“الأمام المصلح، مجدد الفقه الإسلامى الحديث” هكذا أطلق عليه المجددون بالأزهر، الأمام محمد عبده.
تحل اليوم ذكرى رحيل الإمام المجدد محمد عبده في غياب عن الاحتفاء بها من رواد التجديد الفكرى وتلامذة مدرسته العتيقة، حيث أعاد الإمام إحياء التراث الإسلامي لتواكب والعصر، فكان أول مفتٍ مستقل عينه الخديوى عباس حلمى، وخلال رحلة حياته ساهم فى تحرير العقل الإسلامى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون، وشارك فى إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة فى العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره فى مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفى أواخر القرن التاسع عشر قام بإنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية برفقته جمال الدين الأفغانى من أجل القضاء على الجمود الفكرى ومواكبة متطلبات العصر، كما تتلمذ على يديه العديد من الشخصيات الهامة منهم محمد رشيد رضا، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وشيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى، الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر، شيخ العروبة محمد محيى الدين عبد الحميد، الزعيم سعد زغلول، قاسم أمين، محمد لطفى جمعة، طه حسين.
وخلال رحلة حياته أصدر ما يقرب من 944 فتوى، فكان له العديد من الفتاوى المثيرة للجدل وغير التقليدية للمشايخ التقليديين فكانت أكثر جدلا وإثارة ولا تزال حتى اليوم ومن بين تلك الفتاوى أفتى الإمام المصلح أيضًا بعدم تعدد الزوجات فى حالة إذا كان الرجل غير قادر على تحقيق العدل، مؤكدا أنه من الصعوبات، يقول عبده فى مسألة تعدّد الزوجات ما نصّه: “قد أباحت الشريعة المحمدية للرجل الاقتران بأربع من النسوة، إن عَلِمَ من نفسه القدرة على العدل بينهن، وإلاّ فلا يجوز الاقتران بغير واحدة”، وأشار “عبده“ فى فتواه إلى مساوئ تعدّد الزوجات الاجتماعية المختلفة، معتمدًا على الاجتهاد فى تأويل الآية المتعلّقة بتعدّد الزوجات وشرط العدل فى ذلك، قال عبده: “فاللازم عليهم حينئذ إما الاقتصار على واحدة إذا لم يقدروا على العدل".
كما أفتى فى حق ارتداء الحجاب قائلا “أن الحجاب والنقاب ليس من الدين فى شىء”، إذ يؤكد فى مؤلفاته، أن كل الكتابات التى كانت تلح على ضرورة الحجاب فى عصره ركزت على خوف الفتنة، فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال، وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره.
دعوى ظهرت أصداؤها حديثًا لدى عدد من مشايخ الأزهر وغيرهم، كان لها معارضوها ومناصروها، كما كانت له آراء أخرى فى التفسير يختلف فيها عن آراء السلف، غير أنه لم يتعرض للقضايا الأصولية والإيمانية، شأنه فى ذلك شأن كثير من المجددين.
أما عن ارتداء البرنيطة أفتى محمد عبده بإجازة لبس البرنيطة وإنه ليس حراما، فقال الكثيرون فى ذلك الوقت “إن الإمام محمد عبده يريدنا أن نتشبه بالكفار”، وراجت الدعاوى قديمًا وبعض الدعوى الجديدة، بأن الإمام كان متواطئًا مع الإنجليز لتخريب العقول الإسلامية والنخر فى هيكل الدين، وأخرى بأنه ماسونى تبنى هذا الفكر ودافع عنه وروّج له.
كما اتهمه بعض المشايخ بالتقرب من الغرب والانبهار بحضارته عندما وصف الرسم والنحت وسائر الفنون بالعلم والإبداع، فيقول الإمام فى هذا الصدد: “حفظ الآثار والرسوم والتماثيل هو حفظ للعلم والحقيقة، وشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها، ولا حديث عن العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة فهو سلوك محى من الأذهان منذ عصور>
وفى الربا قال جميع الأمم سبقتنا إلى إتقان الصناعة والتجارة والزراعة فلماذا لا نتقنها؟ إن ديننا يدعونا إلى أن نسبق الأمم فى الإتقان، فالمسلمون فى الأغلب نبذوا دينهم فلم يبق عندهم إلا عادات وتقاليد أخذوها بالوراثة فمن يدعى أن الدين عائق للترقى قصد عكس القضية وهذا من عدم البصيرة والتأمل الصادق لحال الأمة.
وأضاف الإمام قائلا: “أثر الربا فينا، لا يمكننا أن نزيله فى مئات السنين ولو أننا حافظنا على أمر الدين فيه لكنا بقينا لأنفسنا. ” وقد طالب الإمام بأن يتحصل العاملون بمصلحة البريد على جزء من الفوائد التى تضاف إلى أموال المصلحة.
فى عام 1884 سافر إلى باريس وأسس صحيفة العروة الوثقى، تزوج عقب وفاة زوجته الأولى من بيروت وعاد إلى مصر بشرط ألا يمارس السياسة وفى عام 1899 تم تعيينه مفتيًا ومن ثم أصبح عضوا فى مجلس الأوقاف الأعلى، ويعد “عبده” من مواليد البحيرة لأب تركمانى وأم مصرية تنتمى إلى قبيلة “بنى عدى” العربية.