مهنة الطب من أسمى المهن وأبعدها عن التداول التجاري، حقيقة تم تزييفها بإتقان ومنهجية على أرض الواقع، فـ«البزنس» لم يترك بابًا إلا وطرقه وكان من الغريب أن نفاجأ بأن عالم الدواء والأطباء كونوا «مزيج غريب» من التعاون المُريب الذي ولا شك له تأثير على صحة وحياة المريض، وكانت تلك المفاجأة دائماً في عالم الأطباء الخفي وما يدور فيه من كواليس بعضها منافِ لآداب المهنة والإنسانية، وأول ما يمكن أن تصطدم به هو العلاقة الغريبة والهدايا التي تقدمها شركات الأدوية مراراً وتكراراً لكل طبيب على حدة تحت أي مسمى، وكانت الإجابة أن هذا نوع من التودد أو التقرب من الشركة للطبيب.
يقول أحد أطباء النسا والتوليد - الذي رفض ذكر اسمه- إن تلك الظاهرة منتشرة بشكل يقرب من نسبة 100% إلا قليل، فكل مجالات الطب تتم فيها مثل هذه التجارة دون استثناء،ولكن الأمر منذ البداية محسوم في تحديد نسبة مبيعاتها، فمما لاشك فيه أن شركات الأدوية تعرض مزايا منتجاتها وتركز علي أبسط العيوب وليس جميعها حتى يحصل الطبيب على الهدية، ولكن بالفعل فإن الطبيب تم توجيهه لصنف معين دون الالتفات إلى الأضرار والآثار الجانبية لهذا العقار، خاصة أن هناك أصنافاً أكثر فاعلية وربما بسعر أرخص يتم الاستعانة بها لقصورها في الترويج والهدايا، وبالتالي فإن المريض وحده من يدفع فرق السعر والدعاية والهدايا المادية التي تم تمريرها تحت مسمى حسن النية.
وأضاف طبيب النسا والتوليد، أن الهدايا عديدة ومتنوعة وليست أمراً ثابتاً فهي تتدرج حسب الطلب وعلى حسب الحاجة التي تنال بها الشركة رضا الطبيب فقد تتدرج من مجرد ساعة حائط إلى حد تنظيم مؤتمر علمي مروراً بالأجهزة الطبية والرحلات، فالأمر يحدث وكأنه تلقائي وبسيط فيكون أولاً لقاء مع مندوب الشركة لتعريف الطبيب بالمنتج ثم ينوه المندوب عن إمكانية إهداء الطبيب، لكن قبل مبدأ التهادي يتم الانتقال لنوع الهدية وبحكم هذه العلاقة ينال المندوب رضا الطبيب بأي شكل من الأشكال حتى يصل لجملة «نتمنى أن نحوز رضا حضرتك لأنك ساهمت معنا في زيادة أرباحنا» أو ربما «شكراً لمساعدتك على امتصاص دماء الفقراء»، مشيرًا إلى وجود تنافسية بين الشركات والكل يريد أن يزيد مبيعاته.
وتابع الطبيب أن أصل الأزمة هي تساوي الجميع في مواصفات الجودة،وبناءً عليه تحاول بعض الشركات الحصول على رضا الطبيب ومراكز الأشعة والتحاليل والمعامل وكل ما يخص المريض، ليتحول المريض نفسه إلى «سبوبة»، موضحًا أن كل شركات الأدوية والمعامل تخلو من الأهداف البحثية ولذا فإن التعاون ما بين الأطباء والمراكز والمعامل هدفه الربح فقط، وقد يوجه الأطباء المرضى إلى مراكز ومعامل مقابل نسبة معينة وهذا يخرج من المنظومة المهنية ومن منطلق الإنسانية إلى أروقة التجارة البحتة، وبالطبع هذا ينعكس على صحة المريض والمجتمع فدماء الفقراء والأغنياء هنا على حد سواء معرضة للخطر.
طبيب آخر رفض ذكر اسمه يعتبر أن الظاهرة أصبحت موجودة ومرئية رأي العين، رغم أن القانون محكم جداً وفيه تشريعات تحد من الظاهرة، لكن ما يتم لا يكون بشكل معلن دائماً ولكن يتم في الخفاء وباتفاقات سرية تكاد وتكون غير معلومة ولكن المرجح لهذا الصنف على الآخر هو اتفاق، فشركات الدواء المصرية تقوم بإنتاج ما يقرب من سد حاجة المستشفيات المحلية،لذا فهي تعتمد على ضخ كل مواردها في الإنتاج لأن لها سوق مفتوح في المستشفيات ولذا فهي تخرج من المنافسة والانغماس في مثل تلك الأعمال المغرضة،أما عن قيام شركات الأدوية الدولية بهذه الفرصة فهذا للمنافسة المفتوحة عبر العالم هذه تجارة دولية تكاد تكون أكبر من تجارة السلاح، فالمنافسة عموماً تفرز الأفضل ولكن ليس في كل الأحوال، كما أن هناك الشركات الوليدة أو الطموحة التي قد تأخذ شأن الانسانية وتطوير صحة الإنسان على عاتقها ولكن بشكل واقعي فإن تلك الشركات الصاعدة ما لم ترعاها حكومات أو رؤوس أموال ضخمة فهي إلى زوال عاجلاً أم آجلاً لأنها بالضبط كفارس نبيل تجرد من سلاحه في مواجهه مجموعة جبناء ما لم يكن بالسيف فبالحيلة.
