مع سقوط فكر تنظيم الإخوان المسلمين في السودان في شمال أفريقيا، وبعد أن أعلنت أكثر من دولة غربية أنها تبحث إدارج تنظيم الإخوان ضمن قوائم الإرهاب، يجد كثير من المراقبين أنفسهم أمام تنظيم عابر لفكرة الدولة الوطنية والتي تقوم على خطة لتفكيك الأوطان وتأسيس الوطن البديل ، ذلك أنه من من اطلع ولو على قشور فكر الإخوان يعرف أن الإخوان لا وطن لهم، وأن الشاب الذي يتم استقطابه لهذا التنظيم يتعرض لتثقيف مكثف وشكل من أشكال عمليات غسيل الدماغ غير متعارف عليها داخل أي حزب سياسي أو جماعة سياسية ليصبح ولاءه فقط للتنظيم، ولتحقيق هذا الهدف يتم سحق أي ولاء له للوطن سواء بإقناعه بأن هدف الجماعة هو بناء وطن أكبر من خلال استرداد حلم الخلافة، أو من خلال تأثيم الانتماء للوطن وتشبيه حب الوطن بأنه شكل من أشكال الوثنية الحديثة.
هذا ما عبر عنه مرشد الجماعة الأول، ثم أكد عليه سيد قطب، وهو الشخص الوحيد الذي شغل منصب استثنائي تم إنشاءه له خصيصا باسم مرشد الدعوة والفكر.
ففي العيد العاشر لتأسيس جماعة سنة 1938 أصدر حسن البنا رسالة بعنوان إلى أى شئ ندع الناس، قال فيها : (إن الإخوان يعطون الأولوية لاسترداد الخلافة وإن الوطن الإسلامي يسمو على حدود الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ).
أما الوطن عند سيد قطب فقد أطلق عليه اسم الوثن، واعتبر أن الوطنية وحب الوطن شكل من أشكال الجاهلية الجديدة، بل حكم على المجتمع المصري بأكمله بأنه مجتمع جاهلي، في صفاقة فكرية لم يسبق لها مثيل، صادرة عن شخص أقرب وصف له بأنه متسلق وأحمق عمل كأقرب المساعدين لجمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط، وكتب في الصحف يطالب بإعدام عمال كفر الدوار المعترضين على سياسات مجلس قيادة الثورة ، ثم عندما لم يحصل على ما يخطط له من عبد الناصر ورفاقه، لم يتردد في الانقلاب عليهم والتآمر ضدهم ، وهذا كله مثبت في أرشيف الصحف التي كتب فيها سيد قطب مناصرا لعبد الناصر ورفاقه ومشجعا لهم على إعدام العمال، ومعارضا بكل قوته للمطالبين بالحرية والحياة الدستورية.
إن الأباء المؤسسين لتنظيم الأخوان المسلمين كانوا يحرصون في كل مناسبة على أن يؤكدوا أن جماعتهم لها جيشها المستقل والموازي لجيش الدولة التي يعيش فيها، وأن أعضاء هذه الجماعة جنودا يأتمرون بأمر قادة هذا التنظيم وليس بأمر ولاة الأمور في البلاد وهو ما يكشف وجود نية قديمة في تفكيك مصر وتكوين وطن بديل لها يحكمه حسن البنا وخلفاءه.
فيكتب الشيخ عبد الرحمن الساعاتي والد حسن البنا في العدد الأول من مجلة النذير الصادر في 30 ربيع الأول سنة 1357 هـ التي تنطق بلسان الجماعة : ( استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا إلى حيث تؤمرون .. خذوا هذه الأمة برفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل، وصفوا لها الدواء، فكم على ضفاف النيل من قلب مريض وجسم عليل، واعكفوا على إعداده في صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها الحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضوا خبيثا فاقطعوه، أو سرطانا خطيرا فأزيلوه، استعدوا يا جنود فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم عمى).
ثم يؤمن حسن البنا على ما كتبه والده بقوله : ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، ونحن سوف نتوجه بدعوتنا إلى كل المسئولين، فإن أجابوا آزرهم الإخوان، وإن لجأوا إلى المواربة والمرواغة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تقوم على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق إلى إعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام)
إن القرآن الكريم كرم مصر وأرضها وأهلها بأن ذكر المولى سبحانه وتعالى مصر وأشخاص من مصر ومواقع ومدن من مصر في كتاب الله العزيز، وسوف تظل مصر دوما بلدا آمنا مستقرا لا يعرف الاقتتال الداخلي ولا الحرب الأهلية، حيث لم تعرف مصر ولم يتورط أهلها أبدا في أي شكل من أشكال الاقتتال الداخلي عبر تاريخ هذا الوطن، وهو الدرس الذي لم يفهمه شيوخ الإخوان ولا أتباعهم المخدوعين فيهم.