رمضان في سويسرا.. تباين في رؤية الهلال وتضييق متعمد من السلطات

رمضان في سويسرا

سويسرا دولة تقع في غرب أوروبا، حيث تحدها ألمانيا من الشمال، فرنسا من الغرب، إيطاليا من الجنوب، والنمسا وليختنشتاين من الشرق، تشكلت الكنفدرالية السويسرية على مدى عدة قرون، لكنها تميّـزت منذ نهاية القرن الثالث عشر بحرصها على الحياد، وابتعادها عن الدخول في حروب مع جيرانها، ومع أنها تقع في قلب القارة الأوروبية، إلا أنها تمتاز عن معظم الدول المجاورة لها بتنوّعها الديني واللغوي وتمسكها بممارسة الديمقراطية المباشرة.

المسلمين في جنيف

تعداد مسلمي سويسرا 

الإسلام هو أحد أبرز الديانات في سويسرا، ويقدر عدد المسلمين هناك بـ400 ألف مسلم، مشكلين 6% من مجمل تعداد السكان، ويشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية، ولكنه ليس ديناً معترفاً به رسمياً في البلاد، والمسلمون منتشرون بشكل متساوي في مناطق سويسرا وذلك على خلاف ما هو عليه الحال في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، حيث يتركز المسلمون في مناطق بعينها.

توزيع المسلمين في سويسرا

فعلى النقيض من عواصم أوروبية كلندن وبرلين وباريس، لا توجد مدينة أو حي أو حتى شارع يتمركز فيه المسلمون، حيث يتوزّع المسلمون بالتّساوي في أنحاء سويسرا جميعها، وبشكل رئيسيّ في المراكز الحضريّة الكبيرة، حيث يعيش هناك 73٪ من مجموع المسلمين، وأكبر عدد موجود في كانتونات زيورخ، وأورجاو، وسانت جالن، وبيرن، ويعيش 76٪ من المسلمين في سويسرا في المناطق النّاطقة بالألمانيّة، و14٪ في مناطق سويسرا النّاطقة بالفرنسيّة، والتي تتوافق بشكل وثيق مع توزيع السُّكّان المقيمين، يتركّز المجتمع التُّركيّ في أغلبه في المناطق النّاطقة باللّغة الألمانيّة، بينما يعيش معظم مجتمع شمال أفريقيا في سويسرا في المناطق النّاطقة بالفرنسيّة، وينتشر مواطنوا يوغوسلافيا السّابقة في جميع أنحاء سويسرا.

اقرأ أيضاً: رمضان في ألمانيا.. هنا الإفطار الجماعي داخل الكنائس.. ورؤية الهلال مشكلة سنوية

مزيج من المشاعر

وبالنسبة لشهر رمضان، فيستقبله مسلمو سويسرا بمزيج من المشاعر التي تجمع بين الفرحة بليالي الشهر الكريم وما تحمله من نفحات طاهرة، وبين الحذر والقلق، من موقف السلطات السويسرية تجاه الجالية والتي بدأت تأخذ طابع التحدي تارة والاستفزاز والاستخفاف تارة أخرى.

المركز الاسلامي بجنيف

تباين في رؤية الهلال

وتظهر بعض بوادر الاختلاف بين الأعراق المختلفة التي تتشكل منها الجالية المسلمة في سويسرا انطلاقا من موعد تحديد بداية ونهاية الشهر الكريم؛ فالأتراك ورعايا دول البلقان يعتمدون في أغلب الأحوال على التقويم الفلكي المعد مسبقا، وآخرون يصومون مع إعلان أول بلد إسلامي عن رؤية الهلال، وفريق ثالث يرى أن المرجعية يجب أن تكون لما تعلنه المملكة العربية السعودية بحكم وجود مكة المكرمة فوق ترابها.

مجهود يحتاج لسنوات

وعلى الرغم من حرص المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ومقره في دبلن بأيرلندا، إصدار فتوى تحدد بداية الشهر الكريم، فإن المراكز الإسلامية المستقلة "أي غير التابعة لتمويل بلد معين" هي التي تتبع في الأغلب فتوى المجلس الأوروبي، في حين تسعى رابطة مسلمي سويسرا لحشد أكبر قدر ممكن من المراكز الإسلامية لتوحيد المسلمين في البلاد على بداية ونهاية الشهر الكريم، لكنه من الواضح أنه مجهود يحتاج إلى سنوات أخرى من العمل الدؤوب على صعد مختلفة.

