مطلع العام 1981، سافر المهندس نبيل ميخائيل، ابن مدينة دكرنس، التابعة لمحافظة الدقهلية، إلى العراق، بحثًا عن مصدر رزق، وهناك عمل في محطة كهرباء الرمادي بالأنبار، وتطوع في فترات الراحة لتعليم أصدقائه من العراقيين اللغة الإنجليزية دون مقابل، فصار معلمًا للكثير منهم وبالأخص لمواطن عراقي يُدعى ناصر فيض الله، الذي حفظ الجميل لمعلمه المصري وظل يبحث عنه بعد عودة "ميخائيل" إلى مصر أملًا في لقائه مرة أخرى.
اقرأ أيضًا.. 5 جنيهات ثمن الحصول على إجابة امتحان اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة بالدقهلية
عودة "ميخائيل"، إلى مصر كانت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، تزامنًا مع الغزو العراقي للكويت وما تلاه من سنوات الحصار، ومنذ ذلك الوقت ظل المواطن العراقي ناصر فيض الله، يبحث عن معلمه المصرى، وسعى بشتى الطرق والوسائل للوصول إلى عنوانه ومعرفة محل إقامته حتى يأتي إلى زيارته كنوع من الوفاء بين التلميذ والمعلم؛ إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى أي معلومة تدله عليه.
اقرأ أيضًا.. "بسبب المال".. الابن العاق يقتل والده في المنزلة بالدقهلية
وعقب 29 عامًا من فراق المُعلم المصري "ميخائيل" لتلميذه العراقي "فيض الله"، توصل الأخير إلى عنوان معلمه بالتفصيل. كانت الصدفة وحدها هي العامل الذي جمع الشتيتين بعد كل هذه السنوات من الفراق؛ إذ أن التلميذ العراقي استغل مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص "فيس بوك"، في نشر اسم استاذه المصري راجيًا من يعرفه أن يمده بعنوانه.
وخلال الأيام الماضية، قرأ أحد الشباب بمدينة دكرنس، منشورات التلميذ العراقي، وتواصل معه وأمده بالعنوان الذي يقيم به مُعلمه المصري وكل التفاصيل التي تمكنه من التواصل معه من جديد، وعلى الفور تواصل "فيض الله" مع أستاذه "ميخائيل"، ووعده أن يأتي إلى مصر لزيارته يوم الجمعة المقبل.
اقرأ أيضًا.. الرسالة الأخيرة لطالبة طب المنصورة قبل انتحارها: "لا تنقذوني سيبوني أموت في سلام"
تأثر بقصة الأستاذ المصري والتلميذ العراقي، أهالي مدينة دكرنس ومحافظة الدقهلية بشكل عام، وبات الجميع ينتظر الجمعة المقبلة ليكونوا شهودًا على هذا اللقاء الذي استغرق 29 عامًا لتحديد موعده.
اقرأ أيضًا.. الآباء يتسلقون الأسوار لـ"تغشيش" الطلاب في أول أيام امتحانات الثانوية العامة بالدقهلية
ارتبط "ميخائيل"، خلال السنوات التي قضاها في العراق، بصداقات قوية مع العديد من العراقيين؛ فقد كان الرجل مثالًا لمن وهب نفسه وآثر التضحية بأوقات راحته لتعليم غيره دون مقابل، وهذا ما جعله محبوبًا من الجميع الذين ثمنوا أفعال الرجل وأعلوا م مقامه.
ومن بين الصداقات الكثيرة التي اكتسبها "ميخائيل"، في العراق، كانت هناك صداقة أشد حميمية جمعته بـ"ناصر فيض الله"، الذي لم يتمكن من الحصول على الثانوية العامة بسبب عدم مقدرته على إتقان اللغة الإنجليزية، ولأن هذا الأمر كان له أثر سلبي على "فيض الله"، فقد تطوع "ميخائيل" لتعليمه الإنجليزية، وخلال شهور قليلة تمكن المُعلم المصري أن يجعل تلميذه العراقي متقنًا للغة بدرجة أبهرت الجميع ومكنت التلميذ من الحصول على شهادة الثانوية ثم الالتحاق بكلية الحقوق.
اقرأ أيضًا.. "خناقة وشد شعر" بين طالبيتن عقب خروجهما من لجنة امتحانات الثانوية العامة بالدقهلية
اعتبر التلميذ العراقي "فيض الله"، ما فعله معه أستاذه المصري "ميخائيل"، بمثابة تصحيح لمسار حياته، وإنقاذه من معاناة البقاء دون الحصول على شهادة جامعية، فأعلى من مقامه، وحفظ له الجميل، وظل وفيًا معه حتى بعد أن ترك "ميخائيل" العراق وانقطعت عنه أخباره، ولم ييأس طوال 29 عامًا من معرفة محل إقامته والمجئ لزيارته ليقول له: "شكرًا على حُسن صنيعك معي أيها الأستاذ"، وبات الجميع في محافظة الدقهلية ينتظرون يوم الجمعة المقبل ليكونوا شهودًا على إحدى لمسات الوفاء وحفظ الجميل الذي قلما نراه يتكرر اليوم.