لم يكن الشيخ الشعراوي عالمًا عاديًا، لكنه كان صاحب طريقة «متفردة» في الوصول إلى القلوب واقتحام العقول، فكان يجمع بين قوة اللغة وسهولة الإلقاء، هذا بجانب تمكنه في استخدام لغة الجسد التي لم يعرف أحد إلى الآن سر إقناعه للناس بها.
ذكرى وفاة الشعراوى
تجلس أمامه تستمتع بلغة خطابه وإيماءته، وكأن «الشعراوي» يمتلك سحرًا بلغته التي يمزج فيها المعاني البلاغية والجمل النحوية مما يجعلك في إبهار مستمر، وتأثر الكثيرون بعلمه كثيراً فكان هو العالم الصوفي الزاهد الذي استطاع أن يأسر الجميع بعلمه وجميل لغته وأخلاقه، ومواقفه التي ظلت محفورة في ذاكرة كثير من الناس إلى الآن.
اقرأ أيضًا: خالد الجندى يسخر من مهاجمى الشعراوي والسنة (فيديو)
الشعراوى يخترق قلوب البسطاء
الشعراوي استطاع أن يصل إلى جميع الطبقات المختلفة المتعلم والأمي، الغني والفقير، الكبير والصغير، كان كلامه يخرج من قلبه فيخترق قلوب البسطاء بسرعة لم تكن تتخيلها، لقد أثر في كل من عاصروه وترك فيهم أثرا حسنا، بل امتد ذلك ليؤثر في الأجيال التي تعاقبت بعد وفاته، كان سببا في التزام الكثيرين من أبناء الطبقات المختلفة، وكان الجميع يكن له تقديرا.
التحولات الفكرية
عندما تقرأ عن حياة الشعراوي وسيرته تجدها مليئة بالتحولات الفكرية حتى وصل إلى أن أصبح له فكر خاص بل وله أتباع يسيرون على نهجه، فهو أول من خط بيده بيان تأسيس جماعة الإخوان المسلمين وما لبث حتى أعلن انشقاقه عنها نظرا لانتمائه القديم لحزب الوفد الذي كان زعيمه «سعد زغلول» وبعده «مصطفى النحاس» اللذان كان يعشقهما الشعراوي بل وأنشد فيهما شعرا، لم يكن من محبي «السياسة» ولا من المتطلعين للمناصب، ولكن القدر ساقه إلى الاشتباك في معاركها، حتى نضاله المشهور في معهده كان ضد الإنجليز وهو ما كان يحتمه عليه واجبه الوطني، كان يرى في مؤسسة الأزهر «قداسة» لا يجب أن يصل أحد إليها، فكان من أول المعترضين على قانون الأزهر وهو ما جعل «عبد الناصر» يرسله على رأس بعثة التعريب في الجزائر، حتى جاء السادات واستدعاه للتدخل في رجوع العلاقات السعودية المصرية نظرا لعلاقاته الجيدة مع المملكة الذي قضى فيها عمرا طويلا مدرسا في كلياتها، بعدها أراد السادات أن يصبغ على حكمه الصبغة الدينية فاستدعاه وزيرا للأوقاف ولكنه لم يلبث حتى خرج من الوزارة كما أتى، بل إنه اصطدم بالسادات لما رغبت «جيهان السادات» في تأييده لقانون الأحوال الشخصية، وهو كان يرى أنه مخالفا للشريعة الإسلامية، وبعدها اتفاقية «كامب ديفيد» الذي صمت الشعراوي قليلا ثم لم يمكث طويلا حتى تحدث في دروسه عن صفات اليهود السلبية، ليطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي رسميا بوقف حلقاته.
أدعياء الدين
كان معروفا بتصوفه وحبه لآل البيت وهو ما جعله عرضة للمتشددين من أدعياء الدين، ودخل في صدامات فكرية عنيفة لكنه كان ينتصر في النهاية، ولعل أبرز المعارك التي خاضها معركته مع توفيق الحكيم في تسعنيات القرن الماضى، لم يتبوأ منصباً قيادياً داخل مؤسسة الأزهر لكنه كان يتمتع بمكانة ربما كانت أكبر من شيوخ الأزهر الذين تعاقبوا عليه أثناء حياته.. توفي الشعراوي في مثل هذا اليوم من عام ١٩٩٨ ولكن لم تقل محبة الإمام الشعراوي ولم تختف كلماته.