اعلان

إخوانستان .. بيعة المرشد مخالفة شرعية وتحدي مفضوح لسيادة الدول 2- 4

كشف الصراع داخل تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر عن طبيعة التنظيم الإخواني العابر للحدود والذي يعتبر نفسه دولة قائمة بالفعل تتخطي حدود الدول التي تعيش فيها، ولا يتوقف الصراع بين أجنحة تنظيم الإخوان في الجزائر المعروف بحركة مجتمع السلم في الجزائر قبل كل استحقاق للتنظيم على جميع المستويات التنظيمية هناك، وحركة مجتمع السلم هي الجسم الرئيسي الذي يتمثل فيه تنظيم الإخوان المسلمين بالجزائر، وإن هذا الجسم قد تمزق وتحول إلى "أجسام" عقب وفاة محفوظ نحناح القيادة الإخوانية التاريخية في بلد المليون شهيد.

وقد كنت أظن مثل الكثيرين من المتابعين لملف تنظيم الإخوان المسلمين أن هذا التنظيم اختار أن يكون له جناح دولي أو جسم دولي أطلق عليه اسم "التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين" على اعتبار أن هذه الجماعة تتبنى أفكاراً أممية، مثلها مثل الاشتراكية الدولية مثلاً، لكن ما اتضح لي بعدها هو أن تنظيم الإخوان ليس مجرد عباءة ولا جسم سياسي يجمع المنتمين له والمؤمنين بأفكار مؤسس التنظيم حسن البنا، بقدر ما هو كيان إخطبوطي- لا وطني، ينزع من قلوب وأدمغة أتباعه أي انتماء لبلدانهم الأصلية، ويحولهم إلى أتباع أو في أحسن الأحوال رعايا خاضعين لسلطان دولة جديدة هي دولة "إخوانستان" ، والا فما معنى وجود فكرة تدور حول إعضاء البيعة لمرشد التنظيم وهى بيعة لا مخالفة .

ومع اكتمال غسيل أدمغة أتباع هذا التنظيم من أي ولاء أو انتماء لبلدانهم الأصلية، فإن رعايا هذه الدولة لن يسمح لهم بعد ذلك أبداً بإظهار أي ولاء من جانبهم تجاه البلدان التي يحملون هوياتها، وأكثر من ذلك هو أنهم من دواخلهم يفقدون أي انتماء للوطن الذي يحملون هويته، ويصبح ولائهم الأول والثاني والثالث والرابع, حتى الأخير هو للتنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم.

يومها نشرت ما يمكن وصفه في هذا الوقت بأسرار عن الأزمة التي عصفت بحركة مجتمع السلم في الجزائر، وكانت إحدى الجمرات تحت لهيب أزمة إخوان الجزائر هي فضيحة أخلاقية تورط فيها قيادي كبير في الحركة على خلفية فضيحة أخرى تورط فيها نجله، وكان أن التهبت جمرة خلاف إخوان الجزائر فتم فصل القيادي الإخواني الجزائري من منصبه إلى حين.

وفي كل الأحوال فأزمة إخوان الجزائر معروفة وسوف تتكرر في دول أخرى ينشط بها تنظيم الإخوان المسلمين، لكن ما لفت نظري في ذلك الوقت هو أن الأزمة التي لم ينجح أي قيادي في حركة مجتمع السلم أو حتى وسطاء جزائريون في حلها، هذه الأزمة خمدت تماماً بمجرد أن جاء رؤوس الأزمة الجزائريين إلى القاهرة، واحتكموا للمرشد العام لتنظيم الإخوان في ذلك الوقت بعد عرض الأمر على المسئول عن التنظيم الدولي في بريطانيا، فكان قرار مرشد القاهرة ومرشد بريطانيا نهائياً، وعاد فرقاء الجزائر لبلدهم وفي حلق البعض منهم غصة، لكنهم خضعوا لقرار المرشد العام مثلهم مثل أي رعايا صالحين يخضعون لقرارات وأوامر الرئيس أو الملك أو السلطان في دولتهم، وعاد القيادي الإخواني الجزائري المفصول إلى منصبه.

وأزمة إخوان الجزائر معروفة لمن يريد أن يستزيد عنها وأن يقرأ عنها، لكن الشاهد في هذه الأزمة أنها لفتت نظري لجانب مختلف من " المسألة الإخوانية" وهى أن جماعة الإخوان المسلمين تحولت من مجرد تنظيم عابر للجنسيات والدول إلى ما يشبه الدولة التي تتحكم في أتباعها، بل وفي قيادات الأتباع حول العالم.

فالجماعة ، التي أغلقت على نفسها شرنقة نسجت خيوطها من أفكار تنتمي لما قبل ظهور الدولة القومية، تمسكت على الدوام بفكرة أن العضو فيها يجب أن يلتزم ببيعة لمرشد التنظيم، وصبغت الجماعة هذه البيعة بصبغة دينية جعلت من يتراجع عنها كمن يرتكب كبيرة دينية معروفة في الفقه الإسلامي بالخروج الشرعي عن ولي أمر المسلمين، ومع الخلط الواضح في الشأن الدعوي والشأن السياسي في خطاب الجماعة سواء لأتباعها أو للمجتمع، بات من الوضوح بمكان أن هناك مبررات للدول والحكومات، سواء كانت دولا ديمقراطية أو غير ديمقراطية، من أن تنظيم الإخوان المسلمين يمثل جسماً نافراً عن جسم الدولة التي يعيش داخلها، ويمثل في حقيقة الأمر تحدياً ظاهراً ومعلناً لفكرة الدولة الوطنية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً