قبل سنواتٍ من الآن اعتصر الألم قلبه وهو يشاهد الفقراء ينبشون مقالب القمامة أملًا في العثور على طعام صالح يخفف وطأة الجوع الذي لا يكف عن مهاجمتهم صباح مساء. كان هذا المشهد سببًا دفع "عصام الدندراوي"، ذلك الشاب المصري إلى التفكير في تأسيس مشروع خيري يقوم في كل جوانبه على توفير الطعام والشراب الصالحين للكادحين، وبالفعل بدأ العمل واضعًا نصب عينيه تلك المقولة المنسوبة إلى الشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني: "لقمةٌ في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله بين ساجد وراكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، فيا بشرى لمن أطعم الجائع".
في البداية لم يكن "عصام الدندراوي" يعرف ما الذي سيفعله، هو فقط كان مصممًا على مد يد العون للبسطاء، حتى جاءته فكرة من الهند لم يسبق تنفيذها على أرض مصر، وعلى الفور قرر استنساخها ليؤسس مشروعًا أطلق عليه: "ثلاجة الخير"، وصفه بقوله: "الأغنياء يتبرعون بالطعام ويضعونه داخل الثلاجة، والفقراء يأتون ويأخذون ما يكفيهم دون إهدار لكرامتهم".
اقرأ أيضًا.. "إحنا معاك".. حملة "أهل مصر" لاكتشاف المواهب الشابة
تجربة خيرية فريدة
يقول "الدندراوي": إنه قرر تأسيس مشروع خيري يكون ملاذًا يؤمن الفقراء من وحش الجوع الذي ينهك كرامتهم وينغص عيشهم، ولكنه لم يكن يعرف من أين يبدأ حتى تحدث مع صديق له يعيش في مدينة دبي بالإمارات وشاركه في تلك الحيرة المسيطرة على وجدانه؛ فنقل إليه الأخير تجربة فريدة من نوعها في مجال العمل الخيري قامت بها سيدة من الهند.
الفكرة التي حولتها السيدة الهندية حقيقة على أرض الواقع، عبارة عن ثلاجة كبيرة مملؤة بالطعام وجميع أنواع العصائر موضوعة في مكان قريب من أماكن تواجد عمال البناء وغيرهم من البسطاء ليأخذوا منها ما يريدون ويرحلون دون خدش كرامتهم. جاء وصف الصديق المصري المقيم بدبي لما فعلته تلك السيدة كطوق نجاة انتشل "الدندراوي" من حيرته؛ فقرر على الفور تدشين المشروع وتحويله إلى واقع ملموس بمحافظة القاهرة عام 2017.
اقرأ أيضًا.. "أهالينا الطيبين".. حملة "أهل مصر" لنقل صوت البسطاء من قلب العشوائيات
أفتتح "الدندراوي" مشروعه الخيري في رمضان عام 2017، واختار له اسم "ثلاجة الخير"، وبدأه بـ 3 ثلاجات وصلوا في الوقت الراهن إلى 37 ثلاجة موزعين على مناطق حدائق الهرم والسادس من أكتوبر بالجيزة، وزهراء المعادي والبساتين بالقاهرة، وبلبيس بالشرقية، إضافة إلى محافظة الإسكندرية.
تواصل الأغنياء والفقراء
الهدف من "ثلاجة الخير"، إيجاد نوع من التواصل بين الأغنياء والفقراء؛ فالغني يتبرع بالطعام والمياه والعصائر، عن طريق وضعها في الثلاجة القريبة من منطقة سكنه، والفقير بدوره يأخد كل ما يحتاجه ويذهب؛ هكذا يصف "الدندراوي" آلية العمل التي يقوم عليها مشروعه الخيري.
يؤكد "الدندراوي"، أن المتبرعون يحرصون على تغليف الطعام بطريقة تبقيه طازجًا لأوقات أطول، ويكتبون فوق كل صنف اسمه وتاريخ صلاحيته، والتبرعات تشمل الأطعمة والمياه والعصائر والفواكه، مشيرًا إلى أن هناك إقبال شديد من القادرين على التبرع، كما أن بعض السيدات إعتدن تجهيز أطعمة في منازلهن والمجئ بها إلى "ثلاجة الخير".
اقرأ أيضًا.. "صنايعية مصر".. "الأواني الخشبية" يا روايح الزمن الجميل هفهفي
وعن سر عبارة "خذ ما يكفيك واترك لغيرك.. المال مال الله"، المكتوبة فوق لافتة مثبتة على كل ثلاجة، يقول "الدندراوي": "في بداية الأمر واجهتنا بعض السلبيات، وتمثلت في أن بعضًا من الفقراء كانوا يأخذون أطعمة أكثر من احتياجاتهم، وهو ما كان يقلل فرص سد احتياج البقية في الحصول علي الطعام؛ لذلك آثرنا وضع هذه اللافتة كتنويه بشكل مهذب، والجميع تفهم الأمر وأصبح يأخذ على قدر حاجته ويترك لغيره".