اقرأ أيضًا.. بالعناوين وأرقام الهواتف.. تعرف على وحدات علاج أمراض الكبد في مصر 2019
وأضاف الطبيب أن الصيادلة جزء مهم جداً من تلك التجارة حيث إن المريض حين يصف له الطبيب صنف معين قد يستبدله الصيدلي بادعاء أنه غير متوفر وعند الحاجة فالمريض يرضى بأي شيء وعامل الوقت يلعب دور مهم جداً لشعوره بالألم.
وأشار إلى أن استخدام الاسم العلمي للعقار أمر مهم جداً، حيث إن الصيادلة والأطباء يدرسون الأمراض وعلاجها باسم علمي واحد لذا فإن إنتاج الشركات والمنتجات لنفس الاسم العلمي قد يدخلهم في ارتباك قد يؤثر على صحة المريض وعلاجه، فالاسم العلمي فكرة جيدة ولكن غير واقعية فهذا أمر مشاعي يساوي بين المجرم والشريف أو بين المثقف والجاهل وعلى هذا يكون اسم دواء يُكلف جنيه واحد يتساوى مع نفس الاسم منتج تكلفته 1000 جنيه، فالأطباء والصيادلة سيوصفون الاسم وهنا ستكون الاتفاقيات والهدايا مع الشركات التي تنتج أدوية رخيصة الثمن أكبر وأبشع من مثيلاتها فهي لم تتكلف عبء الجودة ولديها فائض تنفق منه على الهدايا، وبذلك ستظلم المنتجات ذات الجودة العالية وبالطبع سيضيع المريض لأن الطبيب سيحصل على هداياه دون الالتفات لأي شيء ولن يصمد كثيراً أمام الاغراءات.
وبالحديث عن أضرار الدواء، أكد الطبيب، أن أي علاج له آثار جانبية لأنه من صنع البشر، ولكن المجتمع لا يلاحظ حتى الأضرار البسيطة، أما ما يتم ملاحظته هو الأضرار الكبيرة كالطفح الجلدي وغيره وهذا تكون الشركة من البداية تلافته قبل عرض المنتج،ونظراً لاختلاف استجابة أنسجة البشر للعقار قد تحدث الأعراض الكبيرة ولكن بشكل فردي، وكما يمكن أن تؤدي الأدوية الحياتية إلى تراكم الأعراض البسيطة مما تؤثر يومًا ما وبالتراكم كالسرطانات أو التهابات الكبد أو أمراض القلب وغيره، كما يمكن للطبيب أن يتعاقد على صنفين أو ثلاثة على الأقل مختلفين ومنافسين لبعض ولكن التفتت شركات الأدوية مؤخراً لهذا الأمر وبدأت ضخ من نفس خط الإنتاج أكثر من صنف، وجعلت لكل صنف مندوب منفصل عن الآخر بل وباتت الحالة التنافسية بين مندوبين نفس الشركة أيهم يحرز مبيعات أكثر وتكافئ المجتهد منهم.
الصيادلة يبررون تورطهم في البزنس الأسود
كشف أحمد عبد الرحيم، صيدلي بحي باب الشعرية، عن انتشار عقد الصفقات بين شركات الأدوية والأطباء، وخاصة المشهورين منهم في التخصصات المختلفة، وأن هذا يكاد يبدو واضحًا عند صرف «روشتات» بأدوية محددة لا يخرج عنها الطبيب رغم وجود البدائل الكثيرة وما بها من نفس الفعالية والأثر الطبي وتقاربها في الأسعار، ويأتي ذلك بعد عقد صفقة معينة، إضافة إلى ذهاب مندوبي هذه الشركات بشكل دائم لعرض جميع منتجات الشركة ومنها البديل أيضاً، ونحن بالفعل نصرف بدائل للأدوية في حالة عدم وجودها لإسعاف المرضي ومنهم من يقوم بالرجوع للطبيب مرة أخرى واستشارته في قبول هذا البديل.
وأضاف «عبدالسلام» لـ«أهل مصر» أنه في حالة تطبيق صرف الأدوية بالاسم العلمي بدلاً من التجاري فإذا وقعت المسئولية على الصيادلة في الاختيار من البدائل فسوف يقومون بالفعل بعقد صفقات وعقود للربح لعمل «سبوبة»، وأن المسألة تحتاج مزيد من الحلول.
نقلا عن العدد الورقي.