"أزهريون مجددون" الإمام محمد عبده.. رحلة إصلاح وتنوير

الإمام محمد عبده

كانوا مشاعل نور ولم يروجوا يوما لعنف أو تطرف ودافعوا عن وطنهم وقادوا نهضته وحملوا لواءه، عرفوا بعلمهم وزهدهم وتقواهم، وقادوا الأمة من ظلمات الجهل إلى نور العلم والبيان، وانطفأت أنوار الفكر عند موتهم، ويرثي حافظ إبراهيم الإمام المجدد أحد أئمة التنوير عند موته قائلًا: سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ .. سَلامٌ عَلى أَيّامِهِ النَضِراتِ..عَلى الدينِ وَالدُنيا..عَلى العِلمِ وَالحِجا..عَلى البِرِّ وَالتَقوى..عَلى الحَسَناتِ..لقد كنت أخشى عادي الموت قبله..فأصبحت أخشى أن تطول حياتي".

محمد عبده.. الفقيه المجدد

من هؤلاء العلماء الذين تخرجوا في الأزهر الفقيه المجدد محمد عبده الذي يعد واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامى في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، إنه الإمام محمد عبده بن حسن خير الله، ولد سنة 1849، في إحدى القرى المصرية، التابعة لمحافظة البحيرة، من أب تركماني وأم مصرية، ترجع أصولها إلى قبيلة بني عدي العربية، وقد سعى والداه إلى إنباته منبتا حسنا، وتربيته على نهل العلم وشحذ المعرفة.

والتحق الشيخ محمد في سن الـ13، بالمسجد الأحمدي بطنطا، الذي يعتبر قبلة العلماء ومن أكبر المعاهد العلمية والدينية والإسلامية بعد الأزهر الشريف وتخرج منه علماء الدين والفقهاء ومشاهير قراء القرآن الكريم وحفظته.

وحين بلغ ال17 من عمره، التحق محمد عبده بالأزهر في 1866م، وفى سنة 1877م حصل على الشهادة العالمية، وأسهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربى من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع، وتطوره في مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد تأثر به العديد من رواد النهضة مثل عبد الحميد بن باديس ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي، وينظر إلى الإمام محمد عبده دائمًا بأحد أبرز المجددين في الخطاب الدينى.

دعواه للإصلاح الديني وتجديد الفكر

اشترك الإمام الفقية محمد عبده في ثورة الشيخ أحمد عُرابي التي قادها في القرن ال19 وتحديدا ما بين 1879-1882 ضد الخديوي توفيق والانجليز، وبعد فشل الثورة حُكِم بالسجن على الشيخ محمد عبده، الذي كان مناديا ومتشبثا بدعاوي الإصلاح الديني وتجديد الفكر الإسلامي، كما كان رافضا للتدخل الأجنبي في مصر، الذي عمق الأزمات السياسية والاقتصادية، وتم نفيه إلى بيروت لمدة 3 أعوام، ليسافر بعدها إلى العاصمة الفرنسية، باريس، بدعوةٍ من جمال الدين الأفغاني، أبرز المصلحين المسلمين في القرن التاسع عشر، الذين واجهوا التخلف والاستعمار الأوربي، وتأثرا بفكره التجديدي، الداعي إلى استنهاض المسلمين وحثهم على إستجماع شروط النهضة ومواجهة التحديات التي أوجدها الإستعمار، أصبح عبده أحد تلامذته، وتحول بسببه من الصوفية إلى الفلسفة.

أنشأ الإمام المجدد محمد عبده، حركة تنويرٍ واسعة في باريس، على تجديد الفكر الإسلامي، ترمي إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري و إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر، وكانت الانطلاقة من خلال منبره الإعلامي، التي أطلق عليها “صحيفة العروة الوثقى”.

وخلال فترته التي قضاها في فرنسا، كان مذهولا بالنهضة الشاملة التي شهدها الغرب، وهناك ردد كلمته الشهيرة،”وجدت هنا إسلاماً ولم أجد مسلمين، وفي ديار الإسلام وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام”.

عودته من المنفى ودعوته لإصلاح الأزهر

في سنة 1889، أنزل عفو من الخديوي توفيق، على الشيخ محمد عبده، ليعود على إثرها إلى بلده مصر، ويبدأ في رحلته في الإصلاح والتتنوير كان أول خطواته الدعوة بإعادة إصلاح الأزهر الشريف، الذي انتابه الضعف في تلك الفترة، جراء انعزال الأزهريون عن العالم الخارجي وباقي العلماء، وقال عنه ذلك جملته الشهيرة “إن بقاء الأزهر متداعياً على حاله محال، فهو إما أن يعمر، أو أن يتم خرابه”.

الإمام محمد عبده وإنضمامه لمجلس إدارة الأزهر

وحين تولى الخديوي عباس الثاني الحكم، أصدر مرسوماً يقضي بإنشاء مجلس لإدارة الأزهر ضم بين أعضائه الشيخ محمد عبده، الذي كان موقنا بأن المشكلة في الفهم الخاطئ للدين الإسلامي، الذي طمست الأفكار المكتسبة المغلوطة حقيقته البناءة المواكبة لكل زمان ومكان، وتبعا لذلك شهد الأزهر الشريف إصلاحا علميا ودينيا ولغويا.

مؤلفات الإمام محمد عبده 

تمكن الشيخ الفقيه المجدد والعلامة محمد عبده، من إصدار عدة مؤلفات وكتب قيمة، ماتزال محفوظة ومرجعا إلى يومنا هذا، و جمعت جلها في موسوعة بعنوان”الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده” وهي:كتاب العروة الوثقى الذي وضعه مع جمال الدين الأفغاني.الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية، وهو كتابٌ ردّ فيه على ارنست رينان.رسالة التوحيد، شرح نهج البلاغة للإمام علي ابن ابي طالب.تحقيق وشرح البصائر القصيرية للطوسي.تحقيق وشرح كتاب دلائل الاعجاز.أسرار البلاغة للجرجاني. تقرير إصلاح المحاكم الشرعية.

وفاته

في الحادي عشر من يوليو لعام 1905، رحل الشيخ محمد عبده، بعد أن حفر اسمه بعمق في قائمة المجددين في التاريخ العربي والإسلامي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً