"هل يدرك الكثيرون من صناع الوهم المفرطون فى اعطاء المواطن جرعات كثيرة من الأمل لحساب المصالح الشخصية أن الشعارات والكلمات إذا لم تجد مناخ خصب وعمل جاد لتحقيقها ستخلص في النهاية إلى كارثة مؤلمة؟!،إن صناعة التفاؤل الوهمى تعنى تدنى الهمم و انحطاطها وتؤدى إلى الإحباط الشديد ونتائجها تأتى مساوية تماماً لنتائج إشاعة مناخ اليأس و التشاؤم و تصوير المستقبل للمواطنين انه صعب و أن القادم لن يكون أفضل".
يقول الكاتب الكندي مارشال ماكلوهان "إن التحول الأساسى في الاتصال التكنولوجى يجعل التحولات الكبرى تبدأ ليس فقط في التنظيم الاجتماعى ولكن أيضا في الحساسيات الإنسانية"،والنظام الاجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل،وبدون فهم الأسلوب الذي تعمل بمقتضاه وسائل الأعلام لا نستطيع أن نفهم التغيرات الإجتماعية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات."
و مما لا شك فيه أن الأله الإعلامية فى مجتماعتنا بكافة أشكالها و ألوانها المتعددة الأن تقوم بهذا الدور على أكمل وجه في زمن تزدحم به الوسائل الإعلامية بكم هائل من الأحداث لتحاصر العقول بضجيجها وصخبها ومن ثم تغرقها بكم لا حصر له من المعلومات،سواء عن طريق البرامج الحوارية وبرامج التوك شو او نشرات الأخبار أو من خلال صفحات السوشيال ميديا او من خلال الأفلام السينمائية، وهناك محورين رئيسيين من اجل ان تقوم اجهزة الأعلام بهذا الدور، أولهم صناعة النجوم و دورهم في الهيمنة الاعلامية و ثانيهم التأثير على الجمهور المتلقى.
يتبع المنبر الإعلامى فى بلادنا نظرية قديمة تسمى "وضع الأجندة أو ترتيب الأولويات" ،حيث توضح النظرية دور وسائل الإعلام في إيجاد الصلة بين الأحداث التي تقع والصور الذهنية التي تنشأ في أذهان الجماهير عن تلك الأحداث ،وبالتالي تشكيل رأي عام معين يرتبط بالأهداف التى يريد الإعلام توصيلها ،بغض النظر عن "مصداقية الخبر المنقول"أو "الصورة الذهنية" التى تشكلت مجتمعياً.
ومع الجزم بأن لوسائل الإعلام اليد العليا وبأن المحتوى الإعلامي ذو تأثير بالغ فلم يبتعد كثيراً "بيل جيتس" مالك شركة "مايكروسوفت" حين قال: «من يسيطر على الصورة يسيطر على العقل»، ففي دراسة أعدتها الباحثة الألمانية "إليزابيث نويله- نويمان" قدمت نظرية أقامتها بناءاً على بحوثها التجريبية في هذا المجال،حيث خلصت إلى افتراضها بأن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات وأفكار معينة، فإن غالبية الجماهير سوف تتحرك في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي ستتبنى الأفكار التي تدعمها تلك الوسائل لما لها من قوة وتأثير على الجمهور، وبالتالي يتشكل الرأي العام بما يتسق -مجدداً- والسياسة التحريرية لتلك الوسيلة.
ليس صحياً أن نسمع فى كل وقت أن الحكومة سوف تجعل أعمدة البيت متينة و قوية،بل يجب أن تتأكد من صلاحية مواد البناء وطريقة صُنعها حتى يثق المواطن أن البيت لن ينهار عليه يوماً من الأيام ،نحن نعلم أهمية الوعى سياسياً لكن هل تقوم الهيئات المعنيه بدورها التوعوى فى المجتمع ؟، و نعلم أهمية الوعي فكرياً لكن أين المفكرين والأدباء القادرين على اقناع المواطن ؟، ونعلم أهمية الإصلاح للمجتمعات لكن أين هي أليات تطبيقها و كيفية تنفيذها ؟.،
رجاءاً من القائمين على صناعة الإعلام فى بلادنا "لا تفرطوا فى جرعات الأمل" حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه.