أعلى الصخور الواقعة في الطرف الجنوبي الشرقي من جزيرة سهيل بمحافظة أسوان، توجد لوحة يبلغ طولها مترين بها نقش أثري، تعترضه شقوق ناتجة عن محاولة سرقتها منذ حوالي 70 عامًا، والتي تعرف باسم جدار أو جدارية المجاعة.
تعلو الجدارية عن مستوى سطح النيل حوالي 50 مترًا، وتشير اللغة والخطوط التصميمية المستخدمة فيها إلى أنَّها تعود للعصر البطلمي، وربما لعهد الملك بطليموس الخامس.
وتحتوي اللوحة على 43 عمودًا من النقش الفرعوني، يصف كيف كان غضب الملك زوسر بسبب حالة الجفاف التي وقعت بها مصر لسبع سنوات، تمامًا كما هو مذكور في سورة يوسف بالقرآن الكريم، حيث لم يفض النيل خلال تلك الفترة، وذلك وفقًا لترجمتها الأولى من قبل عالم الآثار الفرنسي بول بارجيه عام 1953.
وربط عدد من الباحثين المعاصرين هذه القصة بقصة «حلم الفرعون» الذي فسَّره له نبي الله يوسف والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم، خاصة أنها تبدو متطابقة في الكثير من الأحداث، ولكن بعض الدراسات الأخيرة أظهرت أنَّ مجاعة السبع سنوات وردت في أكثر من نص وهي مشتركة بين ثقافات في منطقة الشرق الأدنى، وهناك أسطورة في بلاد ما بين النهرين تتحدث أيضًا من مجاعة سبع سنوات وهي الأسطورة الملحمية الشعرية الشهيرة «جلجامش».
وتروي الجدارية مراسلة الملك زوسر لحاكم الجنوب بأسوان لكي يستفتيه في هذا الخطب الذي «قلت فيه الأقوات وغلقت المعابد بعد جفاف النيل»، ويستشيره أي الآلهة أولى باستدرار العطف.
وكان نص الخطاب: «أبلغك بالحزن الذي ابتليت به وأنا جالس فوق عرشي العظيم، وكيف أن قلبي يتألم بسبب المصيبة الكبيرة التي حدثت بسبب عدم ارتفاع النيل لمدة سبع سنوات، فهناك نقص في محصول القمح ولا توجد أي خضراوات ولا يوجد طعام من أي نوع وكل شخص يسرق جاره، وليس لدى مستشاري أي نصيحة يقدمونها، ولما فتحت الشون لم يخرج منها غير الهواء، كل شيء في حالة من الخراب»، متسائلًا عما إذا كان يعرف من أين ينبع النيل ومن أي إله يطلب المساعدة.
وبعد هذه الشكوى، توجَّه الحاكم إلى الشمال ومعه المعلومات بأن «خنوم» هو من يحكم الفيضان ويأتي بالنيل الطيب والرديء.
وفي الجزء العلوي من اللوحة، يقدم الملك «زوسر» القرابين لثلاثة آلهة مصرية «خنوم، ساتيس، وأنوخيت»، وأبلغ «خنوم» الملك أنه غاضب لأنه أهمل معبده حتى حل به الدمار، مبديًّا استعداده في أن يرق قلبه ويقدم المحاصيل الوفيرة إذا عني به تمامًا.
ويشير النص في الجزء السفلي إلى أنَّ «زوسر» أصدر أمرًا يمنح «خنوم» الأرض الواقعة جنوبي جزيرة سهيل حتى جزيرة تاكمبو، وهي بقعة من الأرض تتراوح من 80 إلى 90 ميلًا، عرفت فيما بعد باسم «الدوديكا شوينوي»، وبالإضافة إلى ذلك سنَّ قانونًا بتحصيل ضريبة لصالح خنوم أو كهنته من صيادي السمك والطير وكل من يتعايش من نتاج النيل وكذا من عمال مناجم الذهب وقادة القوافل الذين يعودون بطريق الفانتين من الصحراء.
وتتحدث نصوص أخرى مهمة عن حفر قناة بطول شلال أسوان لتجري بها المراكب، والتي أعاد حفرها سنوسرت الثالث ليمر فيها أسطوله الحربي، وتقع هذه القناة أمام «جدارية المجاعة»، بينما توجد خلفها أربعة قنوات أخرى تم شقها في ثلاثة عهود مختلفة، وهي سنوسرت الثالث وتحتمس الأول وتحتمس الثالث.
يقول شريف حسن حارس بالمنطقة الأثرية التي توجد بها جدارية المجاعة لـ«أهل مصر» إنَّ السياح من مختلف أنحاء العالم كانوا يذهبون لأسوان لزيارة «جدار المجاعة» والآثار المحيطة به، وكذلك انقسام جزيرة سهيل إلى جزء أثري، وآخر للنزهة وركوب الخيل وهو الذي حظى بالجانب الأكبر من الزيارات.
وتقع جزيرة سهيل في الجنوب من أسوان أسفل الشلال، ويوجد فوق صخورها 250 نقشًا أثريًّا، ما جعل هذه الجزيرة جديرة بالزيارة ليس فقط بسبب مناظرها الطبيعية الرائعة، ولكن بسبب نقوشها القديمة المتعددة، وتمثل جدارية المجاعة النقش رقم 81، ويعد أكثرها أهمية.
نقلا عن العدد الورقي.