نقوم بـطحن الذرة لعمل «العيش البتاو»، حيث أقوم ببيعة للجيران، وأقوم بصناعته حسب الطلب من الزبائن، موضحة: أقوم يوميًّا بـطحن 15 كيلو من حُبَيْبات الذرة لـلعودة إلى المنزل سريعًا لصناعة «العيش البتاو»، أو ما يُسمَّى لدى الآخرين «العيش المفقق»، أو «عيش الصبة». وهناك البعض الآخر والذى يُخلَط به الدقيق الآخر «زيرو»؛ وذلك لإعطاء الخبز مذاقًا ورائحة شهيين.