يروج بعض الباحثين لفكرة أن مجتمع المسلمين الأول في عهد الصحابة جعلوا العشق حراما وأنه كان مجتمعا بلا مشاعر وبلا عاطفة وأن الصحابة كانوا إما مشغولين في الحرب والغزو أو مشغولون في أمور الدعوة أو بناء الدولة مع النبى صلى الله عليه وسلم ، وأن الصحابة لم يعرفوا الحب والعشق كما عرفته مجتمعات أخرى ، ولكن غاب عن مثل هؤلاء الباحثين أن المجتمع العربي التقليدي حتى قبل الإسلام كان مجتمعا معروفا بهيام رجاله بعشق النساء والتغني بالمحبوبة في غزل كثير منه غزل عفيف اشتهر ضمن معلقات الشعر العربي القديم، وليس من المتصور أن يتحول مجتمع العرب بعد الإسلام من مجتمع يهيم بالعشق والحب إلى مجتمع جاف المشاعر يجعل العشق حراما بين المسلمين والمسلمات طالما أن هذا العشق كان يدور في إطار الشرع الشريف بدون انتهاك لحرمات الله .
اقرأ أيضا : هل الحب حرام وهل الموت عشقا درجة من درجات الشهادة؟
هل جعل الإسلام العشق حراما وكيف عشق الصحابة
ومن القصص التي تؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يجعلوا العشق حراما في مجتمع المدينة المنورة قصة عاتكة بنت زيد وكانت زوجة لعبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت قد غلبته على رأيه وشغلته عن سوقه. فأمره أبو بكر بطلاقها ففعل، فحزن لفراقها فوقف لأبيه أبي بكر الصديق وهو ذاهب إلى الصلاة فبكى وأنشأ يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير جرم
يطلق لها خلق جزل وحلم ومنصب وخلق سوي في الحياة ومصدق
فرق له أبو بكر -رضي الله عنه- وأمره بمراجعتها، فلما مات قالت ترثيه:
اليت لا تنفك عيني سخينة عليك ولا ينفك جلدي أغرا
فلله عينا من رأى مثله فتى أعف وأمضى في الهياج وأصبرا
ولم ينكر فقيه من كبار فقهاء التاريخ الإسلامي مثل ابن القيم الجوزية هذه القصة بل أثبتها في فصل سماه "في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يبيحه الدين". والقصة فيها عشق رجل لأمرأة وشدة هيامه بها، حتى إنه بعد طلاقه إياها اشتد عليه فراقها، فأنشد لأبيه باكيا ومبيّنا لمنزلتها منه وحبه لها، حتى رق له أبوه وحن عليه فأمره بإرجاعها مرة أخرى وإن شغلته عن صناعته وحياته، وأبوه هو أبو بكر الصديق خليفة رسول الله وصاحبه، ومع ذلك لم يجد حرجا في أن يفهم ما بولده من الوَجد والشوق وأن يَردّ إليه روحه بحلال الوصل ورجوعه إلى مَن يحب، ثم أورد ابن القيمة الجوزية قصصا مشابهة وقعت لخلفاء النبي الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا، مما يبين أن هذه العاطفة ليست مما ينتقص من أقدار الناس في عهد الصحابة الأوائل، ثم علق ابن القيم بعد إيراده عددا من القصص التي حدثت في عهد الخلفاء: "وقد جاء عن غير واحد من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم أنهم شفعوا هذه الشفاعة" أي شفعوا للمحبين بين يدي أحبابهم.