تعهدت "ورشة المنامة" بتقديم عشرات المليارات من الدولارات للأراضي الفلسطينية، وضمن ذلك الأردن، لتكون حوافز لقبول خطة من شأنها أن تمنع قيام الدولة الفلسطينية، ولما كان الأردن يعاني أزمة مالية، فمن المفترض عادة أن يكون متحمساً لأي مساعدة خارجية، بعد تساوى الدين الأجنبي تقريباً مع كل الإنتاج الاقتصادي، ووصول البطالة إلى قرابة 20%،ومع ذلك، تتعلق المشكلة بالهوية القومية، أو بالأحرى عدم وجودها، وليس بإمكان مزيد من المساعدات أن تشتري هوية للأردن، حيث يخشى الأردنيون من أن "صفقة القرن" تعني أن تصبح مملكتهم "وطناً بديلاً" للفلسطينيين، الذين سوف يدخلون من خلال إعادة التوطين الجماعي، أو من خلال نظام كونفدرالي مع أي جزء من الضفة الغربية لا تريده إسرائيل،وكان هذا المقترح بأن يصير الأردن وطناً للفلسطينيين نشأ بين اليمين الأمريكي والإسرائيلي في الثمانينيات بمنطقٍ يبالغ في التبسيط: إذا كانت إسرائيل لا تريد الفلسطينيين، فلنعطهم للأردن.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير إسرائيلي عن ورشة المنامة أن الانشغال الرسمي بالاقتصاد الفلسطيني كان واجهة غطت على الموضوع المركزي غير الرسمي، وهو عقد الصفقات من وراء الكواليس، والتطبيع بين دول عربية وإسرائيل.
وأشار التقرير أيضا إلى أنه بالنسبة لرجال الأعمال فإن عقد الصفقات من وراء الكواليس كان أهم بكثير من موضوع المؤتمر نفسه.
وكشفت مراسلة "هآرتس" في المؤتمر، "نوعا لانداو"، أنه من وراء الكواليس، في ورشة المنامة في البحرين، كانت مجموعة ليست صغيرة من ممثلي دول الاتحاد الأوروبي تراقب المباحثات الجارية.
وتبين أن دولا أوروبية كثيرة أرسلت إلى المؤتمر موظفين من وزارات الخارجية أو المالية، بدلا من مسؤولين كبار في المستويات السياسية.
اقرأ أيضاً.. أبو تريكة عن مؤتمر المنامة: "صغيري كوشنر أرضنا ليست للبيع"
وكتبت أنه "في غياب الفصل السياسي لخطة السلام، فمن الصعب على الممثلين الأوروبيين أن يضعوا تقديرات لأهمية وجدية الفصل الاقتصادي، فمن جهة يدعمون إصلاح الاقتصاد الفلسطيني لكونهم المانحين المركزيين في السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى فإن ابتعاد الفصل السياسي عن حل الدولتين يجعل من الصعب عليهم دعم خطة السلام.
وأشارت إلى أن المؤتمر شمل، في اليوم الثاني له، مباحثات على شكل مجموعات "بانلز"، بشكل مواز للقاءات جانبية كثيرة بين ممثلي دول عربية ورجال أعمال إسرائيليين.
وفي سياق متصل، قال خبير اقتصادي إسرائيلي للصحيفة إن "الخطة الأمريكية الاقتصادية التي قدمت في قمة البحرين مخيبة للآمال، لأنها تكشف ذروة غياب المهنية.
اقرأ أيضاً.. إعلامي إسرائيلي في البحرين يمسك بزجاجة "بيرة": نحن أمام شرق أوسط جديد
وأضاف أن "قمة البحرين تعيدني إلى أكتوبر 1994، حين هبطت أربع طائرات إسرائيلية بمدينة الدار البيضاء المغربية، التي استضافت القمة الاقتصادية الشرق أوسطية وشمال أفريقيا الأولى عقب توقيع اتفاق أوسلو، وأتت بمئات الإسرائيليين، من بينهم رئيس الحكومة إسحاق رابين، ووزير الخارجية شمعون بيريس، وسياسيين، ورجال أعمال، وصحفيين، وخبراء.
وأشار إلى أن "أحد المشاركين كان "يوسي فردي"، الخبير الإسرائيلي في شؤون التطوير الاقتصادي الإقليمي، وأحد مقربي رابين، الذي منحني قبل صعودنا للطائرة كتابا مزدحما بالخرائط والخطط التي أعدها مع طواقم خبراء من إسرائيل والأردن وفلسطين ومصر، وتصدر هذه الخطط مشاريع كبيرة في إقامة البنى التحتية المشتركة ومشاريع تفصيلية، وكانت ترجمة هذا الكتاب بالتفصيل هو عبارة "شرق أوسط جديد".
وأوضح أن "الخطة الواردة في الكتاب عرضها الوفد الإسرائيلي أمام ممثلي العالم العربي، وحين بدأوا بتصفح الكتاب الذي وزع عليهم، كأن ماء باردا صب على ظهورهم، فقد فتحوا الكتاب بسرعة، وتصفحوه، ثم أغلقوه على الفور، ولسان حالهم يخاطبنا نحن الإسرائيليين: "لا نريدكم، إن أردنا تطوير اقتصاديات بلادنا سنفعل ذلك بمفردنا، ووفق طريقتنا الخاصة".
وأكد أن "المشاريع المطروحة حينها، كالبنك الإقليمي لتطوير الشرق الأوسط، لم تنجح، رغم ضغوط الرؤساء بيل كلينتون، وبوريس يلتسين، على حسني مبارك، والملك حسين، ولم يتم التوقيع على أي اتفاق للاستثمارات الاقتصادية، حتى خلال القمم التالية بالقاهرة وعمان، فالشكوك المتبادلة، والعداء الثنائي، والخوف من عملية التطبيع مع إسرائيل باشتراط التوصل لحل مع الفلسطينيين.
وأضاف أن "هذه الأحداث خطرت على بالي وأنا أقرأ أجندة اجتماع قمة البحرين، والخطة الاقتصادية التي وزعها صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جيراد كوشنير، لكنها ظهرت خطة مخيبة للآمال، لأنها تعبر عن عدم فهم جيد للواقع الاقتصادي الجاري في المنطقة، وتجاهل تام للتطورات الجيو-سياسية الإسرائيلية الفلسطينية الأردنية، وأبحاث البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ما يفسر ضحالة هذه الوثيقة الأمريكية".
وأوضح أن "الخطة الاقتصادية الأمريكية الحالية الموزعة خلال قمة البحرين لم تقدم حلولا تفصيلية لمشاكل اللاجئين، وتقسيم موارد المياه الإقليمية، والضرائب والجمارك، ولم تأخذ بعين الاعتبار الفجوات القائمة في مستوى المعيشة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والحواجز العسكرية، وجدار الفصل، والعمالة الفلسطينية في إسرائيل".
وأكد أن "المبلغ المرصود للفلسطينيين -وهو 50 مليار دولار- ليس حقيقيا، بل كاذبا، لأن حجم ما حصلت عليه السلطة الفلسطينية فقط خلال العقد الأخير بين 22-23 مليار دولار، ولذلك فإن التفكير بتحويل فلسطين إلى سنغافورة وكوريا الجنوبية وفق هذه الوثيقة الأمريكية هو حماقة اقتصادية واجتماعية وسياسية وشرق أوسطية من الدرجة الأولى".
وختم بالقول إنه "في الوقت الذي أظهرت فيه قمة الدار البيضاء في 1994 مستوى متقدما في الجدية والواقعية والمهنية، فقد أظهرت لنا الوثيقة الاقتصادية الأمريكية في قمة البحرين 2019 نموذجا من الأوهام".