اقرأ أيضاً: رمضان في اليونان.. المساجد تحولت إلى متاحف.. وأداء الشعائر الرمضانية في سرية وقلق

قلة الأئمة والدعاة 

أما ثاني المشكلات التي تواجه الجالية في رمضان فهي قلة الأئمة والدعاة اللازمين لإعطاء الدروس، سواء في التفاسير أو العقيدة، أو لتقديم الرعاية الدينية المناسبة للجالية، التي يحرص أبناؤها على التوافد على قاعات الصلاة طيلة ليالي الشهر الكريم وبكثافة أكثر من بقية أشهر السنة·

رفض استقدام أئمة

إلا أن السلطات السويسرية بدأت ومنذ سنوات قليلة في التدقيق في عدد الأئمة الضيوف، بل ورفض بعض منهم لأسباب مختلفة؛ فأحيانا ترفض السلطات منح إمام تأشيرة الدخول بحجة أنه ينتمي إلى التيار السلفي، وأحيانا أخرى ترفض السلطات بعض الأئمة لمجرد شائعات تثار حولهم بأنهم من مؤيدي العنف ولا ينبذون الإرهاب علانية، من دون أن يكون هناك تحديد واضح أو تعريف لمفهوم كلمة "الإرهاب"، كما حدث وهددت سابقاً بعدم استقدام أئمة إلا من رعايا دول الاتحاد الأوروبي فقط·

تضييق متعمد

في المقابل، ترى بعض الأصوات أن تلك المضايقات متعمدة كنوع من التضييق على الجالية المسلمة التي تتعرض لهجوم واسع في الإعلام على الرغم من أنها أكثر الجاليات في أوروبا ابتعادا عن مشكلات التعصب والتطرف، ويرى البعض أن تلك المشكلة يمكن التغلب عليها من خلال الاكتفاء الذاتي للجالية من الأئمة والدعاة، حيث يكثر من بين أبناء الجيل الثاني من يتقنون بعض العلوم الشرعية ويحفظون ما تيسر من كتاب الله، فيمكنهم إقامة الصلوات الراتبة والتراويح، ومع بعض التدريب يمكنهم أيضا إعطاء درس في مواضيع مختلفة، سواء بإحدى اللغات المتداولة في سويسرا أو باللغات الأخرى·

اقرأ أيضاً: رمضان في فرنسا.. جمعية "الشوربة للجميع" في خدمة الصائمين.. وازدحام المساجد بالمصلين وتقاسم الفرحة مع غير المسلمين

مشكلات الوعاظ

ويرى أنصار هذا التيار أن أغلب الأئمة الوافدين لا يتحدثون اللغات الأجنبية، حيث يتقن أغلب أبناء الجالية المسلمة اللغات المتداولة في سويسرا أفضل من لغة البلاد التي يتحدر منها آباؤهم سواء كانت التركية أو الألبانية أو العربية، لا سيما الجيل الثاني منهم، وبالتالي يصعب التفاهم والتواصل بين الطرفين، ويعزز هذا التيار وجهة نظره من خلال شكاوى بعض الشباب بأن الأئمة الوافدين لا يعرفون مشكلاتهم في الغرب وبالتالي لا يقدمون لهم الحلول العملية التي يمكنهم الاستعانة بها في حياتهم اليومية، فضلا عن أن بعض الوعاظ والأئمة أثاروا في السنوات الماضية مشكلات مع السلطات، على سبيل المثال عندما استنكر إمام ضيف زواج المسلم من الكتابية، وطالب في أحد الدروس بتطليق الكتابيات واستبدالهن بمسلمات، مما أثار حفيظة بعض الحاضرين، ورأوا أن من شأن تلك اللغة أن تشعل نوعا من الفتنة داخل بعض الأسر·

المعهد الثقافي الإسلامي السويسري

تكلفة باهظة

وإلى جانب هذه العوامل فإن التكاليف المادية تلعب دورها أيضا، فاستضافة إمام من دولة أخرى تعني بالنسبة للكثير من الجمعيات الإسلامية تكلفة باهظة، في مصاريف إقامته وسفره، في الوقت الذي تعاني منه الجمعيات الإسلامية في سويسرا من مشكلات مالية لا حصر لها، إذ تعتمد أغلبها على التمويل الذاتي لسداد الإيجارات وما يتبعه من نفقات، وهي في بلد مثل سويسرا ليست بالنفقات البسيطة·

مرجعية دينية لا غنى عنها

إلا أن فريقا آخر يرى أن وجود الأئمة الضيوف من الدول العربية أمر هام وحيوي، لا سيما في شهر رمضان، ويرون أن إقبال الناس الشديد على ليالي رمضان في المساجد فرصة طيبة لتجديد الطاقة الإيمانية لأبناء الجالية، من خلال دروس التفاسير والمواعظ الطيبة.

مشكلة يمكن حلها

فعلماء الدين القادمين من الدول العربية هم بمثابة المرجعية الدينية التي لا يمكن الإستغناء عنها بأي حال من الأحوال، يقول فضيلة الشيخ يوسف إبرام إمام وخطيب مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف "وهو أكبر مساجد سويسرا مساحة، وأكثرها استضافة للمصلين"، وفقاً لجريدة "الاتحاد" الإماراتية، بأن حل مشكلة لغة الخطاب الديني يمكن حلها، إذ من الأفضل، حسب رأيه، أن تجلس إدارة المركز أو الجمعية مع الإمام الضيف وتشرح له الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في الدروس، وبالتالي لا تحدث المشكلات التي يتخوف منها فريق المعارضين، أما مشكلة اللغة فيمكن التغلب عليها من خلال الترجمة الفورية المتوفرة لا سيما في المراكز ذات السعة الكبيرة·

المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف

موائد إفطار من كل الأقطار

أما الاحتفالات الاجتماعية بالشهر الكريم فهي تختلف من منطقة إلى أخرى في سويسرا، تبعا لعادات وتقاليد الجاليات، فالجاليات التركية والمنحدرون من منطقة البلقان لا يميلون كثيرا إلى وجبات الإفطار الجماعي في المساجد، ويفضلون التجمع عائلات وأسر في البيوت لتناول الإفطار، ثم يكون اللقاء في المسجد لصلاة التراويح وسماع بعض الدروس، لا سيما وأن الافطار يكون بعد انتهاء أوقات الدوام والعمل.

بينما يميل العرب والأفارقة والآسيويون إلى الإفطار الجماعي ويستفيد منه أيضا العديد من طالبي حق اللجوء السياسي، إذ يعتبرون مثل تلك التجمعات تعويضا عن حالة القلق والتوتر التي يعيشون فيها في مراكز الإيواء التي تضمهم، ويتبارى أهل الخير في التبرع لوجبات الإفطار سواء بالمال مباشرة أو بالمساهمة في الإعداد أو بالاثنين معا، وتكون الموائد حافلة بأنواع الأطعمة التي تختلف من بلد إلى آخر، في مناسبة قلما يجتمع فيها هذا العدد الغفير من الثقافات واللهجات.

آمال مرجوة

وتأمل الجالية المسلمة في سويسرا، التي لا يقل تعدادها عن 400 ألف نسمة، أن يمر رمضان من دون حدوث مشكلات مفتعلة، مثل وشاية إلى السلطات الأمنية بأن المساجد تضم أئمة من السلفيين الذين لا ينبذون العنف والإرهاب، وبالتالي تكثر حملات المراقبة والمتابعة، أو من تهكم وسائل الإعلام عليهم بسبب صلاة التراويح والإقبال الشديد على المساجد والمخاوف التي يثيرها الإعلام من تحويلهم إلى أصوليين، أو من إثارة قضية الصيام بين العمال وتلاميذ المدارس، واتهامهم بتراجع القدرة على الإنتاج أو التحصيل بسبب التزامهم بفريضة الصيام.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً