تعمل طواقم تابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، على إجراء مسح لأرشيفات ، وتقوم بإخفاء وثائق تاريخية، خاصة تلك المتعلقة بأحداث وقعت أثناء النكبة عام 1948، وكذلك وثائق متعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي، وفقا لتقرير صحيفة "هآرتس"، الذي أكد أن هذه الطواقم تنقل الوثائق وتحتجزها في خزانات.
ونقلت الصحيفة عن معهد "عكيفوت" أن تلك الوثائق التي يتم تدميرها متعلقة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في وقت النكبة 1967،وتبين من تقرير المعهد، أن المسؤول عن حملة إخفاء هذه الوثائق هي دائرة "المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن"، وهو جهاز سري ويعتبر نشاطه وميزانيته سرية.
واعترف يحيئيل حوريف، رئيس الجهاز بأنه هو الذي أخرج هذه الحملة إلى حيز التنفيذ، وأنها متواصلة حتى يومنا هذا، وزعم في حديث للصحيفة، أن ثمة منطقا في إخفاء أحداث العام 1948، لأن كشفها سيؤدي إلى غليان لدى السكان العرب، وحول إخفاء وثائق بعد أن تم نشرها في الماضي، اعتبر حوريف أن غاية ذلك تقويض مصداقية أبحاث حول تاريخ قضية اللاجئين.
اقرأ أيضاً.. احداث اسرائيل.. يهود الفلاشا يرددون "الشهادتين" ويهتفون باسم فلسطين
مجزرة الصفصاف
بداية جريمة إخفاء الوثائق ومحاولة طمس تاريخ النكبة، كما تقول الصحيفة، كان في شهر مايو العام 2015، عندما عثرت المؤرخة تمار نوفيك على وثيقة في أرشيف "يد يعري" في كيبوتس غفعات حبيبا التابع لحزب مبام، وتحدثت الوثيقة عن مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق سكان قرية الصفصاف الفلسطينية في الجليل واحتلت خلال عملية "حيرام" في نهاية العام 1948.
التهجير
إحدى الوثائق التي أخفاها "المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن" كتبها ضابط في "خدمة المعلومات"، أي جهاز المخابرات التابع لمنظمة "الهاجانا" الصهيونية، ووثقت هذه الوثيقة خلال الأحداث ظروف خلو فلسطين من سكانها العرب، وتطرقت إلى ظروف كل قرية، وقد كُتبت الوثيقة في نهاية يونيو 1948، تحت عنوان "حركة هجرة عرب أرض إسرائيل".
وكانت هذه الوثيقة في صلب مقال نشره موريس، عام 1986، وبعدها تم سحبها من الأرشيف بهدف إخفائها عن أعين الباحثين، وبعد عدة سنوات أصدر "المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن" أمرا بإبقائها قيد السرية، إلا أنه بعد ذلك بسنوات، عثر باحثون من معهد "عكيفوت" على نسخة من هذه الوثيقة، وطلبوا فحصها من قبل الرقابة العسكرية، التي صادقت على نشرها دون تحفظ.
وتتطرق مقدمة الوثيقة إلى تهجير القرى العربية بحماس بالغ، وحسب كاتبها، فإن شهر أبريل "تميز بارتفاع في حركة الهجرة"، بينما "شهر مايو كان مليئا بإخلاء أكثر ما يمكن من الأماكن".
ووصف كاتب الوثيقة "أسباب الهجرة العربية"، وأن 70% من العرب غادروا فلسطين بتأثير من العمليات العسكرية اليهودي، وهذا يتناقض مع مزاعم إسرائيل بأن قضية اللاجئين سببها دعوة جهات سياسية عربية للفلسطينيين بمغادرة فلسطين.
اقرأ أيضاً.. دراسة تكشف عن "أصل" الفلسطينيين القدماء
وتضمنت الوثيقة تدريجا لأسباب التهجير وفق أهميتها: السبب الأول هو "عمليات معادية يهودية مباشرة ضد أماكن سكنية عربية"؛ السبب الثاني هو تأثير تلك العمليات على قرى مجاورة؛ السبب الثالث هو عمليات نفذتها منظمتي "إيتسيل" و"ليحي"؛ السبب الرابع هو أوامر مؤسسات عربية و"عصابات"؛ السبب الخامس هو "عملية همسية يهودية لدفع السكان العرب على الهروب"؛ والسبب السادس هو "أوامر إنذارية بالإخلاء" صدرت عن القوات الإسرائيلية.
وتابع كاتب الوثيقة أنه "من دون شك أن العمليات العدائية كانت السبب الأساسي لحركة السكان"، مشيرا إلى أن "مكبرات الصوت باللغة العربية أثبتت نجاعتها في مناسبات عدة واستغلت بالشكل اللائق".
وأضاف في ما يتعلق بعمليات "إيتسيل" وليحي" أن "الكثير من قرى الجليل الأوسط بدأوا يهربون بعد خطف وجها الشيخ مونس، وقد تعلم العربي أنه ليس كافيا إبرام اتفاق مع الهاغانا، وأنه يوجد يهود آخرون ينبغي الحذر منهم".
واحتوت الوثيقة على ملحق يصف أسباب تهجير سكان عشرات القرى العربية: عين زيتون – "القضاء على القرية بأيدينا". قيطية – "إزعاج، تهديد بعملية". علمانية – "عملياتنا، قُتل الكثيرون،الطيرة – "نصيحة يهودية ودية، عرب عمرير – "بعد سطو وقتل نفذته ايتسيل وليحي، سمسم – "إنذار وجهناه". بير سليم – "هجوم على بيت الأيتام،زرنوقة – "احتلال وتهجير".
اقرأ ايضاً.. غثيان وقئ.. فيروس غامض يصيب جنود الاحتلال الإسرائيلي
شهادات حديثة حول النكبة
لم يكتف "المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن" بإخفاء وثائق، وإنما يسعى إلى إخفاء أي شهادة، حتى الشفهية، حول النكفة وطمس جرائم المنظمات الصهيونية وإسرائيل. ووضع أفراد هذا الجهاز يدهم على تسجيلات سلسلة مقابلات مع شخصيات عامة وعسكريين إسرائيليين سابقين، أجراها "مركز رابين"ن في بداية سنوات الألفين، في إطار مشروع لتوثيق عملهم في السلك الحكومي. وحول الجهاز مقاطع واسعة من هذه المقابلات إلى سرية، بعد مقارنة نسخ أصلية لعدة مقابلات، حصلت عليها الصحيفة، ومقابلات يُسمح بالاطلاع عليها وحّذفت منها مقاطع.
وقد حذفت مقاطع من شهادة الضابط الإسرائيلي أرييه شاليف، الذي تحدث عن طرد سكان قرية صبرا إلى ما وراء الحدود، وحذف الجهاز من هذه الشهادة الجملة التالية: "لقد كانت هناك مشكلة جدية في الأغوار، وكان هناك لاجئون أرادوا العودة إلى الأغوار، وإلى المثلث وقمنا بطردهم، وأنا التقيت معهم وأقنعتهم ألا يرغبوا بذلك بالعودة.
كذلك أخفى الجهاز شهادة خلال مقابلة مع الضابط برتبة لواء إلعاد بيلد:
س: نحن نتحدث عن سكان، نساء وأولاد؟
ج: "الجميع، الجميع، نعم".
س: لا تفصلون؟
ج: "المشكلة بسيطة جدا. الحرب بين مجموعتين سكانيتين. وهم يخرجون من البيت".
س:وإذا كان البيت موجودا فثمة مكان يعودون إليه؟
ج: "لم تكن هذه جيوشا بعد، إنها عصابات. وعمليا نحن كنا عصابات أيضا. نحن نخرج من البيت ونعود إليه. هم يخرجون من البيت ويعودون إليه. وهذا إما وطنهم أو وطننا".
س: المعضلات لدى الجيل الأخير؟
ج: "نعم، اليوم. عندما أجلس على الكنبة هنا وأفكر بما حدث، فإنه لدي تساؤلات".
س: وهذه لم تكن موجودة حينذاك؟
ج: "دعني أقول لك شيئا أكثر بشاعة ووحشية، عن الغزوة الكبيرة في سعسع. وكان هدفها ردعهم عمليا، والقول لهم: ’أيها الأصدقاء الأعزاء، بإمكان البلماح الوصول إلى أي مكان، وأنتهم لستم محميون’. لقد كان هذا قلب المجتمع العربي. لكن ماذا فعلنا. فجرت وحدتي عشرات البيوت وكل شيء كان هناك".
س: فيما الناس نائمون هناك؟
ج: "أتخيل ذلك. ماذا حدث هناك، جئنا، دخل إلى القرية، وضعنا لغما قرب كل بيت، وبعد ذلك تم إطلاق البوق، لأنه لم يكن بحوزتنا أجهزة اتصال وكانت هذه الإشارة للخروج. نجري إلى الخلف، خبراء المتفجرات يبقون، يسحبون، كل شيء بدائي. يشعلون الفتيل أو يسحبون جهاز التشغيل وكل هذه البيوت تذهب".
وفي مقابلة أخرى، تحدث الضابط برتبة لواء أبراهام تمير، عن عمليات في القرى العربية بموجب سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأولى، دافيد بن غوريون "مُنحت حرية في العمل، لا تسأل، وقمت بإدارة عمل قيادي وتنفيذ إثر تطورين، بموجب سياسة بن غوريون.
التطور الأول كان عندما وصلت معلومات عن مسيرات لاجئين من الأردن باتجاه القرى المهجورة،وعندها أقر بن غوريون سياسة وجوب الهدم كي لا يكون لديهم مكان يعودون إليه، وهذا يعني جميع القرى العربية والتي غالبيتها كانت في المنطقة الوسطة".
س: وكانت لا تزال قائمة؟
ج: "التي لم نُسكن فيها إسرائيليين. وكانت هناك أماكن أسكنّا فيها إسرائيليين، مثل زخاريا وأماكن أخرى، لكن الأغلبية كانت لا تزال قرى مهجورة".
س: قائمة؟
ج: "كانت قائمة. وكان ينبغي ألا يكون هناك مكان للعودة، فجندت كل الكتيبة الهندسية التابعة للمنطقة الوسطى، وسويت خلال 48 ساعة هذه القرى بالأرض نقطة لا مكان للعودة إليه. بدون تردد. هذه كانت السياسة".
اقرأ أيضاً.. لليوم الثالث.. استمرار احتجاجات إسرائيليون من أصول إثيوبية
صناديق الوثائق
الخزنة في أرشيف "يد يعري" عبارة عن غرفة مغلقة بإحكام، تقع في الطابق الأول تحت الأرض، وتوجد بداخلها صناديق تحتوي على وثائق سرية، تابعة لـ"هشومير هتسعير"، "الكيبوتس القطري"، حزب مبام، حزب ميرتس، وحركات أخرى بينها "سلام الآن".
ويدير الأرشيف دافيد أميتاي، الذي قال إن أفراد جهاز "المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن" كانوا يأتون إلى الأرشيف في السنوات 2009 – 2011، مرتين أو ثلاث أسبوعيا، وكان هؤلاء أشخاص متقاعدون من وزارة الأمن ومن تأهيل للعمل في أرشيفات، وبحثوا في الوثائق وفقا لكلمات، مثل "نووي"، "أمن" و"رقابة عسكرية"، وخصصوا وقتا كبيرا لحرب العام 1948 ومصير القرى العربية.
الأسرار النووية كذريعة
بداية عمل الجهاز في إخفاء وثائق الأرشيفات كانت أثناء عمل البروفيسور طوفيا فريلينغ كمسؤول عن أرشيف الدولة، بين السنوات 2001 – 2004، وأوضح فريلينغ أن "ما بدأ كحملة لمنع تسرب الأسرار النووية تحول لاحقا إلى حملة رقابة عسكرية واسعة النطاق.
أنهيت عملي بعد ثلاث سنوات وكان هذا أحد أسباب مغادرتي، والسرية التي فرضت على وثيقة تهجير العرب في 1948 هو بالضبط المثال التي تحسبت منه، ومنظومة الأرشيف ليست ذراع علاقات عامة للدولة،وإذا كان هناك شيئا لا تحبه، فهكذا هي الحياة، مجتمع معافى يتعلم من أخطائه".
وأكد فريلينج على أن التخوف في وزارة الأمن من نشر وثائق الأرشيفات بطرق حديثة، على الإنترنت، كان من احتمال أن ينشر خطأ وثائق تتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، وأن المصادقة الوحيدة التي أعطيت للجهاز هي البحث عن وثائق بشأن البرنامج النووي.
وأضاف أنه "في العام 1998 انتهت السرية على أرشيف الشاباك والموساد، وطوال هذه السنوات استخفوا بالمسؤول عن أرشيف الدولة،وعندما توليت المنصب، طلبوا تمديد السرية لسبعين عاما، وبصورة جارفة.
وقالت الصحيفة إن أفراد الجهاز ما زالوا يحضرون إلى أرشيف "يد تبنكين"، وتتجاوز رقابتهم وتمديد سرية الوثائق تلك المتعلقة بالنووي، إلى مقابلات أجراها موظفو الأرشيف مع أفراد من منظمة "بلماح" ومواد تتعلق بتاريخ المشروع الاستيطاني.