صدر حديثًا للكاتب والناقد السينمائي محمود قاسم كتاب "المرأة في السينما المصرية" عن دار مجاز الثقافية للترجمة والنشر. وهو كتاب يرصد الدور الريادي الذي لعبته المرأة في تأسيس السينما المصرية، حيث لعبت المرأة دورا رياديا فى تأسيس السينما المصرية, وذلك على أيدى بعض النساء اللائى شاركن فى النهضة السينمائية وجملن مسئولية صناعة سينما, فى الوقت الذى انشغل فيه الرجال بأمجاد المسرح، وتصدرت مجموعة النساء بعمل أفلام جديدة منذ عام 1927, وظلت هذه المسيرة بارزة حتى الآن. ومن أبرز هذه الأسماء عزيزة أمير التى لم تكف عن الكتابة والإنتاج والتمثيل طوال ربع قرن, وتبعتها فى المسيرة بهيجة حافظ, وفاطمة رشدي، واللبنانيتان آسيا، مارى كويني، والأفلام التى قدمتها كل منهن كانت ذات هدف اجتماعى إيجابى بدون استثناء لأى منهن فى الحياة المصرية.
اقرأ أيضا: ننشر الدراسة الكاملة لرائد أدب الأطفال يعقوب الشاروني في مهرجان الشارقة القرائى
ولوحظ أن هناك مرحلتين متباينتين تماما فى الصورة التى تعاملت فيها المرأة مع السينما , وكيف ظهرت صورة النساء فى موضوعات الأفلام, وفى كتاب "المرأة فى السينما المصرية" للكاتب محمود قاسم يتوقف عند أبرز الصور التى ظهرت عليها المرأة فى الأفلام, فقبل الخمسينيات كانت المرأة فى الغالب إما امرأة خادمة, أو هى مجرد راقصة, أو غانية ترتزق بجسمها، لدرجة أنها تعتمد فى حياتها على جسدها, وكانت المرأة مصابة دوما يمرض السل القاتل, وتعيش قصص حب يائسة للغاية, ومن أبرز هذه الافلام" زينب" لمحمد كريم 1930، وأيضا الأفلام العديدة المأخوذة عن رواية " غادة الكاميليا" ومنها فيلم "ليلي", لتوجو مزراحى 1942, وأيضا الأفلام المأخوذة عن مسرحيات ويليام شكسبير, وفى الوقت الذى كانت فيه الشخصيات التى تجسدها عزيزة أمير فى أفلام من إنتاجها تدافع فيها عن قضايا الوطن الكبير وعلى رأسها القضية الفلسطينية , فإن فيلم" الأفوكاتو مديحة" إخراج يوسف وهبى يشتهر بعبارة يرددها الفلاح الثرى ضد أخته الطموحة ويقول لها "عليك لعنة الفلاح"؛ لأنها جرؤت وقامت بالعمل فى المحاماة, وفى نهاية الفيلم أجبرتها الأسرة أن تترك مهنتها وتتزوج من ابن عمها وهو أقل منها فى العلم والثقافة, كما أن الزوج يجبر امرأته الفنانة على ترك الفن والعودة إلى البيت فى فيلم "حبيب الروح" إخراج أنور وجدى. أما بقية نساء الأفلام فى تلك المرحلة فإن أكثرعن شهرة هى الراقصة التى كانت تمثلها تحية كاريوكا, وبديعة مصابنى وسامية جمال, وكاميليا , وكانت الراقصة تتلوى أمام المطرب الذى كان يمثله فريد الأطرش ومحمد فوزي.
اقرأ أيضا: "تقرير الحالة السردية 2015".. كتاب جديد لمنير عتيبة
سرعان ما تغيرت الصورة مع الخمسينيات, ورغم رحيل عزيزة أمير فى بداية ذلك العقد وتوقف بهيجة حافظ عن العمل تماما، فإن السينمائيين انتبهوا إلى أعمال إحسان عبد القدوس. وفى فيلم " الله معنا " 1955 إخراج أحمد بدرخان فإن المرأة الـتى جسدتها فاتن حمامة انضمت إلى الضباط الأحرار وساعدتهم فى القبض على تاجر الأسلحة الفاسدة, وقد جسدت فاتن هذه الشخصية لتعبر عن صورة المرأة التى تغيرت بشكل ملحوظ, وعلى سبيل المثال فإن فاتن هى التى قامت بدور المحامية فى "الأستاذة فاطمة " لفطين عبد الوهاب 1953, أى بعد ثلاث سنوات من الدور الذى جسدته مديحة يسرى وبدت الأستاذه فاطمة شخصية مختلفة تماما, ففى الوقت الذى يفشل فيه خطيبها الشاب فى إدانة مجرمين فإن امرأة تخطط لتوريطه فى ارتكاب قضية قتل, وتنجح المحامية فى إثبات براءة خطيبها.
اقرأ أيضا: رمضان في أفريقيا.. أمسية ثقافية لـ الأعلى للثقافة اليوم
كانت الأعمال المأخوذة عن إحسان عبد القدوس هى أدوات تحول ملحوظ فى المجتمع مثل التلميذة علية فى فيلم "أين عمري" إخراج أحمد ضياء الدين 1956 التى لا تلبث أن تكتشف ما يحدث حولها فترفض تسلط زوجها الثرى العجوز, وتطلب منه الطلاق, وفى أعمال إحسان عبد القدوس هناك نماذج لامعة مثل المدرسة فايزة فى فيلم "الطريق المسدود" لصلاح أبو سيف التى رفضت كل أشكال الفساد سواء فى محيط أسرتها التى تكتسب من القمار, أو الكاتب الأدبى الذى يتصرف عكس ماينشر من مبادئ, كما انها ترفض اشكال الفساد الريفى عندما تعمل مدرسة فى احدى القري, وهكذا رأينا أفلاما عن صور مشرقة للنساء ,و كانت الدكتورة لطيفة الزيات ذات رسالة وهى تكتب رواية " الباب المفتوح" حول الطالبة الجامعية التى تتحول لتساند ابطال المقاومة ضد الاستعمار البريطاني, وعو دور قريب من شخصية المدرسة فى فيلم " لا وقت للحب" إخراج أبو سيف, كما أن ماجى التى جسدتها نادية لطفى فى فيلم" النظارة السوداء" لحسام الدين مصطفى تحولت من امرأة لاهية إلى سيدة تدافع عن حقوق العمال فى المصانع.
صورة المرأة فى أفلام الستينيات
وهكذا شهدت صورة المرأة تغيرا ملحوظا فى أفلام الستينيات, ونزلت المرأة لتعمل فى الوظائف الحكومية وتتعرض لإغراءات الفساد, فى فيلم " العيب" لجلال الشرقاوى المأخوذ عن رواية ليوسف إدريس, وهكذا حدث إقبال ملحوظ على الأعمال الأدبية , وصارت المرأة تتغير, فرغم أنها فى فيلم " ميرامار" لكمال الشيخ عاملة لاأكثر إلا أنها تقرر أن تتعلم؛ كى تكون أفضل , وفى "شيء من الخوف" لحسين كمال فإن الفلاحة تتمرد على طاغية القرية الذى تزوجها, وتساعد أهل القرية فى إسقاطه.
علاقة المرأة المصرية بالكثير من المهن
فى كتاب محمود قاسم هناك فصول عديدة عن علاقة المرأة المصرية بالكثير من المهن , حيث عملت فى الطب والمحاماة, والتدريس, والصحافة, وهندسة البترول والسياحة والترجمة والإبداع, كما أنه ابتداء من العقد التاسع من القرن الماضى فإن المرأة عادت مرة أخرى بقوة إلى عالم الإخراج, مثل إيناس دغيدي, ونادية حمزة, وأسماء البكري, وكاملة أبو ذكري, وساندرا نشأت, وأسماء أخرى عديدة.